من منطلق موضوع الذكاء الإداري، هذا المصطلح الذي نتحدث فيه دائمًا، ونرجو أن يوجد يومًا عند طائفة كبيرة من المسؤولين، فإننا سنحاول أن نلخص بعض الصفات التي نجد أنه يجب أن تتوفر في المسؤول الإداري القائد أيًا كان منصبه حتى يتمكن من قيادة المؤسسة المكلف بقيادتها.
سنحاول أن نقسم الصفات إلى أربع فئات، وهي:
أولاً: مسؤوليات القادة
1- تحديد الأهداف وإنجازها: من الأمور المهمة وهي ذات أولوية قصوى أن يتمكن القائد من تحديد الأهداف الرئيسية التي يجب أن تتمتع بها المؤسسة التي يديرها، فمن غير أهداف واضحة مبنية على مبدأ (الأهداف الذكية SMART) فإن المؤسسة مصيرها إلى الزوال. فلا مؤسسة من غير أهداف طموحة وواضحة ودقيقة.
2- التجديد المستدام للأفكار الإبداعية: ليس على القائد أن يفكر وحده ويبدع وحده، فإن لم يكن يستطيع ذلك فإنه يجب أن يحيط نفسه بأناس مبدعين ومفكرين، وأن يقوم هذا الفريق مع القائد بالتفكير والتجديد المستمر، وذلك من خلال منهجية علمية منتجة، فإن كانت المؤسسة تصنع منتجات فإن على الفريق المفكر أن يفكر في إنتاج منتجات جديدة، وإن كانت المؤسسة تقدم خدمات فإنه على الفريق أن يقدم أفضل الخدمات وبأسهل الطرق وأبسطها، وهكذا مع بقية المؤسسات.
3- القدرة على حل المشكلات: لا شك أن القائد سيواجه عديدا من المشكلات، فالقيادة ليست نزهة ومتعة وإنما هي أداء أعمال، لذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يتمتع بها القائد أن يكون ذا قدرة على حل المشكلات وإدارة الأزمات، وأن يمتلك كل الأدوات التي تساعده في ذلك، مثل طرق التفكير الإبداعي لحل المشكلات، وفريق العمل الذي يساعده، ولا يحاولون أن يقولوا له دائمًا: «كله تمام».
4- تحديد الأولويات: كثير من المؤسسات تفقد البوصلة التي تحدد أولوياتها، فنجدها تتخبط في تنفيذ الأعمال، فتارة تقوم بتنفيذ هذا العمل، وربما قبل أن ينجز ذلك العمل فإنها تنتقل إلى عمل آخر، وتظل الأعمال معلقة من غير أن تنفذ، والسبب أن تلك المؤسسة ليس لديها خطة لترتيب الأولويات، فهي وهو كقائد لا يعرف إلى أين يتجه وكيف يتجه إلى ذلك المكان الذي يريد، والسبب أنه فاقد بوصلة الأولويات.
5- القدوة: كل قائد قدوة لأفراد الفريق ولأفراد المؤسسة، فإن كان يعمل بجد عملوا بجد، وإن تكاسل تكاسلوا، وإن كانت أخلاقه سيئة فمن الطبيعي أن تكون أخلاقهم تبعًا للمسؤول. يروى أنه «لَمَّا قُدِمَ بِسَيْفِ كِسْرَى عَلَى عُمَرَ وَمِنْطِقَتِهِ وَزِبْرِجِهِ، قَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا أَدَّوْا هَذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ بن أبي طالب: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتِ الرَّعِيَّةُ».
6- إقناع الآخرين وتحفيزهم: كل قائد يريد أن يقوم الأفراد بتحقيق أهداف المؤسسة التي ينتمي إليها حتى يتحقق الإنجاز، ولكن يبقى السؤال المهم: كيف يستطيع أن يحقق ذلك؟ وهذا موضوع تحدثنا فيه سابقًا ولا نريد أن نتحدث فيه، ولكن باختصار ينبغي على القائد أن يكون مقبولاً عند الجميع حتى يتمكن من إقناعهم وبالتالي تحفيزهم على العمل.
7- الأداء الجيد يؤدي إلى نتائج جيدة: إن قام القائد بأداء عمله بصورة جيدة وبأعلى كفاءة فإنه حتمًا سيجني نتائج جيدة، فإن المعادلة هكذا هي، الأداء الجيد حتمًا سيؤدي إلى نتائج جيدة.
ثانيًا: صفات القائد وسماته
1-الرؤية الواضحة: على القائد أن يتمتع برؤية واضحة للمؤسسة التي يديرها، وأن يعرف قدراتها وإمكانياتها، وعدد الأفراد، ومن هم الأفراد، وما قدراتهم ومهاراتهم، وما الميزانية المتاحة إليه، وأن يعرف كل المعلومات التي تساعده على أن يعرف الوجهة التي يريد أن يبلغها مع هذه المؤسسة، فلا يمكن أن يمتلك القائد الرؤية الواضحة من غير المعلومات الواضحة والمتكاملة.
1-الشجاعة: في عديد من المرات يحتاج القائد إلى أن يغامر، وليس يقامر، فالمغامرة تحتاج إلى شجاعة مبنية على أسس علمية محسوبة، وأما المقامرة فإنها غير مضمونة العواقب، لذلك فإن على القائد أن يكون شجاعًا في عديد من المرات حتى يتمكن من التصدي للمشكلات والأزمات، ربما ذلك يضمن النجاح للمؤسسة في الكثير من المرات، فالشجاعة والإقدام مطلوبان، ولكن من غير تهور.
2-الأمانة: على القائد أن يكون أمينًا مع فريق العمل وأعضاء المؤسسة كلهم، فالقائد ليس (سوبرمان) حتى يستطيع وحده أن يقوم بكل الأعمال، وإنما هو بشر يعتريه الكثير من الضعف والخوف والعديد من الصفات البشرية، لذلك فإنه ينبغي أن يستعين بفريق عمل مخلص وذكي، وأن يوضح للفريق بصورة دائمة كل الأمور التي تجري في المؤسسة التي يقودها معهم، وفي بعض الأحيان – أيضًا – عليه أن يوضح لأفراد المؤسسة بعض الأمور التي تحيط بالمؤسسة إن كانت الأمور تستدعي ذلك.
3-التواضع: لا يعني أنه أصبح قائدًا للمؤسسة أنه هو أفضل الجميع، بل على العكس، فلأنه قائد الفريق عليه أن يتواضع لكل الأفراد العاملين في المؤسسة، فعندما يدخل يصافح، ويلقي التحية، ويسأل عن فلان، وربما يزور فلان في المستشفى، وفي المناسبات، كل هذه السلوكيات وهذه الصفات تقربه للعاملين في المؤسسة، وبالتالي يصبح من السهل إدارتهم وتوجيههم لتحقيق أهداف المؤسسة.
4-بُعد النظر وقراءة المستقبل: على القائد أن يعرف قراءة الوضع الذي تعيش فيه المؤسسة، وأن يعرف ما الذي يدور حوله من تغيرات وتيارات، وأن يعرف كيف يقرأ منافسيه ومعارضيه، وأن يعرف كيف يتعامل مع كل هذه التيارات وتلك الأفكار وكل تلك الشخصيات والأمزجة حتى يقود سفينة المؤسسة إلى النجاح.
5-التركيز: على القائد أن يركز على احتياجات المؤسسة، وفي المقابل ألا يهمل احتياجات الأفراد، ليس ذلك فحسب وإنما أن يحاول عمل توافق بين احتياجات المؤسسة واحتياجات الأفراد العاملين، فإن هذا التوافق يسهم بصورة كبيرة في حل الكثير من المشكلات في العمل والحياة، فإن تمكن من ذلك فإن المؤسسة حتمًا سيكون مصيرها النجاح.
6-التعاون: لا يمكن لأي إنسان أن يعمل بمفرده، وكذلك القائد، مهما كانت قدراته وإمكانياته، فإنه يستمد قوته من الفريق والأفراد، لذلك فكلما قرب هؤلاء أصبح قائدًا ناجحًا، ويحدث العكس عندما يحدث العكس.
ثالثًا: بعض السلوكيات لتحفيز الأفراد
1-التقدير: على القائد أن ينتهز كل الفرص الممكنة لتقدير الأفراد المجددين والمبدعين، وليس الأفراد الذين يحيطون به فقط، لأنهم يقومون بخدمته ومدحه، ففي المؤسسات الكثير من الأفراد الذين يستحقون التقدير لأنهم يقدمون للمؤسسة الكثير، ولكن لا أحد يشير إليهم، والأسباب كثيرة.
2-الإعجاب: إن قام أحد الأفراد وبجهود فردية بعمل جيد ويستحق الإشادة، فإنه من المناسب تقدير هذا الشخص والإشادة به، وربما كان ذلك في حفلة صغيرة أو حتى تصويره مع القائد وهو يسلمه شهادة تقدير، وتنشر هذه الصورة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن توضع صورته على لوحة موظف الشهر، وربما بعض الأفكار الأخرى.
3-الإصغاء: على القائد أن يمتلك القدرة على الإصغاء، وألا يغلق باب مكتبه عن العاملين، أو أحد من العاملين لأنه لا يحبه أو لأنه لا يستسيغ شكله، فهذه الأمور ليست ذات علاقة بالمؤسسة أو العمل الذي نحن بصدده. ربما هذا الشخص يمتلك قدرات ذهنية كبيرة جدًا، وحتى وإن لم يكن كذلك فعامل بسيط – في بعض الأحيان – يستطيع أن يجد بعض الثغرات التي تعاني منها المؤسسة ربما لا تكتشفها أكبر العقول العاملة في المؤسسة.
4-المشاركة: في بعض الأحيان على القائد أن ينزل من برجه العاجي ويجلس مع الأفراد ويشاركهم الأحاديث الودية والأفكار، وربما الإفطار والغذاء، وأن يشاركهم في الأفراح وحتى الأحزان، وهذه الأمور الاجتماعية البسيطة تسهم بصورة كبيرة في ذوبان الجليد بينه وبين أفراد المؤسسة، تسهم كذلك في الإنجاز والتعافي والكثير من الأمور.
رابعًا: الإنتاجية والإنجاز
ربما وضعنا هذه النقطة وحدها، فنحن نعتقد أنها قضية مهمة، فلا يمكن للمسؤول الإداري القائد أن يقوم بكل تلك المهام وأن يتمتع بكل تلك السمات والصفات، ولكنه لا يستطيع أن ينجز أو ينتج منتجا ويضعه أمام العملاء. إن المهمة الأساسية للمسؤول الإداري القائد أن ينتج وأن يوازن بين كل الأطراف، فلا هو يميل بكل ثقله للمؤسسة ويستخدم كل صلاحياته الإدارية، ولا هو يميل للعاملين والأفراد، وإنما يجب أن يوازن كل تلك الأمور، ويلعب كل تلك الأدوار، فتارة هو المسؤول الأب والأخ، وتارة هو القائد الذي يجب أن يقوم بالإنتاج والإنجاز، وهذا يعني أنه يجب أن يكون حازمًا في بعض المواقف، لأنه إن لم يكن كذلك فإن الأمور ستتسرب من بين يديه كما تتسرب قطرات الزئبق من بين الأصابع.
المسؤول الإداري القائد ما تسلم هذا المنصب إلا لينتج، فالإنتاج مهم، والميزانية مهمة، والعمل والإنجاز مهم، وكذلك العلاقات الإنسانية مهمة، والتوازن بين كل هذه الأمور هي الأهم.
وحتى ينجح القائد فإننا يمكن أن نقول له (افعل ما عليك فعله في الوقت الذي يجب فعله)، فهذا هو مبدأ النجاح.
ولا يعتقد الأفراد أن مهمة المسؤول الإداري القائد مسؤولية سهلة أو أنه يمكن أن يقوم بها أي فرد، إنها في الحقيقة ثقل وعبء كبيرين، لذلك فإنه من المفروض ألا يستحقها إلا القوي الأمين.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك