بمناسبة مرور عشرين سنة على الغزو الأمريكي أعيد الاعتبار إلى السؤال اللغز «لماذا قرر جورج بوش الابن غزو العراق واحتلاله؟».
كل الأسباب والمسوغات التي قدمها بوش ووزير خارجيته كولن باول كانت قد سقطت وانضمت إلى سلسلة الأكاذيب التي لفقها الأمريكان حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل بعد أن عجزت لجان التفتيش الدولية عن العثور على دليل واحد يؤكد وجودها.
لقد استغرق عمل تلك اللجان سنوات طويلة جالت فيها العراق من شماله إلى جنوبه ولم تفلت غرف النوم من فضول أعضائها وكانت الولايات المتحدة على اطلاع على النتائج المخيبة لآمالها.
وإذا قلبنا تلك الورقة فإن هناك مَن يؤكد أن الرئيس الأمريكي اتخذ قراره بغزو العراق في اليوم التالي لغزوة نيويورك وسقوط البرجين.
كان العراق هدفه للانتقام من أجل أن تستعيد الولايات المتحدة كرامتها المهدورة. كان من اليسير بالنسبة إلى الإعلام الأمريكي أن يرمي الرئيس العراقي بتهمة العلاقة بتنظيم القاعدة بعد أن تمت شيطنته في وقت سابق بالرغم من أن المعلومات كانت تؤكد أن صدام حسين يكره شخصيا التنظيمات والجماعات الإسلامية المتشددة وهو لم يكن يميل إلى عمل عدواني ضد الولايات المتحدة بالرغم من موقفه المعادي لإسرائيل الذي أوقعه أحيانا في مواقف غلب عليها التهريج الذي استثمرته أجهزة المخابرات في الترويج لدعاية امتلاك العراق لسلاح يمحو نصف إسرائيل.
لم يكن بوش على استعداد للتراجع أمام صدام حسين الذي سيكون العالم أجمل من غيره. وتلك كذبة كبيرة دفع ثمنها الشعب العراقي أولا وشعوب منطقة الشرق الأوسط ثانيا.
لا يزال شعب سوريا على سبيل المثال يدفع الثمن بعد أكثر من عشر سنوات من الحملة التي جهزتها الولايات المتحدة بالفرق والتنظيمات والجماعات الإرهابية التي جائت لتسهم في فناء سوريا.
غاب صدام حسين غير أن الشرق الأوسط على الأقل لم يصبح أكثر أمانا واستقرارا. لم ينخفض مستوى عذابات الشعب الفلسطيني، بل زادت إسرائيل من سلوكها العنصري التعسفي وارتفع سقف عدوانيتها، كما تمددت إيران لتشمل بهيمنتها الظلامية العراق ولبنان واليمن. وصارت إسرائيل تتفحص أمانها بين غارة وأخرى تقوم بها طائراتها في اتجاه إيران وغزة وسوريا.
في معادلة الشرق الأوسط الجديد انخفض مستوى التمثيل العربي بعد غياب العراق وسوريا ولبنان. أليس ذلك مطلبا إسرائيليا؟ صحيح أن العراق حين غزوه كان بلدا ضعيفا، غير أنه كان دولة مستقلة ذات سيادة تقف بين إيران والعالم العربي. كانت هناك رمزية في الوجود العراقي وهو ما كان العرب على يقين منه بالرغم من أنهم رضخوا للمطلب الأمريكي.
كان غزو العراق أكبر خدعة من أجل إعادة صياغة الشرق الأوسط. كما بدا واضحا، فإن هناك ثلاث دول ستبقى في ذلك الشرق الأوسط الجديد هي تركيا وإيران وإسرائيل. خارطة أزيل منها العرب كونهم قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية.
وحين قامت المملكة العربية السعودية بتحديث وعصرنة آليات وجودها، لم يكن موقف الغرب وبالذات الولايات المتحدة على قدر لافت من الارتياح. لقد اعتبر الموقف السعودي نوعا من الخرق لمعادلة صُرفت مليارات من الدولارات من أجل تثبيتها.
كان التخلص من صدام حسين ضروريا لكي تنتهي رمزية القائد الذي يمثل أملا للجماهير العربية بالرغم من أخطائه. بوجوده كان العراق دولة. وهو ما لم يكن يرغب فيه الأمريكان لأنه يتعارض مع فكرتهم عن شرق أوسط يغيب عنه العرب أو يقفون على هامشه. وهو ما رفضته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
«لماذا غزت الولايات المتحدة العراق؟»، يذكر المتسائلون الخسائر البشرية والمادية الأمريكية ولكنهم لا يذكرون حجم الدمار البشري والمادي الذي لحق بالعراق.
كان الغزو مكلفا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فما الذي ربحته وقد استولت إيران على العراق؟ سؤال يعفي الولايات المتحدة من جريمتها. مجازا سأقول فقد العراق مليونا من سكانه بين قتيل ومعوق ومفقود كما أن بنيته التحتية انهارت تماما. الأخطر من ذلك أنه فقد مستقبله حين تحول إلى محمية إيرانية.
ألم تكن الهيمنة الإيرانية على العراق جزءا من مخطط الغزو الأمريكي؟ لا يمكن للعقل السياسي الأمريكي أن يسمح بانتصار عدو مثل إيران إلا إذا كان يفكر بانتصار أكبر منه ويحتويه. وهو ما حدث حين تغيرت صورة الشرق الأوسط الذي صار العرب فيه هامشيين.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك