تطرقت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أهمية استخدام التعلم الآلي أو ال machine learning وتطبيقاته في المجال الزراعي. ووضحنا إسهام هذه الأداة في إدارة المحاصيل ونموها. وفي هذا الجزء، سوف يتم تقديم الفوائد الأخرى لتطبيقات نظم التعلم الآلي في إدارة وكشف الأمراض التي تصيب المحاصيل، وقدرتها على إدارة جودتها بفعالية، بالإضافة إلى قدرة التعلم الآلي على التعرف على الأنواع أو ما يسمى بـ species recognition.
من أهم اهتمامات العاملين في القطاع الزراعي هو مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب المحاصيل الزراعية. وأحد الممارسات الأكثر استخدامًا وشيوعاً في مكافحة الآفات والأمراض هي رش المبيدات بشكل موحد فوق منطقة المحاصيل. هذه الممارسة، على الرغم من فعاليتها، تعد ذات كلفة مالية عالية ولها تأثيرات بيئية كبيرة. يمكن أن تكون التأثيرات البيئية عبارة عن بقايا مبيدات في منتجات المحاصيل، كما أن لها آثارا جانبية على تلوث التربة، المياه الجوفية، وتأثيرات في الحياة البرية والأنظمة البيئية، وما إلى ذلك. ولكن، يقدم التعلم الآلي بعض الحلول لمعالجة هذه المشكلة، حيث يتم استخدام التعلم الآلي والاستشعار لاستهداف النباتات المصابة بالأمراض الزراعية من حيث الزمان والمكان. ومثالاً على ذلك، تم تقديم أداة لاكتشاف وتمييز نباتات الـ Silybum marianum وتلك المصابة بفطر smut Microbotyum silybum أثناء النمو الخضري. كما تم تطوير طريقة جديدة تعتمد على إجراءات معالجة الصور لتصنيف الطفيليات والكشف التلقائي عليها لبيئات الـ greenhouse لمحصول الفراولة. وقدم المطورون في أبحاث أخرى طريقة لاكتشاف وفحص أمراض في شتلات الأرز، وأدى الاكتشاف للنباتات المصابة إلى زيادة المحاصيل وتقليل الوقت المستهلك مقارنة بالفحص بالعين المجردة. وعندما تقوم الأجهزة بالكشف عن بعض الأمراض، تقوم الآلات الاستشعارية برش المبيدات في المكان والوقت المناسب بدلاً من استخدام أدوات الرش الجائرة، والتي قد تسبب عديدا من الآثار الجانبية للبيئة بشكل عام.
بالإضافة إلى ما سبق، يعد الكشف عن الأعشاب الضارة ومعالجتها مشكلة أخرى لها آثار جانبية في الزراعة حيث تعد الأعشاب الضارة من أكبر التهديدات التي تصيب المحاصيل وتؤثر في إنتاجيتها. ويعد الاكتشاف الدقيق للأعشاب الضارة ذات أهمية كبيرة للزراعة المستدامة، لأنه من الصعب اكتشاف الأعشاب الضارة والتمييز بينها وبين المحاصيل. لذلك، يأتي دور نظم التعلم الآلي مع أجهزة الاستشعار للكشف الدقيق والتمييز عن الأعشاب الضارة بكلفة منخفضة ومن دون مشاكل بيئية وآثار جانبية. ومن هنا، تم تقديم عديد من الدراسات عن تطبيقات التعلم الآلي واكتشاف الأعشاب الضارة في الزراعة. حيث قدمت الدراسة الأولى طريقة جديدة تعتمد على صور متعددة الأطياف يتم التقاطها بواسطة أنظمة الطائرات من دون طيار لتحديد Silybum marianum، وهو عشب يصعب القضاء عليه ويسبب خسارة فادحة للمحاصيل الزراعية. وفي الدراسة الثانية، تم تطوير طريقة جديدة تعتمد على تقنيات التعلم الآلي للتعرف على أنواع المحاصيل والأعشاب الضارة. وبالتحديد، تم اكتشاف العديد من الأعشاب الضارة التي يصعب ملاحظتها والتي كانت تصيب المحاصيل بشكل مستمر. وأصبح التعلم الآلي مفيداً ودقيقاً لاستخدام القطاع الزراعي والتمييز لهذه الأنواع للحفاظ على المحاصيل ما يسهم في خفض الخسائر الاقتصادية والبيئية.
ولعل هناك حاجة إلى استخدام مثل هذه التكنولوجيا في بعض دول الشرق الأوسط التي تعاني بعضها من الخسائر لمحاصيلها الزراعية مثل السودان التي تخسر 30% من محاصيلها سنوياً. والتي قد تكون سببها عوامل مثل أمراض النبات، أو الأعشاب الضارة، أو عوامل الاحتباس الحراري، أو استخدام الزراعة التقليدية، أو غيرها من العوامل الأخرى، ما يستدعي استخدام الزراعة التقنية وأدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لزيادة معدل الأمن الغذائي فيها.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك