ونحن نقلب صفحات تاريخنا العربي القديم والمعاصر لنتلمس أهمية الوحدة العربية ومدى حاجتنا إلى تحقيق هذه الوحدة، حيث ما تحققت وحدة العرب أو بعضها مرّة إلا وحققوا النصر على أعدائهم، وتحقق الازدهار للمجتمع العربي، وما تفرق العرب مرّة إلا وذاقوا مرّ الهزائم ومرارة الفشل وقسوة العيش وهذا ما نلمسه بواقعنا العربي حيث الفرقة والتشرذم بحيث يطمع فينا أعداء الأمة العربية ويستحوذون على ثرواتنا.
إن الوحدة العربية كفكر ونهج يتبناه منتدى القوميين العرب ضمن رؤية تقود إلى توحيد أبناء الأمة العربية من خلال التجسيد العملي لرابطة ثقافية حضارية عقائدية جمعت العرب في الماضي، وباتت شرطاً لاستقلالهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل.
إذ قلّما اجتمعت لجماعة أو أمة عوامل تشدها إلى بعضها البعض كما اجتمعت للأمة العربية التي يتكلم أبناؤها لغة واحدة هي اللغة العربية وما يرتبط بها المجتمع من ثقافة توحدهم، وتجمعهم حضارة واحدة هي الحضارة العربية.. مصالح مشتركة تجمع بين أقطارها سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي مع ضرورة تحقيق الأمن القومي.
وفي الوقت ذاته قلّما اجتمعت على جماعة أو أمة أو حتى قارة من القارات لمنع وحدتها كما اجتمعت على الأمة العربية قوى خارجية لها امتداداتها في الداخل، سعت وتسعى إلى إبقاء هذه الأمة مجزأة، متناحرة، مشرذمة لمنعها من امتلاك الإرادة والقدرة على تحقيق استقلالها، واستثمار مواردها بما يحقق تكاملها الاقتصادي ويحقق قوتها.
في ظل هذا التناقض بين حاجة الأمة إلى وحدة تنسجم مع ماضٍ تليد جعلها في مقدمة الأمم على مدى قرون، وتواجه حاضراً مهدداً بكل أنواع التحديات، وتهيؤ لمستقبل ناهض، تبين وجود عوائق خارجية وداخلية تحول دون تحقيق هذه الوحدة، فإن الأمة العربية تخوض في مواجهتها، ولا تزال، أكبر معاركها من أجل استقلال دولها وحرية مواطنيها وتنمية مجتمعها وعدالة أنظمتها والتجدد في عطائها الحضاري، وهي أهداف يسعى منتدى القوميين العرب إلى تحقيقها ضمن مشروعه النهضوي لتحقيق هدف الوحدة العربية متلازماً مع الأهداف الأخرى، التي لا مقايضة بينها، ولا إقصاء لأحدها على حساب الآخر، بل بينهما تكامل برؤيتنا إن هذا التناقض الصارخ الذي تعيشه أمتنا العربية بحيث نعيش في عصر لا مكان فيه للتكتلات الصغيرة، ولا مستقبل لها، بل إن بعض هذه التكتلات الذي يقوم اليوم بين أمم وجماعات مختلفة، شهدت فيما بينها صراعات وحروبا دموية عنيفة، لكن رغبتها بالبقاء والتقدم فرضت عليها شكلا من أشكال الوحدة، الاقتصادية، وحتى السياسية، بذريعة وجود مصالح تدفعها إلى ذلك في عالم يقولون إنه يقوم على المصالح لا المبادئ.
إن الوحدة العربية التي نسعى إلى تحقيقها تجمعها المبادئ والمصالح معا، فكل ما نحمل من عقائد وقيم وروابط تاريخية ومشاعر إنسانية يدفعنا نحو الوحدة بعيداً عن التشرذم والتناحر والانعزال، كما أن كل نظرة موضوعية إلى الوطن العربي، مساحة وموقعاً وموارد، تظهر أن قيام أي شكل من أشكال الوحدة العربية أمر تفرضه مصالح الوطن الكبير كما مصلحة كل قطر من أقطاره، الكبير منها والصغير، الغني منها والفقير، حيث تتكامل عناصر الإنتاج مع شروط التنمية داخل وطننا العربي الكبير كما لا تتكامل في أي وحدة قائمة اليوم في العالم
إن نظرة سريعة إلى واقع التنمية العربية نجد أن أزمتها تطوق كل أقطار الأمة سواء الغني منها، المهدد دائماً بمصادرة ثرواته من قوى الهيمنة، أو الفقير منها المتخبط بالفقر والبطالة والهجرة، بل نجد أن لا حل جذرياً لهذه الأزمة إلا بأشكال متعددة من التكامل الاقتصادي وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية العربية.
وما ينطبق على التنمية المستقلة ينطبق أيضاً على الاستقلال الوطني والأمن القومي للأمة، كما لأقطارها، فلقد أثبتت الأحداث والتطورات كلها أن ما نالته أقطارنا العربية من استقلال في العقود الماضية بقي استقلالا منقوصاً ومنتهكاً على الدوام من قوى خارجية تتفوق علينا في موازين القوى، بدءاً من اغتصاب كامل للأرض كما في فلسطين، وصولاً إلى أراض عربية محتلة أو مسلوبة من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق، ناهيك عما نشهده حاليا من حروب وقواعد أجنبية وتدخلات خارجية مباشرة في عديد من أقطار الأمة.
وقد أثبتت التطورات المتسارعة في وطننا العربي أن الأمن الوطني لكل قطر، مهما كان هذا القطر كبيراً، مرتبط بالأمن القومي العربي، وأن السيادة الوطنية لكل بلد هي جزء لا يتجزأ من السيادة القومية ضمن مفهوم الأمن القومي العربي، وقد أثبتت التطورات كذلك أنه في غياب الأمن القومي العربي تتلكأ الأقطار عن نصرة بعضها البعض.
إن ثقافة الديمقراطية وآلية المشاركة الشعبية الفاعلة في الحكم، هما صمام أمان الوحدة الوطنية بين مكونات متنوعة تتساكن في وطننا الكبير، والضامن الحقيقي لحقوق الإنسان، وإن الاستبداد وغياب الديموقراطية يجعل حياتنا السياسية مشوهة وناقصة أو قابلة للتشويه.
من هنا فإن رؤيتنا في منتدى القوميين العرب أن الوحدة العربية والديمقراطية هدفان متلازمان ومن خلالها يمكن تحقيق أحدهما لتحقيق الهدف الآخر، إذ إن الخيار الحر لأبناء الأمة العربية هو الخيار الوحدوي إذا توفرت ديمقراطية حقيقية لهم، والوحدة العربية، أيّاً كانت صيغ العمل بها، تعطي القوى الشعبية قدرة أكبر على ممارسة حقوقها في المشاركة، ناهيك عن حقها في التعبير والتغيير.
وبقدر ما تشكل الديمقراطية الإطار السليم لتنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن، كما بين الدولة والمكونات الإثنية والدينية والمذهبية لمجتمعها، فإن الوحدة العربية، كإطار أوسع يحمل في إطاره كل آفاق التقدم والرخاء والازدهار تصبح قادرة على التعامل برحابة إنسانية واسعة، (هي من صلب تراثنا العربي)، مع كل هذه المكونات التي تصبح حينها أكثر انجذاباً لدولة ديمقراطية قوية مزدهرة نامية من جهة، كما تصبح تلك الدولة الديمقراطية القوية أكثر استعداداً لاحترام خصوصية تلك الجماعات وأكثر قدرة على التعاطي الإيجابي معها، لأن الدولة الكبيرة تكون مرتاحة مع نفسها، ومع مكوناتها، ولا تعيش حذراً وتوتراً من مكونات داخلها تطالب بحقوق مشروعة لها.
إن الكيان الصهيوني نفسه، الذي تم إنشاؤه على أرض فلسطين العربية كحاجز يمنع توحيد شطري الوطن العربي الكبير ويسعى إلى زرع بذور الفتنة والاحتراب في كل المجتمعات العربية والإسلامية، سيصاب أصحابه بالإحباط وهم يرون أمامهم كياناً عربياً كبيراً، متفاعلاً مع دوائره الحضارية والإستراتيجية الأوسع، ويحسون بمخاطر تهدد وجودهم أمام قوة عربية كبرى قادرة على احتضان مقاومة الشعب الفلسطيني ومدها بكل أسباب القوة، وبالتالي يصبحون أمام احتمالين إما مغادرة أرض اغتصبوها واستعمروها وشردوا أهلها، وإما القبول بالاندماج كجماعة دينية في إطار عربي أوسع.
فالوحدة العربية إذن هي إطار أمثل لحل قضية الصراع العربي – الصهيوني، سلماً بالاستيعاب الديمقراطي الإنساني، أو حرباً بتفوق القوة، ولعل هذا ما يفسر الحرب الصهيونية الدائمة على كل ما يوحد العرب، فكراً أو نضالاً أو مقاومة أو مشاريع مشتركة، بل هذا ما يفسر موقف الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، باعتبار هذا الكيان – الحاجز أحد ركائز استراتيجيها لمنع قيام قوة كبرى في الوطن العربي.
{ الناطق الإعلامي باسم
منتدى القوميين العرب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك