العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن العدوان على اللغة

ربما‭ ‬للمرة‭ ‬الألف‭ ‬أواصل‭ ‬كما‭ ‬غيري‭ ‬دق‭ ‬نواقيس‭ ‬الخطر‭ ‬حول‭ ‬ضعف‭ ‬تحصيل‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهناك‭ ‬ذوو‭ ‬اختصاص‭ ‬حددوا‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬واقترحوا‭ ‬أساليب‭ ‬ناجعة‭ ‬لتدارك‭ ‬الموقف،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬أخطر‭ ‬مما‭ ‬نحسب،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هواية‭ ‬لنحو‭ ‬99‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لتحسين‭ ‬المستوى‭ ‬اللغوي‭ ‬لإنسان‭ ‬لا‭ ‬يقرأ،‭ ‬وأود‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬بصوت‭ ‬مرتفع‭ ‬أن‭ ‬مطالعة‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬قراءة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬سببها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. (‬خير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬القراءة‭ ‬صارت‭ ‬ممارسة‭ ‬شبه‭ ‬معدومة‭ ‬وتستحق‭ ‬التشجيع‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬حاكم‭ ‬دبي‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬المكتوم‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬تحدي‭ ‬القراءة‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭ ‬لطفل‭ ‬فلتة‭ ‬أثبت‭ ‬أمام‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬أنه‭ ‬قرأ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وأنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬بطلاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬مبادرته‭ ‬الأكبر‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنظمات‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬جاء‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬العربيّة‭ ‬لغة‭ ‬حياة‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬يركّز‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬العمليّة‭ ‬لإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬مفهوم‭ ‬تعلم‭ ‬اللّغة‭ ‬العربيّة‭ ‬بأسلوب‭ ‬مبسّط‭ ‬وواقعي،‭ ‬بهدف‭ ‬تقديم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تعليم‭ ‬اللّغة‭ ‬العربيّة‭ ‬للنّهوض‭ ‬بمناهجها‭ ‬وطرائق‭ ‬تدريسها‭ ‬وتقييمها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬ثقافة‭ ‬التّعلّم‭ ‬والقراءة‭ ‬باللّغة‭ ‬العربيّة‭).‬

أتوقف‭ ‬هنا‭ ‬لأقول‭ ‬إنني‭ ‬لست‭ (‬ضليعاً‭) ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكنني‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أجتهد‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬لتحسين‭ ‬ملكتي‭ ‬اللغوية،‭ ‬بل‭ ‬ويحق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أحس‭ ‬بالرضا‭ ‬النسبي‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬‭ ‬أخذاً‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنني‭ ‬ولدت‭ ‬ونشأت‭ ‬ناطقاً‭ ‬بغير‭ ‬العربية،‭ ‬وتعلمتها‭ ‬بالضرب‭ (‬في‭ ‬المدرسة‭) ‬والصبر‭ ‬والمثابرة،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬منذ‭ ‬صباي‭ ‬الباكر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬للأعلام‭ (‬بفتح‭ ‬الهمزة‭) ‬وحفظت‭ ‬آلاف‭ ‬الأبيات‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬وتمعنت‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬جماليات‭ ‬الأدب‭ ‬القرآني‭. ‬

وأحياناً‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬قرأتها‭ ‬أو‭ ‬سمعتها‭ ‬فيها‭ ‬خطأ‭ ‬ما،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تحديد‭ ‬لماذا‭ ‬هي‭ ‬خطأ،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬القاعدة‭ ‬اللغوية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬عليها‭ ‬تلك‭ ‬الجملة،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعرف‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭. ‬إنه‭ ‬الإحساس‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يقولون‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الكلام،‭ ‬شيء‭ ‬مثل‭ ‬الحس‭ ‬الموسيقي‭ ‬أو‭ ‬الفني،‭ ‬يجعلك‭ ‬تضرِس‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬ما،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬بيتاً‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬مكسور‭ ‬رغم‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬بحور‭ ‬الخليل‭.‬

وأقرأ‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬بعض‭ ‬شبابنا‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬حتى‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬فيصيبني‭ ‬مغص‭ ‬كلوي‭: ‬‮«‬هاؤلاء‮»‬‭ ‬وأولائك‮»‬،‭ ‬‮«‬اللذين‭ ‬‭ ‬بكسر‭ ‬الذال‭ ‬‭ ‬يحسبون‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‮»‬‭ ‬و«لاكنك‭ ‬تتفاجأ‮»‬‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬أغبيائ‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬يسططيعون‮»‬‭ ‬‮«‬تلاشي‮»‬‭ ‬أي‭ ‬موقف‭! ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سيقرأ‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬علامات‭ ‬التنصيص،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬خطأ‭! ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬ضعف‭ ‬التحصيل‭ ‬اللغوي‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬نشهد‭ ‬ردة‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الرواية‭ ‬الشفاهية،‭ ‬والتلفزيون‭ ‬وإذاعات‭ ‬‮«‬إف‭ ‬إم‮»‬‭ ‬ويوتيوب‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬المعرفة‭ ‬والثقافة،‭ ‬والكلام‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬شخصيات‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الأناقة‭ ‬والقيافة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬درراً،‭..  ‬مساكين،‭.. ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬بين‭ ‬القيافة‭ ‬والهيافة‭..  ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬تتابع‭ ‬إذاعة‭ ‬عريقة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬‭ ‬قبل‭ ‬وفاتها‭ ‬‭ ‬ربما‭ ‬التقطت‭ ‬أذناك‭ ‬عبارة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ما‭ ‬هي‭ ‬احتمالية‭ ‬حل‭ ‬المشكلة؟‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬تفهم‭ ‬لماذا‭ ‬تم‭ ‬تحميل‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬احتمال‮»‬‭ ‬حرفين‭ ‬زائدين‭.‬

والسبب‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مدرسي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بلدان‭ ‬المشرق‭ ‬والمغرب‭ ‬أقل‭ ‬حظاً‭ ‬من‭ ‬نظرائهم‭ ‬مدرسي‭ ‬المواد‭ ‬‮«‬الحديثة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الترقيات‭ ‬والعلاوات‭.  ‬ومن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬شريحة‭ ‬كهذه‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬كلمة‭ ‬مسموعة‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬وزارات‭ ‬التربية،‭ ‬وكأب‭ ‬ومعلم‭ ‬سابق‭ ‬فإنني‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬إلا‭ ‬شذرات‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭. ‬تولوا‭ ‬بأنفسكم‭ ‬تدريس‭ ‬عيالكم‭ ‬مختلف‭ ‬المواد‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لفهم‭ ‬أي‭ ‬مادة،‭ ‬بدون‭ ‬الإلمام‭ ‬الجيد‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬اللغة‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديك‭ ‬وقت‭ ‬لهذا‭ ‬فاستعن‭ ‬بمدرس‭ ‬خصوصي‭ ‬تكون‭ ‬مهمته‭ ‬توسيع‭ ‬مدارك‭ ‬الولد‭ ‬أو‭ ‬البنت‭ ‬وليس‭ ‬إعداده‭ ‬للامتحانات،‭ ‬ولا‭ ‬تصدق‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬ممنوعة،‭ ‬فمن‭ ‬يمنعونها‭ ‬يأتون‭ ‬لعيالهم‭ ‬بمدرسين‭ ‬خصوصيين‭ ‬‮«‬بلا‭ ‬مقابل‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا