العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

النزاع حول بطة

وغزة‭ ‬العِزة‭ ‬والبسالة‭ ‬تقدم‭ ‬للعالم‭ ‬معنى‭ ‬الصمود‭ ‬والبطولة،‭ ‬تقف‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى،‭ ‬مغلولة‭ ‬الأيدي،‭ ‬طويلة‭ ‬اللسان‭ ‬‮«‬تستنكر‭ ‬وتشجب‮»‬،‭ ‬فاستحضرت‭ ‬حكاية‭ ‬توضح‭ ‬نوع‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والدولة‭ ‬العبرية‭: ‬

نجح‭ ‬صياد‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬بطة‭ ‬طائرة‭ ‬بطلق‭ ‬ناري،‭ ‬ولكن‭ ‬البطة‭ ‬السخيفة‭ ‬هوت‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬مستوطن‭ ‬يهودي،‭ ‬ولما‭ ‬ذهب‭ ‬الصياد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لأخذ‭ ‬البطة‭ ‬بمنطق‭ ‬أنه‭ ‬قام‭ ‬برميها‭ ‬وإسقاطها،‭ ‬رفض‭ ‬اليهودي‭ ‬تسليمها‭ ‬إياه‭ ‬زاعما‭ ‬أنها‭ ‬ملكه‭ ‬لأنها‭ ‬سقطت‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬واحتدم‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬الرجلين‭ ‬الجارين‭ ‬ولكن‭ ‬اليهودي‭ ‬ركب‭ ‬راسه‭ ‬ورفض‭ ‬تسليم‭ ‬البطة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فاضطر‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بيته،‭ ‬مقررا‭ ‬الانتقام،‭ ‬وبدأ‭ ‬هو‭ ‬وأطفاله‭ ‬يرشقون‭ ‬اليهودي‭ ‬بالحجارة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬اليهودي‭ ‬إلى‭ ‬عرض‭ ‬اقتراح‭ ‬يحسم‭ ‬ملكية‭ ‬وأيلولة‭ ‬البطة‭.‬

كانت‭ ‬خلاصة‭ ‬الاقتراح‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬اليهودي‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬يضرب‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬الآخر‭ ‬بقوة‭ ‬بقدمه‭ ‬بين‭ ‬الفخذين‭ ‬ومن‭ ‬يثبت‭ ‬قدرة‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الألم‭ ‬يفوز‭ ‬بالبطة،‭ ‬ولأنني‭ ‬صاحب‭ ‬الاقتراح‭ ‬فإنني‭ ‬سأبدأ‭ ‬الضرب،‭ ‬فوافق‭ ‬المزارع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬الاقتراح‭ ‬وهو‭ ‬يمني‭ ‬نفسه‭ ‬بضرب‭ ‬اليهودي‭ ‬بقوة‭ ‬تقطع‭ ‬نسله،‭ ‬وهكذا‭ ‬بادر‭ ‬اليهودي‭ ‬بضرب‭ ‬جاره‭ ‬الفلسطيني‭ ‬شلوتا‭ ‬قويا‭ ‬جعله‭ ‬يفقد‭ ‬توازنه‭ ‬ويتلوى‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬لعدة‭ ‬ساعات،‭ ‬وهو‭ ‬مستلق‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬التقط‭ ‬أنفاسه‭ ‬ونهض‭ ‬مترنحا‭ ‬ليقوم‭ ‬بتوجيه‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية‭ ‬على‭ ‬النسل‭ ‬لليهودي،‭ ‬ولكن‭ ‬الملعون‭ ‬نظر‭ ‬إليه‭ ‬مبتسما‭ ‬وقال‭: ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للضرب،‭ ‬واعترف‭ ‬لك‭ ‬بأنني‭ ‬سأتألم‭ ‬وأولول‭ ‬حتى‭ ‬يسمع‭ ‬صرخاتي‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬وبالتالي‭ ‬خذ‭ ‬البطة‭.. ‬حلال‭ ‬عليك‭.‬

ولأنني‭ ‬لا‭ ‬أحترم‭ ‬ذكاء‭ ‬القراء‭ ‬فإنني‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬البطة‭ ‬هي‭ ‬تناتيف‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬السلطة‭ ‬بثمن‭ ‬مرتفع،‭ ‬ومؤلم‭ ‬وبعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬too‭ ‬little‭ ‬too‭ ‬late‭ .‬

رغم‭ ‬أنها‭ ‬مالكتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬أما‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مع‭ ‬رعاياها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ادعاء‭ ‬بعد‭ ‬النظر‭ ‬واستشراف‭ ‬المستقبل،‭ ‬‮«‬وضعوا‭ ‬ثقتكم‭ ‬فينا‭ ‬وحطوا‭ ‬في‭ ‬بطونكم‭ ‬بطيخة‭ ‬صيفية‭ ‬وشماما‭ ‬شتويا‮»‬،‭ ‬فتذكرني‭ ‬بحكاية‭ ‬شعبية‭ ‬صومالية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬رجلا‭ ‬فقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإبصار‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يعاند‭ ‬ويزعم‭ ‬أنه‭ ‬مبصر،‭ ‬وكان‭ ‬يحب‭ ‬فتاة‭ ‬من‭ ‬قريته،‭ ‬سمع‭ ‬منها‭ ‬وعنها‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنها‭ ‬فاتنة،‭ ‬فيزيده‭ ‬هذا‭ ‬ادعاء‭ ‬بأنه‭ ‬أزرق‭ ‬اليمامة،‭ ‬فيتغزل‭ ‬بمحاسنها‭ ‬وألوان‭ ‬ملابسها‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬تفاصيل‭ ‬وجهها،‭ ‬وكي‭ ‬يقنع‭ ‬فتاته‭ ‬بأنه‭ ‬مبصر،‭ ‬اختار‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬شجرة‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬الفتاة‭ ‬عادة‭ ‬وهي‭ ‬تسوق‭ ‬أغنامها‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬وغرس‭ ‬في‭ ‬ساق‭ ‬الشجرة‭ ‬إبرة‭ ‬ثم‭ ‬جلس‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬مقابلة،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬فتاة‭ ‬الأحلام‭ ‬حتى‭ ‬دعاها‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬جواره،‭ ‬ففعلت‭. ‬وبعد‭ ‬تبادل‭ ‬بعض‭ ‬العبارات‭ ‬التقليدية‭ ‬حدق‭ ‬النظر‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬الشجرة‭ ‬الأخرى‭ ‬وقال‭: ‬هل‭ ‬ذاك‭ ‬الشيء‭ ‬المغروس‭ ‬في‭ ‬ساق‭ ‬تلك‭ ‬الشجرة‭ ‬إبرة؟‭ ‬وأمعنت‭ ‬الفتاة‭ ‬النظر‭ ‬ولكنها،‭ ‬وهي‭ ‬المبصرة‭ ‬تماما‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬الإبرة،‭ ‬بسبب‭ ‬بعد‭ ‬المسافة،‭ ‬ولأنه‭ ‬كما‭ ‬نعرف‭ ‬جميعا‭ ‬تصعب‭ ‬رؤية‭ ‬الإبرة‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬متر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الناظر‭ ‬وليثبت‭ ‬العاشق‭ ‬المستهام‭ ‬أن‭ ‬الحبيبة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬النظر‭ ‬وأن‭ ‬بصره‭ ‬حديد،‭ ‬نهض‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬أنا‭ ‬متأكد‭ ‬انها‭ ‬إبرة‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬الشجرة‭ ‬المقابلة،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظه‭ ‬كان‭ ‬جمل‭ ‬عبيط‭ ‬قد‭ ‬أناخ‭ ‬أمامها‭ ‬فاصطدم‭ ‬به‭ ‬الرجل‭ ‬وسقط‭ ‬أرضا،‭ ‬وطارت‭ ‬الإبرة‭ ‬ومعها‭ ‬عروس‭ ‬الأحلام‭ (‬لأن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬رؤية‭ ‬جمل‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬سنتيمترات‭.. ‬أكمل‭ ‬الجملة‭ ‬من‭ ‬عندك‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭).‬

ومن‭ ‬الأمثال‭ ‬العربية‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬شخصان‭ ‬إن‭ ‬رقبتك‭ ‬معوجة‭ ‬فعليك‭ ‬بتحسسها،‭ ‬وإذا‭ ‬قالت‭ ‬الملايين‭ ‬للسلطويين‭ ‬إن‭ ‬نتنياهو‭ ‬امتداد‭ ‬لهيرتزل‭ ‬وبن‭ ‬جوريون‭ ‬وجولدا‭ ‬مائير،‭ ‬فعليهم‭ ‬أن‭ ‬يصدقوها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانوا‭ ‬نصف‭ ‬جادين‭ ‬في‭ ‬محو‭ ‬آثار‭ ‬وعد‭ ‬بلفور،‭ ‬فعليهم‭ ‬أن‭ ‬يتمسكوا‭ ‬بـ«وعد‭ ‬جعفور‭ ‬الإخشيدي‭ ‬العبسي‮»‬،‭ ‬وخلاصته‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الشعر‭ ‬القائل‭:‬

فما‭ ‬ضاع‭ ‬حق‭ ‬لم‭ ‬ينم‭ ‬عنه‭ ‬أهله‭ / ‬ولا‭ ‬ناله‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬مُقصّرُ‭ ‬

قالها‭ ‬أحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم‭ ‬بصيغة‭ ‬أخرى‭ ‬للرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭:‬

يا‭ ‬تجهزوا‭ ‬جيش‭ ‬الخلاص‭/ ‬يا‭ ‬تقولوا‭ ‬ع‭ ‬العالم‭ ‬خلاص

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا