ينطوي مفهوم التنويع الاقتصادي، في السياسة الاقتصادية البحرينية على توسيع قاعدة القطاعات غير النفطية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ بهدف تقليص الاعتماد على الثروة النفطية، التي تُعد في النهاية موردًا ناضبًا، كما يشمل أيضا تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، حيث اتجهت السياسة الاقتصادية إلى حصر النشاط في هذا القطاع، مع قيام الحكومة بدور المنظم، وذلك وفقًا لما نصت عليه رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
ولتعزيز دور القطاع الخاص وتوسيع نطاقه، انتهجت الحكومة سياسة الحرية الاقتصادية، ووفرت العديد من الحوافز لدعم نمو هذا القطاع، كما فتحت أمامه المشروعات والمشتريات الحكومية ليتولاها؛ ما أسهم في تعزيز مكانته في الاقتصاد الوطني. ومن أبرز المبادرات التي أطلقتها الحكومة منذ عام 2000، النموذج البحريني لريادة الأعمال، والذي يهدف ليس فقط إلى دعم القطاع الخاص بشركات جديدة، بل أيضًا مكافحة البطالة من خلال تمكين الشباب من الجنسين لإطلاق مشروعات مدرة للدخل يمكن تطويرها مع مرور الوقت.
ومع تحقيق البحرين نجاحا ملحوظا، في هذا النموذج على مدى قرابة ربع قرن؛ صرح الرئيس التنفيذي للمنتدى العالمي للاستثمار في الشركات الناشئة، في 20 نوفمبر، بأن المملكة لديها جميع المقومات، التي تؤهلها لتصبح عاصمة عالمية للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مؤكدا أنها تعمل على بناء منظومة اقتصادية متخصصة؛ لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار في المنطقة.
وفي الفترة من (19 – 20)، نوفمبر، استضافت البحرين المنتدى العالمي للاستثمار في الشركات الناشئة، برعاية ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بمشاركة 60 شركة، وأكثر من 400 من كبار المسؤولين والخبراء، وأصحاب الأعمال من المملكة، و42 دولة من دول العالم. ويعد هذا المنتدى، من أبرز المؤتمرات الدولية المختصة في مجال ريادة الأعمال، ويتيح فرصا لتبادل الأفكار، وأفضل الممارسات والخبرات، وإقامة الشراكات الاستراتيجية بين المستثمرين من كافة أنحاء العالم، فضلاً عن جذب الاستثمار. وتُعقد هذه النسخة للمنتدى في البحرين والوطن العربي لأول مرة، وتم تنظيمها بالتعاون بين المؤسسة البحرينية لريادة الأعمال، ومكتب الاستثمار العالمي للشركات الناشئة.
وتُعد المؤسسة البحرينية لريادة الأعمال أول مؤسسة من نوعها في المنطقة، تعنى بزيادة رقعة العمل الريادي، والمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، من خلال تشجيع الشباب والنساء على وجه الخصوص في بداية وتطوير أعمالهم التجارية الخاصة، وقد نشأت هذه المؤسسة في عام 2019، ضمن مؤسسات المجتمع المدني. وفي السنة الأولى لقيامها وقعت اتفاقا للتعاون في مجال ريادة الأعمال، مع صندوق العمل تمكين.
ويتكون النموذج البحريني لريادة الأعمال من خمس خطوات، هي الإعداد والتمكين وتقديم المشورة، والربط التكنولوجي، والربط المالي، والاحتضان، ومن ثم برامج النمو. وتُسمى الخطوات الثلاثة الأولى ما قبل الاستثمار، والمرحلتان الرابعة والخامسة ما بعد الاستثمار. وقد تم تطوير هذا النموذج، وترسيخه بالتعاون بين وزارة الصناعة والتجارة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية اليونيدو. وطبقًا لفعاليات المؤتمر العالمي لريادة الأعمال 2019، الذي استضافته المملكة، الذي تم فيه تخريج الدفعات من 94 – 104 من برنامج تنمية رواد الأعمال، وتحفيز الاستثمار النموذج البحريني؛ فإنه حتى هذا العام، كان قد تم تطبيق هذا النموذج في أكثر من 52 دولة حول العالم.
ومنذ انطلاق هذا النموذج في عام 2000، قدم المساندة والدعم، لما يفوق الـ8000 رائد أعمال، نتج عنه إيجاد 2000 مشروع جديد في مجالات متعددة ومتنوعة، وباستثمارات تفوق 2 مليار دولار، ما نتج عنها إيجاد 17500 فرصة عمل. ووفقا لرئيس مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا، التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية يونيدو؛ فقد أضيف إلى الدول التي تطبق النموذج البحريني، 7 دول جديدة؛ ليصبح العدد الإجمالي 59 دولة في 2024.
علاوة على ذلك، امتدت مبادرات النموذج البحريني إلى ما أطلق عليه مشروع أولمبياد المدارس للابتكار، وأصبح يطبق في أغلب مدارس البحرين الثانوية. وشهد العام الحالي 2024 تخريج فوجين من جامعة البحرين، تم تدريبهما على النموذج البحريني لريادة الأعمال، وتم العمل في هذا الشأن أيضًا مع جامعات أخرى مثل: (الجامعة الأهلية، الجامعة التطبيقية، الجامعة الملكية للبنات، والجامعة الأمريكية). ويقوم الكادر الجامعي، بتأهيل الطلاب، كما يوجد لدى وزارة التربية والتعليم، 400 مدرس معتمد في ريادة الأعمال والابتكار، فيما طلب البنك المركزي، من كافة بنوك البحرين، رفع مخصص القروض الموجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
من جانبه، حرص المجلس الأعلى للمرأة، على الاستفادة من توجه السياسة الاقتصادية البحرينية، لدعم ريادة الأعمال؛ فأطلق برنامج ريادات لدعم رائدات الأعمال البحرينيات، بالتعاون مع تمكين، وبنك البحرين للتنمية؛ لتقديم تمويل متوافق مع الشريعة الإسلامية، لمساعدتهن على تأسيس أعمالهن وتطويرها واستدامتها، وأنشأ بنك البحرين للتنمية، مجمع ريادات؛ لتشجيع رائدات الأعمال، وسد الفجوة بين الجنسين.
ويعد صندوق العمل، تمكين، أحد أهم المؤسسات الداعمة لرواد الأعمال في البحرين، بمجموعة واسعة من البرامج والخدمات؛ كالتدريب، والتوجيه، والتمويل، والدعم التسويقي. وفضلاً عن ذلك، فإن لدى البحرين، العديد من الحاضنات، التي تقدم لرواد الأعمال، مساحات عمل مشتركة، ودعما فنيا، وتسويقيا، وتوجيها من قبل خبراء في مجال ريادة الأعمال، كما تعد استارت أب البحرين، منصة رائدة، للشركات الناشئة، توفر لهم الفرصة للتواصل مع المستثمرين والشركات، والحصول على الدعم اللازم لتطوير أعمالهم.
وتمتلك المملكة، أكثر من 34 مسرعا وحاضنة، ومساحات عمل مشتركة؛ تحفز الابتكار، ونمو الأعمال الحديثة. وتعد الحاضنة، التي أنشأها بنك البحرين للتنمية، في 2003، أول حاضنة متنوعة في المنطقة، كما تشجع وزارة الصناعة والتجارة، إنشاء الحاضنات والمسرعات، من خلال إصدار التراخيص المناسبة، وتوفير الشروط والأحكام اللازمة لنشاطها.
ولحفز المواطنين على ريادة الأعمال، والمشاركة في التنمية الاقتصادية الوطنية؛ تماشيًا مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، أطلقت المملكة، في 2015، جائزة البحرين لريادة الأعمال، متضمنة 7 فئات: (المؤسسات متناهية الصغر، المؤسسات الناشئة، المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، المؤسسات الوطنية ذات الطابع الدولي، جائزة المؤسسات ذات الأعمال المستدامة، جائزة رائدة الأعمال المتميزة).
وتعد الجائزة، بمثابة برنامج وطني رائد، في تحفيز أصحاب الأعمال البحرينيين، وتشجيع الابتكار، وتنمية ثقافة ريادة الأعمال، كما أطلق المجلس الأعلى للمرأة منذ عام 2011، مبادرة امتياز الشرف لرائدة الأعمال البحرينية، وأطلقت رئيسة المجلس سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة من عام 2010 المحفظة المالية لدعم وتمويل النشاط التجاري للمرأة البحرينية، وقبل ذلك في 006، كان إطلاق المشروع الوطني للأسر المنتجة المنزل المنتج الذي تطور إلى مشروع خطوة في 2014.
ولعل نجاح النموذج البحريني لريادة الأعمال هو ما جعل المفوض السامي للمنتدى العالمي للاستثمار في الشركات الناشئة، في جنوب إفريقيا سواني ماندلا، تصرح لدى حضور هذا المنتدى في المنامة بأن تجربة البحرين في دعم ريادة الأعمال، نموذج، يمكن لجنوب إفريقيا أن تتعلم منه، فيما أشادت بما حققته المملكة، في تمكين الشركات الناشئة والشباب. ومن أحدث المبادرات التي تسهم في تحفيز رواد الأعمال، تنظيم صادرات البحرين بالتعاون مع بنك البحرين للتنمية، ما أسمته مسابقة كأس الأعمال الإبداعية لعام 2024، التي تمثل منصة مميزة تتيح لرواد الأعمال فرصة استعراض أفكارهم الريادية المبتكرة على الساحة الدولية.
وفي ظل الدور المحوري للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد العالمي؛ غدت المؤسسات الناشئة، أحد المكونات الأساسية لمسارات النمو الاقتصادي. وقد أدرك المجتمع الدولي هذا الدور، عبر تخصيص 27 يوليو من كل عام، يوماً عالمياً، لهذه المؤسسات، باعتبارها قوة دافعة للإبداع والابتكار.
من جانبها، تولت الحكومة البحرينية تعزيز هذا القطاع، بإنشاء مجلس تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في يوليو 2017؛ بهدف تطوير نظام ريادة الأعمال، وزيادة مساهمة هذه المؤسسات في الاقتصاد الوطني. وأكدت وزيرة التنمية المستدامة، نور بنت علي الخليف، أن المجلس وضع خطة عمل طموحة؛ تهدف إلى رفع مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 45% بحلول عام 2026، وهو ما يعكس دورها المحوري في التنويع الاقتصادي، وتعزيز الاستدامة الاقتصادية، فضلاً عن خلق فرص عمل جديدة. وتشكل هذه المؤسسات حاليًا حوالي 93% من إجمالي المؤسسات التجارية في المملكة. ووفقًا للخطة التي تضمنت 44 مبادرة؛ بلغت نسبة الإنجاز حوالي 68% حتى منتصف عام 2024، مدعومة بمشروعات الحاضنات والمسرعات التي حققت نسبة إشغال تجاوزت 83%.
ولعل نجاح البحرين في بناء هذا النموذج المبتكر، وتحقيق إنجازات ملموسة، جعله نموذجًا مرتبطًا باسم المملكة، وأحد أبرز أدوات قوتها الناعمة، التي تجمع بين التأثير الإيجابي، ونشر نموذجها الريادي على المستوى الإقليمي والدولي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك