تلعب الزراعة دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي. ويستمر الضغط على النظام الزراعي مع استمرار نمو عدد السكان، كما تلعب العديد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية دورا في التأثير في العرض والطلب للمنتجات الزراعية الأساسية والتي من شأنها تعد مهمة لاستدامة الحضارة البشرية. أما البحث والتطوير والتقدم في المجال التكنولوجي، فإنها تؤثر في زيادة الفعالية والإنتاج والجودة في مجالات الزراعة المختلفة. لذلك، فإن التكنولوجيا الزراعية أو الزراعة الرقمية تلعب دوراً مهما في زيادة المعدل التي تنجح فيه المشاريع ونمو المحاصيل الزراعية وتقلل من الخسائر التي يتكبدها المزارعون والشركات الزراعية سنوياً، الأمر الذي يساعد في رفع معدل الأمن الغذائي المحلي والعالمي. وتستخدم الزراعة الرقمية في مجالات علمية جديدة تستخدم بيانات حاسوبية ومعلوماتية مكثفة لدفع الإنتاجية الزراعية مع تقليل تأثيرها البيئي. ويتم توفير البيانات التي يتم إنشاؤها في العمليات الزراعية الحديثة من خلال مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار المختلفة التي تتيح فهمًا أفضل للبيئة التشغيلية (تفاعل بين المحاصيل والتربة والظروف الجوية) والعملية نفسها (بيانات الآلات)، ما يؤدي إلى مزيد من الدقة ودعم اتخاذ القرار بشكل أسرع وأفضل.
وظهر التعلم الآلي أو ما يسمى بالـMachine Learning وهي أحد أفرع أنظمة الذكاء الاصطناعي جنبًا إلى جنب مع تقنيات البيانات الهائلة Big Data والحوسبة عالية الأداء لخلق فرص جديدة للكشف وتحليل بيانات وعمليات البيانات وقياسها وفهمها في بيئات التشغيل الزراعية. ويمكن تعريف نظام التعلم الآلي على أنه المجال العلمي الذي يمنح الآلات القدرة على التعلم من دون أن تكون مبرمجة بشكل صارم. وبعد سنوات، أصبح نظام التعلم الآلي يطبق في العديد والمزيد من المجالات العلمية بما في ذلك، على سبيل المثال، التكنولوجيا الحيوية، والكيمياء الحيوية، والطب، والأرصاد الجوية، والعلوم الاقتصادية، والروبوتات، وتربية الأحياء المائية، والأمن الغذائي، وعلم المناخ.
وفي الجزء الأول من هذا المقال، سيتم شرح تطبيقات التعلم الآلي في مجالات زراعية عدة بناء على تقديم عديد من الدراسات العلمية التي تؤكد الفوائد الفريدة لنماذج التعلم الآلي الشائعة. وسيتم سرد المزايا المستمدة من تنفيذ التعلم الآلي في التكنولوجيا الزراعية، فضلا عن التوقعات المستقبلية في هذا المجال.
يمكن تطبيق التعلم الآلي في عديد من المجالات الزراعية في دول ذات الدخل المنخفض والتي تعاني من انخفاض في الإنتاجية الزراعية، ويمكن لهذه التطبيقات دعم المزارعين والشركات الزراعية بمختلف أنواعها وحصادها، وأحد الأمثلة التي يمكن تطبيق نظام التعلم الآلي فيها هي:
(أ) إدارة المحاصيل، بما في ذلك التطبيقات المتعلقة بالتنبؤ بنمو المحاصيل، وكشف الأمراض، والكشف عن الأعشاب الضارة، وضمان جودة المحاصيل، والتعرف على الأنواع أو ما يسمى بـspecie recognition؛
(ب) إدارة الثروة الحيوانية، بما في ذلك التطبيقات على رعاية القطيع والإنتاج الحيواني.
(ج) إدارة المياه. وأخيراً (د) إدارة التربة.
من خلال تطبيق التعلم الآلي على بيانات الاستشعار، تتطور أنظمة إدارة المزرعة إلى برامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي مع توفير توصيات ورؤى غنية لدعم قرارات المزارعين وإدارات صنع القرار في القطاع الزراعي.
يعد التنبؤ بنمو المحاصيل من أهم الموضوعات في الزراعة الدقيقة، وتعتبر ذات أهمية كبيرة لرسم خرائط وتقدير لنسبة المحاصيل، ومطابقة عرض المحاصيل مع الطلب عليها، وإدارة المحاصيل لزيادة الإنتاجية. فمثلاً، تم تطبيق نظام التعلم الآلي على محاصيل ثمار البن أو القهوة، ونجحت تطبيقاتها على أعمال مختلفة تدعم فعالية إدارة المحاصيل، والتي تعد ذات كلفة منخفضة والتي تقوم أجهزة الاستشعار الآلي لها بحساب ثمار البن على فروع أشجارها. تحسب الطريقة ثمار البن في ثلاث فئات: حصاد الثمار، انعدام الحصاد، والثمار ذات مرحلة النضج غير الكامل. بالإضافة إلى ذلك، يقدّر التعلم الآلي الوزن ونسبة نضوج ثمار البن. وكان الهدف تطبيق نظم التعلم الآلي في زراعة البن هو توفير المعلومات للمزارعين لتحسين الفوائد الاقتصادية والتخطيط لعملهم الزراعي. وهناك دراسة أخرى استخدمت التنبؤ بنمو المحاصيل في نظام استشعار الرؤية الآلية لدعم اهتزاز وصيد الكرز أثناء الحصاد. ويكشف هذا النظام عن فروع أشجار الكرز المغطاة بالأوراق حتى عندما تكون الرؤية غير واضحة.
وكان الهدف الرئيسي لتطبيق هذا النظام هو تقليل متطلبات العمالة والوقت في عمليات الحصاد اليدوي وعمليات المعالجة. وفي دراسة أخرى، تم تطوير نظام مبكر لرسم خرائط الحصاد لتحديد الحمضيات الخضراء غير الناضجة في مزارع الحمضيات تحت ظروف خارجية معينة، وتساعد هذه الخرائط المزارعين وتدعمهم بالمعلومات المطلوبة لتقدير احتياجات المحاصيل بشكل أفضل، ما يسمح لهم بتسجيل أداء المحاصيل، ويساعدهم ذلك على اتخاذ خيارات إدارية أفضل. مثل جميع الدراسات التي تساعد على تزويد المزارعين بمعلومات خاصة بالإنتاجية لمساعدتهم على تحسين حصادهم من حيث الربح وزيادة العائد.
وفي الجزء القادم من هذا المقال، سوف يتم تقديم شرح لفوائد التعلم الآلي وتطبيقاته في إدارة وكشف الأمراض التي تصيب المحاصيل، وقدرتها على إدارة جودتها بفعالية، بالإضافة إلى قدرة التعلم الآلي على التعرف على الأنواع أو ما يسمى بـ species recognition من خلال الاستدلال على عديد من الدراسات وبحوث العمليات التي طبقت على هذه الأنظمة وساهمت بشكل إيجابي في عملياتها.
{ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك