لن يرحم التاريخ فترة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عند تقييم طريقة تعامل إدارته مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وفي أحسن الأحوال، سيتم الحكم على طريقة ومستوى استجابته بالضعف والعجز. وفي أسوأ الأحوال، سيُنظر إليه على أنه ساعد في الجرائم المرتكبة أو حتى متواطئ فيها.
وفي الحقيقة فإن الأمثلة على هذا العجز وهذا التواطؤ كثيرة الذي توصم به إدارة الرئيس جو بايدن كثيرة. فيما يلي بعض الأمثلة فقط:
في يوم 4 أبريل من هذا العام، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا تحت عنوان: «أخبر الرئيس بايدن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الدعم الأمريكي المستقبلي «سيتحدد» من خلال الطريقة التي تعامل بها إسرائيل المدنيين في غزة». جاء في المقال ما يلي:
هدد الرئيس جو بايدن بربط الدعم المستقبلي لإسرائيل بكيفية معالجة مخاوفه بشأن الضحايا المدنيين والأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مما دفع إسرائيل إلى الالتزام بالسماح بدخول المزيد من الغذاء والإمدادات الأخرى إلى القطاع المحاصر على أمل استرضائه.
وخلال مكالمة متوترة استمرت 30 دقيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، استخدم الرئيس بايدن لأول مرة المساعدات الأمريكية للتأثير في سير الحرب ضد حركة حماس، وهو ما أثار غضب العديد من الأمريكيين وغيرهم حول العالم.
وبعد المكالمة، علق وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن قائلاً: «إذا لم نر التغييرات التي نحتاج نحن إلى رؤيتها، فستكون هناك تغييرات في السياسة».
كان ذلك قبل سبعة أشهر ونصف الشهر. وخلال الأشهر التي تلت ذلك، قُتل 12 ألف فلسطيني آخرين في المدارس والمستشفيات والمساجد حيث لجأوا بحثا عن الأمان. وقد تم قصف مواقع الخيام المكتظة باللاجئين اليائسين، وواصلت إسرائيل منع وصول المساعدات الإنسانية. لقد كان «تهديد» الإدارة الأمريكية الحالية بلا جدوى.
وفي يوم 13 أكتوبر، كتب وزير الخارجية بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى الحكومة الإسرائيلية يعربان عن قلقهما بشأن الوضع الإنساني «الخطر» في غزة، مستشهدين بعزل الجزء الشمالي من القطاع، وأوامر الإخلاء المتكررة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، واستهداف عمال الإغاثة، ومجموعة من السياسات الإسرائيلية الأخرى التي كان لها تأثير سلبي في الفلسطينيين.
لقد قال الوزيران آنذاك إن الولايات المتحدة الأمريكية تمهل إسرائيل 30 يومًا لتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين في قطاع غزة أو مواجهة عواقب غير معلنة.
وبعد أن خسر الديمقراطيون الانتخابات في شهر نوفمبر 2024، افترض بعض المعلقين أن الرئيس جو بايدن الذي لا يواجه الآن أي ضغوط سياسية، قد يستخدم الوقت المتبقي له في منصبه لاتخاذ بعض التحركات الجريئة لمعالجة الأزمة في غزة.
كما افترضوا أن هذه التحركات التي تحدثوا عنها يمكن أن تشكل تحديًا لكل من نتنياهو وإدارة ترامب القادمة. لكن أربعة إجراءات اتخذتها إدارة بايدن خلال الأسبوع الماضي تظهر أن هذه الآمال كانت بلا جدوى.
ومع اقتراب الموعد النهائي المحدد بشهر واحد في رسالة بلينكن/أوستن، أبلغت مجموعات الإغاثة الأمريكية والدولية والمسؤولون داخل إدارة بايدن المكلفون بالشؤون الإنسانية الوزيرين أن الوضع في قطاع غزة قد تفاقم، وأن شحنات الغذاء والمياه والأدوية ظلت غير كافية إلى حد لا يطاق ولا يحتمل.
كما أبلغاهما أن عمال الإغاثة ما زالوا يتعرضون للتهديد، وأن المجاعة باتت وشيكة. ومع اقتراب فصل الشتاء، حذروا من أن الأزمة الإنسانية لن تؤدي إلا إلى المزيد من مشاعر اليأس. ومع ذلك، وفي يوم 12 نوفمبر 2024، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية ما اعتبر بمثابة درجة نجاح وهمية لإسرائيل مقابل بعض «التحسينات» في قطاع غزة.
وفي العشرين من نوفمبر 2024، وبعد أشهر من المفاوضات بشأن قرار جديد صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض مرة أخرى، مما أحبط جهود المجتمع الدولي لإنهاء الحرب.
وبقدر ما كان استخدام حق النقض مزعجا، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو السبب الكاذب الواضح لاستخدامه. فقد زعموا أنهم يعارضون مشروع القرار لأنه فشل في الدعوة إلى الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين، متجاهلين حقيقة أن القرار يدعو على وجه التحديد إلى «وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن».
وفي يوم 20 نوفمبر أيضًا، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي ضد ثلاثة مشاريع قوانين منفصلة تعارض إرسال أسلحة أمريكية بقيمة مليارات الدولارات إلى إسرائيل.
لقد اعتبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين يدعمون مشاريع القوانين هذه بأن توريد هذه الأسلحة كان انتهاكًا واضحًا للقوانين الأمريكية التي تقيد مثل هذه الشحنات عندما تستخدمها الدولة المتلقية لتعريض حياة المدنيين للخطر أو لإعاقة المساعدة الإنسانية.
لقد تجاهلت سلطات البيت الأبيض الأساس الواقعي للاتهامات والأدلة على انتهاكات القوانين الأمريكية وأصدرت ما يسمى «نقاط حوار» لأعضاء مجلس الشيوخ، معتبرة أن «رفض شراء الأسلحة لإسرائيل في هذه اللحظة من شأنه... أن يدعم إيران وحزب الله وحماس».
لقد كان من المقلق للغاية أن تنحدر سلطات البيت الأبيض إلى هذا المستوى واستخدام هذه الجوانب من أجل كسب تأييد أعضاء مجلس الشيوخ البارزين من حزبها.
بعد ذلك، وفي يوم 21 نوفمبر، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، تتهمهما بالمسؤولية الجنائية عن أعمال تشمل القتل والاضطهاد والتجويع كجزء من «هجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».
رداً على ذلك، أصدر الرئيس بايدن بياناً أدان فيه القرار قائلاً: إن «مذكرات الاعتقال ضد القادة الإسرائيليين أمر شائن.. وسنقف دائماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي يتعرض لها أمنها».
وهكذا، يبدو أن الرئيس بايدن سينهي فترة ولايته دون تغيير في موقفه أو سياسته. ففي شهر أكتوبر الماضي فقط، رفض الرئيس بايدن فرصاً متعددة للنأي بنفسه عن السياسات الإسرائيلية.
وبما أن جو بايدن رفض تغيير موقفه أو سياسته، بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فإن التاريخ سيسجل هذه الحرب ضمن إرثه.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك