لقد أمرنا الله جل جلاله في محكم كتابه العزيز بالمسارعة والمبادرة إلى الأعمال الإيجابية المحمودة بقوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، وانطلاقًا من الآية الكريمة فإن المبادرة المجتمعية عبارة عن تجمع من الأفراد والمنظمات المشاركة وجزء لا يتجزأ من المجتمع، والتي تكرس جهودها لتحسين صحة ورفاهية المجتمع. وتسعى جاهدة إلى معالجة المشاكل الاجتماعية والحد من تأثيرها لتحسين نوعية حياة أفراد المجتمع، وهي جهود يقودها الأفراد أو المجموعات المنظمة في المجتمعات المحلية أو العالمية وتهدف إلى تحسين الحياة في هذه المجتمعات. وتتنوع هذه المبادرات في مجالات عدة، بما في ذلك التعليم والصحة وحقوق الإنسان والبيئة، والتنمية المستدامة، والتكنولوجيا والابتكار، من أمثلة المبادرات المجتمعية المهمة، يمكن ذكر مبادرات تعزيز التعليم والتدريب في المجتمعات الفقيرة، ومبادرات توفير الرعاية الصحية للفئات الأشد حاجة، ومبادرات حماية البيئة وتحسين جودة المياه والهواء، ومبادرات تعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، ومبادرات تعزيز الابتكار وريادة الأعمال والتكنولوجيا في المجتمعات النامية. وتعد هذه المبادرات أمثلة على الجهود المبذولة لتحسين الحياة وتحقيق التغيير الإيجابي المستدام في المجتمعات المحلية والعالمية.
عندما نسمع عن المبادرات المجتمعية يتبادر إلى أذهاننا مجموعات من الأفراد تعمل نحو الاستدامة وقضاياها من دون عائد مادي وربحي، يسيرون وفق خطة لتحسين شيء ما أو حل مشكلة، وذلك من خلال العمل المخطط له أو نشاط يتم تنفيذه خلال فترة زمنية ويهدف إلى تحقيق غرض معين؛ لذا فإن مفهوم المبادرة المجتمعية يرتكز في الأساس على تنمية المجتمع حسب الظروف والعوامل المؤثرة فيه، وتهدف المبادرة إلى تعزيز دور الشباب في المجتمع وتمكينهم من المشاركة الفعالة في صنع القرار وتحديد مصير مستقبل المملكة، كما تعمل على تشجيع الشباب على التعاون والتفاعل مع بعضهم البعض وتكوين شبكات علاقات اجتماعية ومهنية قوية، وتعد أهمية المبادرة في الحياة والمجتمع كبيرة، حيث إنها ذات جذور متأصلة في المجتمع، ونظرًا إلى أنها غالبًا ما تعكس أهداف وقيم تلك المجتمعات.
هذا على عكس المبادرات التي اتخذتها المؤسسات الربحية، مثل مجموعات البحث والتطوير التي تختبر أفكارًا جديدة، ولكنها تهدف إلى الاستفادة من هذه الفكرة الجديدة وجني أرباحها.
وتتمثل أهمية المبادرات المجتمعية في عدة نقاط، أولها:
تحسين الحياة في المجتمعات، حيثُ تعمل على توفير الخدمات والفرص اللازمة لتحسين الحياة في المجتمعات، وتعزيز الصحة والتعليم والوظائف والبيئة، وحقوق الإنسان، والمساواة، وغيرها.
تعزيز التعاون والتضامن: فهذه المبادرات تعمل على توحيد الجهود والتعاون والتضامن بين أفراد المجتمعات المحلية والعالمية، وتشجيعهم على العمل سويًا لتحقيق الأهداف المشتركة.
تعزيز المشاركة المجتمعية: فهذه المبادرات تشجع على المشاركة الفعالة لأفراد المجتمعات في صنع القرارات وتنفيذ الأنشطة المجتمعية، وتعزز بذلك الديمقراطية والشفافية والمساءلة.
تعزيز الابتكار والتغيير: فهذه المبادرات تعمل على تشجيع الابتكار والتفكير الجديد والتغيير في المجتمعات، وتساعد على إيجاد حلول جديدة للمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمعات.
تحقيق التنمية المستدامة: فهذه المبادرات تعمل على تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات، وتساعد على الحفاظ على الموارد الطبيعية والحيوية وتحسين جودة الحياة للأجيال الحالية والمستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، إن البحث عن مبادرات مجتمعية محلية أو عالمية والمشاركة فيها وفقًا للاهتمامات والمهارات التي يمتلكها الأفراد لها دور كبير في المساعدة على تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية الاجتماعية، وتشجع الأفراد على المشاركة في تحسين حياتهم وحياة مجتمعاتهم، توجد العديد من المبادرات المجتمعية التي يمكن للأفراد المشاركة فيها، ومن بين أمثلة هذه المبادرات: التطوع في المجتمع، ويمكن للأفراد المشاركة في فعاليات التطوع المجتمعي، تنظيف الشوارع الفرعية لتجنب تعرض المتطوعين للحوادث المرورية، ورعاية المسنين بشكل جزئي، والمشاركة في تحسين التعليم والصحة خاصة للأسر ذوي الدخل المنخفض، والمشاركة في تطوير المواقع السياحية خاصة الطبيعية والتراثية منها والواقعة ضمن المجتمعات المدنية وفي محيطهم، كذلك العمل على حماية البيئة، مثل التوعية بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية وحمايتها، والتخفيف من استهلاك المواد الضارة، والمشاركة الفاعلة في عمليات التشجير خاصة في منازلنا ومدارسنا، والتشجيع على استخدام الطاقة المتجددة. والعمل على تحسين التكنولوجيا والابتكار والمساهمة في تطوير تقنيات جديدة لتحسين الحياة في المجتمع والوضع الاجتماعي والاقتصادي، بهدف تعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد والمجتمعات.
باختصار، يمكن لأى فرد في مجتمعنا التفكير في مبادرات هدفها تنمية الوطن ورفعة شأنه، وهنا يأتي دور المختصين والخبراء بتشجيع المزيد من أفراد المجتمع على المشاركة في الفعاليات المجتمعية من خلال توفير المعلومات الكافية، والدعوة الشخصية، والتفاعل والتواصل، وتوفير الحوافز، والعمل الجماعي، والتواصل مع المجتمعات المحلية وفق خطى مدروسة، منها العمل على تنظيم الفعاليات المجتمعية الجديدة التي تلبي احتياجات المجتمع، عن طريق تحديد احتياجات المجتمع ودراسة أهم المشكلات التي تواجهه بواسطة التخطيط الفاعل بشكل جيد بناء على احتياجات المجتمع، بحيُث يتضمن أهداف هذه المبادرة والجمهور المستهدف وغيرها من المتطلبات المهمة، على غرار بعض المبادرات الرائدة في مملكة البحرين، والتي من أبرزها: مبادرة طموح الهادفة إلى تمكين الشباب في مملكة البحرين وتطوير قدراتهم ومهاراتهم وتوفير فرص العمل لهم، ومبادرة تمكين التي تهدف إلى توفير الدعم اللازم للنساء في مملكة البحرين وتعزيز دورهن في المجتمع والحصول على فرص العمل والتعليم والمشاركة في العمل السياسي والاقتصادي، كذلك مبادرة البحرين للتراث وهي مبادرة تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي في مملكة البحرين وتعزيز الوعي بأهميته وتشجيع السياحة الثقافية، وغيرها من المبادرات التي ساهمت في بناء الوطن وتنميته.
وبالطبع فإن تعزيز ثقافة المبادرات المجتمعية والحق في المشاركة لدى كل أفراد المجتمع منذ الصغر سوف يسهم في التطور الشخصي والمجتمعي، ومن هنا يجب العمل على تأسيس مراكز تنموية لدعم المبادرات المجتمعية، خاصة الشبابية منها، كذلك فإن التنسيق بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية حول قضايا الشباب والتنمية يهدف إلى تدعيم جميع شبكات التعاون والمشاركة الفاعلة بين جميع الأطراف المعنية بأي نوع من أنواع المبادرات المجتمعية الرائدة، من خلال تصميم برامج لتوعية المجتمع والمؤسسات وصناع القرار بأهمية وضرورة المبادرات المجتمعية التي تمنح الفرص للتغير الإيجابي للمجتمعات وتجعل من أفراده قادة ورواد مجتمع وشركاء فاعلين في تنمية مجتمعاتهم وتطويرها؛ وذلك لما يمتلكون من قدرات وإمكانيات وعناصر قوة كامنة، وهناك بعض الفعاليات المجتمعية التي يمكن تنظيمها لتحسين الوعي بالمشكلات المجتمعية، ويمكن تنظيم هذه الفعاليات بشكل فردي أو جماعي والترويج من خلال وسائل الإعلام المختلفة والإعلانات والمنشورات التوعوية، بحسب الاحتياجات والأولويات في المجتمع المحلي.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك