منذ تسعينيات القرن الماضي بدأ اليسار الصهيوني بالتراجع في ظل انزياح مستمر ومتواصل لكل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين ويمين اليمين، ولم تعد الأحزاب الكبرى الإسرائيلية كحزبي الليكود والعمل يستطيعان الحصول على أغلبية مريحة في الانتخابات تمكنهما من تشكيل حكومة متجانسة نوعًا ما.
جرت خمس جولات انتخابية إسرائيلية من أبريل 2019م إلى نوفمبر 2022م، وأفضت الانتخابات الخامسة في الأول من نوفمبر 2022م إلى حصول معسكر «نتنياهو» على 64 مقعدًا، حزب الليكود الذي يمثله «نتنياهو» حصل على 32 مقعدًا وحزب الصهيونية الدينية برئاسة «سموتريتش» على 7 مقاعد وحزب عظمة يهودية بزعامة «بن غفير» على 6 مقاعد وحزب نوعم برئاسة «ماعوز» على مقعد واحد، وحزبا يهوديت هاتوراه وهو تحالف أحزاب دينية من أصول أوروبية وشاس وهو يمثل اليهود الشرقيين على 18 مقعد.
وبذلك حصل معسكر حزب الليكود على 64 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي، وهو ما مكنه من تشكيل الحكومة في 29 ديسمبر 2022م، ولم يكن باستطاعة «نتنياهو» تشكيل الحكومة من دون تحالفه مع اليمين العنصري المتطرف الذي يمثله «سموتريتش» و«بن غفير» و«ماعوز».
«سموتريتش» تسلم حقيبة المالية ويرأس الإدارة المدنية ومسؤول ملف الاستيطان وهو مؤسس منظمة «ريجافيم» الاستيطانية وزعيم حزب الصهيونية الدينية وهو مجسد ومعبر صادق عن تحول المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى اليمين العنصري ويعمل «سموتريتش» على إعادة صياغة المجتمع الإسرائيلي.
«بن غفير» حصل على وزارة الأمن القومي ممثلاً لحزبه عظمة يهودية وهذه الوزارة استحدثت من الأمن الداخلي، ويهدف إلى إنشاء الحرس الوطني وما هي إلا مليشيات خاصة مسؤولة عن الأمن في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة.
أما «ماعوز» زعيم حزب نوعم فهو مسؤول عن برامج التعليم الخاصة وبناء الشخصية اليهودية في التعليم بالمدارس، وهذا الحزب هو الأكثر تطرفًا وأخليت يدهم ومنحوا صلاحيات واسعة في ملفات وزارة التربية والتعليم.
ولم يكن مستغربًا أن تبدأ الحكومة عهدها بشرعنة 9 بؤر استيطانية غير قانونية بمصادقة الكنيست، ولا يخفي هذا اليمين العنصري المتطرف أهدافه بالعودة الى فترة الاحتلال الأولى ومحو بقايا أوسلو وإلغاء وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، وإدارة جهاز التعليم والأمور البلدية والماء والكهرباء عن طريق بلديات هم يعينونها وهم من يعين حكاما إسرائيليين عسكريين لكل محافظة فلسطينية للتعامل مع شؤون السكان الفلسطينيين الحياتية اليومية من تنقل وسفر وعمل ودراسة!
وتماشيًا مع معسكر حزب الليكود بشركائه وكل مكوناته سعى «نتنياهو» لتسريع تمرير حزمة من التشريعات القانونية التي تخدم فقط حلفاءه في الائتلاف الحكومي ومؤيديهم غلاة المستوطنين المتطرفين والتي منها:
- يمنع من تولي الحقيبة الوزارية من فرض عليه السجن الفعلي وليس المدان أو المتهم.
- توسيع صلاحيات وزير الأمن القومي بصلاحيات تجعله القائد العام للشرطة.
- تشريع قانون يسمح بالحصول على صلاحيات وزير في وزارة الدفاع عبر تعديل قانون أساس الحكومة لتعيين وزير إضافي في الوزارة.
- منح السياسيين السيطرة على تعيين القضاة.
- رفض محاكمة الفساد.
نزل الإسرائيليون إلى الشوارع والميادين بمئات الألوف احتجاجًا على التشريعيات القانونية التي سعى نتنياهو لتمريرها خدمة لمصالحه الشخصية ومصالح ائتلافه الحاكم، ولم يتركوا الميادين ولا الشوارع لبضعة أسابيع، حتى تراجع «نتنياهو» عن هذه التشريعات القانونية واعدًا معسكره العنصري المتطرف بطرحها مرة ثانية في دورة الكنيست القادمة وأنه لن يتنازل عنها!
عربيًا وفلسطينيا، ماذا نحن فاعلون أمام هذا الجنون الهمجي البربري من ائتلاف جمع كل المجرمين الذين أوغلت أياديهم بالدماء ويجاهرون بألا يوجد أرض محتلة ولا يوجد شعب فلسطيني وأنهم سيبنون الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك؟ والأخطر أنهم يسعون للتوسع نحو الأردن!
{ كاتب فلسطيني مقيم
في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك