يقوم العديد منا بالذهاب إلى العمل يوميًا لأداء المهام والمسؤوليات المناطة به، وقد يتعلق ذلك بالقيام بخدمات أو أعمال تدريسية أو إدارية وغيرها، هل تساءلنا يومًا عن السبب وراء قيامنا بهذا العمل؟ هل تساءلنا يومًا عن الفوائد التي يحققها هذا العمل؟ هل يتميز العمل الذي نقوم به بقيمة مضافة تسهم في تحقيق رسالة وأهداف المؤسسة التي ننتمي إليها؟ هل توجد طرق أفضل لتقديم هذه الخدمة أو القيام بالعمل بشكل أفضل؟
على الرغم من بساطة هذه الأسئلة إلا أنها في غاية الأهمية، فهي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها مفهوم «اَلْهَنْدَرَة» والتي تسعى الى إحداث تغييرات جذرية في أساليب وطرق العمل بالمؤسسات لتتناسب مع إيقاع ومتطلبات السرعة ومواكبة الثورة التكنولوجية التي يفرضها هذا العصر وتقديم الأفضل دائما.
والجدير بالذكر ان «اَلْهَنْدَرَة» كلمة عربية جديدة مركبة من كلمتي «هندسة» و«إدارة»، وهي في الواقع ترجمة للمصطلح الإنجليزي «Reengineering Business»، والذي يعني إعادة هندسة الأعمال، وقدم تم تركيب «هَنْدَرَة» على غرار «هندسة» لتواكب المفاهيم والتطبيقات الحديثة التي بدأت تسود لغة الإدارة العالمية، وهي بهذه الصيغة تصلح للتصريف اللغوي فنقول: «هَنْدَرَة» لوصف العملية والنظرية، و«مِهِنْدَرْ» لوصف الشخص المسؤول عن «اَلْهَنْدَرَة»، و«هَنْدَرَ»، «يُهَنْدِرْ» كأفعال. ويقصد بـ«الهندسة» تطبيق القواعد الرياضية والعلمية للحصول على نتائج عملية مثل التصميم والبناء والترتيب، ويقصد بإعادة الهندسة «الهندرة» الإعادة من جديد.
ولقد اتفق عديد من الباحثين على أن «اَلْهَنْدَرَة» هي: إعادة التنظيم الجذري للنظم والعمليات الإدارية وإعادة النظر في ثقافة المؤسسة وفي طرق العمل التي تتبعها، بهدف تحقيق قفزة نوعية خارقة للعادة في مستوى الأداء وخدمات العملاء، بما في ذلك زيادة الإنتاج وتقليل الهدر والاستجابة الفورية للمتغيرات واستخدام تكنولوجيا المعلومات واعتبار العنصر البشرى أهم الموارد، حيث إنها أداة لخفض التكاليف وتحقيق تحسينات جوهرية في الجودة والأداء والإنتاجية والمنافسة وتعميق مفاهيم الجودة الشاملة المستدامة وتفعيلها.
وتأسيسا على ما سبق ذكره يمكن القول إن إعادة هندسة الموارد البشرية (اَلْهَنْدَرَة) هي إعادة تصميم وإحداث تغييرات جوهرية والقيام بمهام متجددة وتبني استراتيجيات تنافسية وتغيير أنماط العمل لمواجهة التحديات التي تتعلق بالبيئة الداخلية او الخارجية التي قد تواجه مؤسسات التعليم العالي، فاذا كانت هندسة الموارد البشرية في جوهرها تعني خلق القيمة، فإعادة الهندسة (اَلْهَنْدَرَة) هي تعظيم القيمة، فهي محاولة مخططة ومبرمجة لتعظيم قدرات الموارد البشرية، لتحقيق فاعلية للمؤسسة التعليمية من جهة وللأفراد من جهة أخرى.
ويتفق الباحثون على أن هناك ثلاثة أنواع من المؤسسات التي تحتاج إلى إعادة الهندسة (اَلْهَنْدَرَة). النوع الأول يشمل المؤسسات ذات الوضع السيئ والأداء المتدني، التي تعاني من مشاكل كبيرة تتمثل في انخفاض وارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض جودة الخدمات أو المنتجات التي تقدمها وعدم القدرة على المنافسة. النوع الثاني يشمل المؤسسات التي هي في طريقها للتعرض للمشاكل التي تظهر فيها مؤشرات لتدهور الوضع مستقبلا، كالارتفاع التدريجي في تكاليف التشغيل والإنتاج، وعدم امتلاك القدرة على مسايرة التطور والمنافسة.
أما النوع الثالث فيشمل المؤسسات المتميزة، التي تكون في أوج التفوق والنجاح ولا تعاني إطلاقا من أي مشاكل، وتوجد دلائل تشير إلى أنها قوية وتمتلك حصة عالية جدا بالمقارنة بالمنافسين، ولا تعاني إطلاقا من زيادة في تكاليف تشغيلها، أو تدنى جودة المنتجات أو الخدمات التي تقدمها، هذه المؤسسات تحتاج أيضا إلى إعادة هندسة عملياتها الإدارية (هَنْدَرَة) للمحافظة على الفجوة بينها وبين المنافسين. وبناء على ما سبق يتضح جليا أن عملية (اَلْهَنْدَرَة) تعد ضرورة ملحة لكل مؤسسات التعليم العالي وفى كل الأوقات لتقييم الوضع للبقاء في الريادة.
إن نجاح تطبيق ا(اَلْهَنْدَرَة) في مؤسسات التعليم العالي يعتمد على ضرورة تقييم الوضع الحالي واحترام مبادئها والعمل على تجسيدها في الواقع، والتركيز على المخرجات والنتائج، والتحفيز على الابتكار والإبداع، وتوفير الموارد، والعناية بالتطور الوظيفي الطويل الأجل، واعتماد مبدأ المقارنة المرجعية ومحاولة التمثل والاقتداء بنماذج ناجحة، والجمع بين المركزية واللامركزية، ووضع معايير جديدة للتحفيز والترقية، وتبني التفكير الاستباقي بدلا من الاستنتاجي لاكتشاف المشاكل الخفية الكامنة، والحث على تطبيق قاعدة الخروج من الصندوق التي تدعو إلى الإبداع والتخلص من قيود التكرارية والرتابة وتفجير الطاقات الإبداعية.
أخيراً وليس آخراً، أود الإشارة إلى أن المتفائلين يرون الكأس نصف الممتلئ بالماء، في حين يرونه المتشائمون نصف فارغ، واَلْمهَنْدَرُونْ يرون فيه زجاجة فائضة عن الحاجة. اَلْمُهَنْدِرْ يتجاهل الجانبين الإيجابي والسلبي وينظر إلى الجانب العملي، حيث يرى أن الزجاجة الفائضة تمثل فائضا يمكن الاستفادة منه فيما بعد.
{ زميل أكاديمية التعليم العالي البريطانية
عضو جمعية البحرين للإنماء والتطوير
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك