زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
رجاء قولوا شكرا وعفوا
بحكم أنني ربيب الاستعمار البريطاني وكنت عميلا بريطانيا بحكم العمل في السفارة البريطانية في الخرطوم، ثم عميلا أمريكيا عندما عملت في شركة أرامكو النفطية قبل «سعودتها» بالكامل، أي إبان كانت إدارتها في معظمها بأيدي الأمريكان، فقد صرت شغوفا بمطالعة الصحف البريطانية الرصينة، ومجلتي تايم ونيوزويك الأمريكيتين، وكنت لسنوات عديدة حريصا على مطالعة ملحق أسبوعي يصدر كل سبت عن جريدة تايمز اللندنية بعنوان بودي آند سول (الجسم والروح)، لأن محتوياته ممتعة، لأنها تتناول شتى جوانب وأمور الحياة، من صحة وتعليم وعلاقات إنسانية واجتماعية (ولا تحسب أن وجود كلمة الروح يعني أن الصحيفة معنية بالروحانيات وتبشر بتعاليم المسيحية، ويذكرني هذا بأمر تسمية البعض للخمور بالمشروبات الروحية، وهذه ترجمة غبية لكلمة سبيريت spirit الإنجليزية التي تعني الكحول والروح). ما علينا: اقترح ذلك محررو ذلك الملحق على تلاميذ أكثر من ألف مدرسة أن يأتوا بأفكار تجعل الناس أكثر سعادة، و«فازت» 30 فكرة جاء معظمها من عيال دون العاشرة. كانت من بينهم طفلة في السابعة قالت إن العالم سيصبح أكثر بهجة وسعادة لو استخدم الناس عبارات التهذيب مثل «بليز/ ثانك يو، أي من فضلك / شكرا» في تعاملهم اليومي، وفي بريطانيا لا شيء «يذبحك» سوى سماع بليز وثانك يو، نحو عشرين مرة في اليوم، ومع هذا ربما لاحظت تلك الطفلة أن هناك من لا يستخدمونها عند تعاملهم مع الآخرين، ولو كنت أعرف عنوان هذه البنت الذكية الراقية المهذبة الخلوقة لأقنعت الجامعة العربية بمنحها عقد خبير أجنبي لتطوف بدول «من المحيط إلى الخليج/ من الماء إلى الماء»، لتغرس في الناس «شكرا»... بلاش شكرا.. نخليها «من فضلك/لو سمحت/بعد إذنك»، فإن نشكر أشخاصا على عمل أو قول، فوق طاقتنا في الظروف الراهنة ونحن ورانا هموم ومشاغل وقضايا مصيرية وثوابت (لا أفهم كيف تسمى أوضاع مخلخلة وأشياء مهزوزة في وجداننا وعقولنا بالثوابت!).. في بلداننا تدخل على المدير لتقدم له تقريرا أعددته نيابة عنه واستغرق منك عدة أشهر، ليطرحه باسمه في محفل كبير فيقول لك من طرف فمه: حطه هناك. يا صاحب السعادة، ستنال التصفيق، وبدل المهمة الرسمية بالآلاف، وتظهر صورتك في الصحف وشاشات التلفزيون مصحوبة بمقتطفات من كلامي المنسوب زورا إليك، وتستكثر عليَّ كلمة «شكرا»؟
سأروي لكم قصة شهدت وقائعها وأنا أقود سيارتي ليلا في شارع فرعي: ارتكبت سيدة تقود سيارة حادثا بسيطا، وأوقفت سيارتي على مسافة من موقع الحادث، كي أعطيها بعض الإحساس بالأمان، بعد أن اتصلت بشرطة المرور لتأتي على وجه السرعة، وكان الطرف الثاني في الحادث شابا، بدت عليه علامات القلق وهو يرى تلك السيدة في حالة نفسية سيئة ترتعد وتبكي، وكنت قد تحركت صوب السيدة المرعوبة عندما انتبهت إلى أنها تجري اتصالا هاتفيا وتبلغ شخصا ما عن الحادث فاستنتجت أنه زوجها، فعدت إلى سيارتي أرقب الموقف، وفي هذا الأثناء وقفت سيارة يقودها رجل ومعه زوجته وعياله، ونزل الرجل واقترح على السيدة المرعوبة أن تجلس في سيارته قرب زوجته إلى أن يصل زوجها، وبعد تردد قبلت السيدة الاقتراح، وأثناء توجهها إلى تلك السيارة وصل السيد البعل الفحل. وخلال ثوان تطاير إلى الآذان كلام من شاكلة: كيف أصلا تقترح على زوجتي تركب في سيارة شخص في «مستواك». نزلت زوجة الرجل الشهم من تلك السيارة وهي قطعا تتعجب من نكران البعل الفحل لمروءة رجل أراد لزوجته أن تكون بعيدا من مكان الحادث حتى يهدأ روعها، وكي لا تصبح «فرجة» للمارة. وقالت للزوج ما معناه إن الرجل دعاها للبقاء في سيارته، لأنها كانت متوترة، ولكن الليث الهزبر زجرها: مش شغلك.. وما تكوني حشرية.. سألت الرجل الشهم لاحقا: هل صاحبنا يعرفك ولا يحبك لسبب ما؟ فقال إنه لم يلتق به طوال حياته ولا يتمنى لقاءه أبدا! كان عزاؤه أن كل من شهد جلافة ذلك البعل البغل أثنى على شهامته ونبله هو وزوجته، الذي أسماه ذلك الحشرة «حشرية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك