تناول الفصل السابع المعنون «السر في الإفطار على الرطب» من الكتاب الموسوم «من أسرار الصيام وحكمه» لمؤلفه فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالكريم العمري بيانا واحدا من الإعجاز الطبي النبوي الشريف حيث إن أهم ما يحتاجه الصائم ساعة إفطاره «الطاقة» ومن الأطعمة سريعة وسهلة الهضم، إذ إن الجسم أثناء الصيام يفقد نسبة كبيرة من الطاقة والسكر، فيأتي تناول الرطب أو التمر عند الإفطار ليعوض الجسم عن نقص السكر وليزوده بالطاقة وهو الذي يحتوي على ما نسبته 70% من المواد السكرية سهلة الهضم وسريعة الاحتراق، وتتولد عنها طاقة عالية، خاصة وأن الأمعاء تمتص سكر التمر بأقل من خمس دقائق، فينتعش الجسم ويعود إليه النشاط والحيوية في مدة زمنية قصيرة. لذا فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبدأ إفطاره قبل أن يصلي على عدد من الرطبات. وورد عنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الأمر في الإفطار على التمر، حيث قال «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة». كما قال صلى الله عليه وسلم «من وجد تمرا فليفطر عليه، ومن لم يجد فليفطر على ماء، فإن الماء طهور». كما أن التمر غذاء متكامل بما يحتويه من سكريات وطاقة ومواد معدنية عديدة، لذا قال عنه نبي الرحمة صل الله عليه وسلم: «بيت لا تمر فيه جياع أهله».
ويتضح هذا الإعجاز الطبي في القرآن الكريم بقوله تعالى مخاطبا مريم عند ولادتها عيسى عليهما السلام: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) (سورة مريم: آية 25)، حيث إن التي تلد بحاجة إلى السكر والطاقة.
ولأهمية التمر فقد امتن الله تعالى في كتابه العزيز على عباده بنعمة النخيل وثمارها، حيث جاء في سورة النحل: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) (آية:67). إذا كانت هذه الأهمية الكبيرة للنخلة ولتمرها فحري بالمسلمين أفرادا ودولا التوسع في زراعتها والعناية بها، وألا يسمح للامتداد العقاري بالتجاوز عليها، خاصة وأن جميع أجزاء النخلة من الجذور إلى الساق والأوراق (سعف النخلة)، فضلا عن ثمرها (التمر)، له استخدامات تغذوية وصناعية متعددة وعوائد اقتصادية مهمة ومتنامية. أما الماء فإنه مصدر الحياة بنقصه يصاب الجسم بالجفاف والشيخوخة، لذا فإن شربه في الإفطار ضرورة قصوى لإرواء الجسم بعد الصيام.
في الفصل الثامن الموسوم «الصيام ووحدة الأمة» يتناول المؤلف واحدة من القضايا الفكرية المهمة والمتمثلة في وحدة الأمة الإسلامية منطلقا من وحدة العقيدة الإيمانية وإخلاص العبادة لله الواحد الأحد، ووحدة الأهداف والمقاصد والمصير، وبالتالي فإن التوحيد هو أساس الشريعة، وتشترك الأديان السماوية الأخرى في الدعوة إليها، مستشهدا بقوله تعالى في سورة الأنبياء (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (آية:25). وتمثل العبادات ركيزة أساسية في وحدة الأمة وتثبيت قواعدها ولم شملها، وفريضة الصيام واحدة من العبادات التي تعزز وترسخ وحدة المسلمين، فهم يجوعون جوعا واحدا بقرار من الله جل في علاه ويأكلون في توقيت واحد عند غياب الشمس أينما كانت بلدانهم، وهم يستشعرون لذة الصيام جميعا لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا فرق بين حاكمهم ورعيتهم، فما أعظمها من وحدة عملية طوعية منظمة تنظيما ربانيا دقيقا، فما أحرى أن نستلهم دروسها ونعزز وحدتنا على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد الفصل التاسع المعنون بـ«الصيام نشاط وعمل» أهمية أن يواصل الصائم عمله بكل جدية ونشاط، فديننا دين العمل والحيوية، والإبداع، وليس دين الخمول والكسل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الأخيار أسوة حسنة فلم يفرقوا في أعمالهم بين شهر رمضان والأشهر الأخرى، لا بل إن الكثير من المعارك الخالدة التي حقق فيها المسلمون انتصارات كبيرة كانت في شهر رمضان، وفي مقدمتها معركة بدر التي قادها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، في السابع عشر من شهر رمضان المبارك للعام الثاني من الهجرة، ولأهميتها أسماها الله سبحانه وتعالى بيوم الفرقان، فرقانا بين الحق والباطل. كما كان فتح مكة، وفتح الأندلس، وفتح عمورية، ومعركة عين جالوت وغيرها من المعارك الخالدة في شهر رمضان المبارك، فلم يكن الصيام سببا في تثبيط أو إضعاف همم المسلمين، بل حافزا للعطاء والتضحية والانتصار، فيتحقق وعد الله تعالى في سورة محمد: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (آية:7).
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك