العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه فرنسا؟!

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٠٩ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬لها‭ ‬مقعدها‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬التابع‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حالها‭ ‬حال‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‭ ‬ولها‭ ‬تاريخها‭ ‬الحافل‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬لعلاقاتها‭ ‬وتصرفاتها‭ ‬وتعاملها‭ ‬مع‭ ‬مستعمراتها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬إفريقيا‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬ألا‭ ‬تشهد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الموجات‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والاضطرابات‭ ‬المتكررة‭ ‬والخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تضر‭ ‬بمكانة‭ ‬فرنسا‭ ‬الدولية‭ ‬كدولة‭ ‬مستقرة‭ ‬لها‭  ‬مكانة‭ ‬تليق‭ ‬بها‭  ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

من‭  ‬الملاحظ‭  ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأمني‭ ‬فمن‭ ‬احتجاجات‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬على‭  ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬شوارع‭ ‬المدن‭ ‬الفرنسية‭ ‬الرئيسية‭ ‬وخصوصا‭ ‬باريس‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬فيها‭ ‬مظاهرات‭ ‬غاضبة‭ ‬غالبيتهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬ضد‭ ‬إصلاح‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬والمتضمن‭ ‬تعديل‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭ ‬من‭ ‬62‭ ‬إلى‭ ‬64‭ ‬المثير‭ ‬للجدل‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬شملت‭ ‬قطاعات‭ ‬عديدة‭ ‬وأبرزها‭ ‬مصافي‭ ‬النفط‭ ‬وعمال‭ ‬النظافة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬حيث‭ ‬تصدت‭ ‬لها‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الشغب‭ ‬بالقنابل‭ ‬المسيلة‭ ‬للدموع‭ ‬والهراوات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اشتبكت‭ ‬مع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬إصابات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬واعتقال‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬تسيء‭ ‬إلى‭ ‬سمعة‭ ‬فرنسا‭ ‬بعد‭ ‬إن‭ ‬لجأت‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬49‭.‬3‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬للحكومة‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬معينة‭ ‬بإصدار‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭  ‬دون‭ ‬تصويت‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفرنسية‭ ‬عليه‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬والأحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بمذكرتين‭ ‬لحجب‭ ‬الثقة‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معارضتها‭ ‬لإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬وبالتالي‭ ‬إسقاطه‭ ‬أو‭ ‬استقالة‭ ‬الحكومة‭.‬

حكومة‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭ ‬من‭ ‬62‭ ‬إلى‭ ‬64‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬إفلاس‭ ‬المنظومة‭ ‬التقاعدية‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬ولذلك‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬رفع‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭ ‬إلى‭ ‬64‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عارضته‭ ‬أغلب‭ ‬القطاعات‭ ‬الصناعية‭ ‬والنقابات‭ ‬واعتبرته‭ ‬انتقاصا‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬ولذلك‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬القاطع‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬شل‭ ‬الحركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬وتراكم‭ ‬المخلفات‭ ‬والنفايات‭ ‬والقمامة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬باريس‭ ‬بسبب‭ ‬إضراب‭ ‬عمال‭ ‬النظافة‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬تمثل‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬للرئيس‭ ‬ماكرون‭ ‬وهو‭ ‬يبدأ‭ ‬فترة‭ ‬ولايته‭ ‬الرئاسية‭ ‬الثانية‭.‬

بالرغم‭ ‬من‭  ‬نجاح‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬تمرير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬مرحلته‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صادق‭ ‬عليه‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الفرنسي‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬حدة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وأعداد‭ ‬المتظاهرين‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬انتهت‭ ‬وأن‭ ‬إصلاح‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬التنفيذ‭ ‬لأن‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬بزعامة‭ ‬مارين‭ ‬لوبان‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬التجمع‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬باقتراح‭ ‬لحجب‭ ‬الثقة‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬الأحزاب‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬بالتصويت‭ ‬لصالح‭ ‬اقتراح‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬عن‭ ‬الحكومة،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬تصويت‭ ‬الأكثرية‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬أي‭ ‬287‭ ‬صوتا‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضا‭ ‬تصويت‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬نائبا‭ ‬يمينيا‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتوترة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمعارضة‭ ‬فإن‭ ‬فرنسا‭ ‬أمام‭ ‬ثلاثة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬محتملة‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بفرنسا‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬فرنسا‭ ‬بسبب‭ ‬الأوضاع‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الصعبة‭ ‬وتداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفرنسي‭:‬

الأول‭: ‬نجاح‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬اجتياز‭ ‬الاختبار‭ ‬بالتصويت‭ ‬لصالح‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬وبالتالي‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه‭ ‬وإقراره‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬وقانوني‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬الالتزام‭ ‬بقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفرنسية‭.‬

الثاني‭: ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬49‭.‬3‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬واليسارية‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬باقتراح‭ ‬حجب‭ ‬الثقة‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬التمسك‭ ‬به‭.‬

الثالث‭: ‬إقدام‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬التعديلات‭ ‬للتصويت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نواب‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬رفضهم‭ ‬فشل‭ ‬ذريع‭ ‬للحكومة‭ ‬وبالتالي‭ ‬استمرار‭ ‬الفوضى‭ ‬والاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والشوارع‭ ‬الفرنسية‭ ‬وتعطيل‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا