العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

رجاء قولوا شكرا وعفوا

‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬ربيب‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬وكنت‭ ‬عميلا‭ ‬بريطانيا‭ ‬بحكم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬ثم‭ ‬عميلا‭ ‬أمريكيا‭ ‬عندما‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬أرامكو‭ ‬النفطية‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬سعودتها‮»‬‭ ‬بالكامل،‭ ‬أي‭ ‬إبان‭ ‬كانت‭ ‬إدارتها‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬بأيدي‭ ‬الأمريكان،‭ ‬فقد‭ ‬صرت‭ ‬شغوفا‭ ‬بمطالعة‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬الرصينة،‭ ‬ومجلتي‭ ‬تايم‭ ‬ونيوزويك‭ ‬الأمريكيتين،‭ ‬وكنت‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬مطالعة‭ ‬ملحق‭ ‬أسبوعي‭ ‬يصدر‭ ‬كل‭ ‬سبت‭ ‬عن‭ ‬جريدة‭ ‬تايمز‭ ‬اللندنية‭ ‬بعنوان‭ ‬بودي‭ ‬آند‭ ‬سول‭ (‬الجسم‭ ‬والروح‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬محتوياته‭ ‬ممتعة،‭ ‬لأنها‭ ‬تتناول‭ ‬شتى‭ ‬جوانب‭ ‬وأمور‭ ‬الحياة،‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬وتعليم‭ ‬وعلاقات‭ ‬إنسانية‭ ‬واجتماعية‭ (‬ولا‭ ‬تحسب‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬كلمة‭ ‬الروح‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الصحيفة‭ ‬معنية‭ ‬بالروحانيات‭ ‬وتبشر‭ ‬بتعاليم‭ ‬المسيحية،‭ ‬ويذكرني‭ ‬هذا‭ ‬بأمر‭ ‬تسمية‭ ‬البعض‭ ‬للخمور‭ ‬بالمشروبات‭ ‬الروحية،‭ ‬وهذه‭ ‬ترجمة‭ ‬غبية‭ ‬لكلمة‭ ‬سبيريت‭ ‬spirit‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الكحول‭ ‬والروح‭). ‬ما‭ ‬علينا‭: ‬اقترح‭ ‬ذلك‭ ‬محررو‭ ‬ذلك‭ ‬الملحق‭ ‬على‭ ‬تلاميذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬مدرسة‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بأفكار‭ ‬تجعل‭ ‬الناس‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة،‭ ‬و«فازت‮»‬‭ ‬30‭ ‬فكرة‭ ‬جاء‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬عيال‭ ‬دون‭ ‬العاشرة‭. ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬طفلة‭ ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬سيصبح‭ ‬أكثر‭ ‬بهجة‭ ‬وسعادة‭ ‬لو‭ ‬استخدم‭ ‬الناس‭ ‬عبارات‭ ‬التهذيب‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بليز‭/ ‬ثانك‭ ‬يو،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬فضلك‭ / ‬شكرا‮»‬‭ ‬في‭ ‬تعاملهم‭ ‬اليومي،‭ ‬وفي‭ ‬بريطانيا‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬‮«‬يذبحك‮»‬‭ ‬سوى‭ ‬سماع‭ ‬بليز‭ ‬وثانك‭ ‬يو،‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬ربما‭ ‬لاحظت‭ ‬تلك‭ ‬الطفلة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستخدمونها‭ ‬عند‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬عنوان‭ ‬هذه‭ ‬البنت‭ ‬الذكية‭ ‬الراقية‭ ‬المهذبة‭ ‬الخلوقة‭ ‬لأقنعت‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بمنحها‭ ‬عقد‭ ‬خبير‭ ‬أجنبي‭ ‬لتطوف‭ ‬بدول‭ ‬‮«‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭/ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬الماء‮»‬،‭ ‬لتغرس‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬شكرا‮»‬‭... ‬بلاش‭ ‬شكرا‭.. ‬نخليها‭ ‬‮«‬من‭ ‬فضلك‭/‬لو‭ ‬سمحت‭/‬بعد‭ ‬إذنك‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬نشكر‭ ‬أشخاصا‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬قول،‭ ‬فوق‭ ‬طاقتنا‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬ونحن‭ ‬ورانا‭ ‬هموم‭ ‬ومشاغل‭ ‬وقضايا‭ ‬مصيرية‭ ‬وثوابت‭ (‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬تسمى‭ ‬أوضاع‭ ‬مخلخلة‭ ‬وأشياء‭ ‬مهزوزة‭ ‬في‭ ‬وجداننا‭ ‬وعقولنا‭ ‬بالثوابت‭!).. ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬تدخل‭ ‬على‭ ‬المدير‭ ‬لتقدم‭ ‬له‭ ‬تقريرا‭ ‬أعددته‭ ‬نيابة‭ ‬عنه‭ ‬واستغرق‭ ‬منك‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬ليطرحه‭ ‬باسمه‭ ‬في‭ ‬محفل‭ ‬كبير‭ ‬فيقول‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬فمه‭: ‬حطه‭ ‬هناك‭. ‬يا‭ ‬صاحب‭ ‬السعادة،‭ ‬ستنال‭ ‬التصفيق،‭ ‬وبدل‭ ‬المهمة‭ ‬الرسمية‭ ‬بالآلاف،‭ ‬وتظهر‭ ‬صورتك‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬وشاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬مصحوبة‭ ‬بمقتطفات‭ ‬من‭ ‬كلامي‭ ‬المنسوب‭ ‬زورا‭ ‬إليك،‭ ‬وتستكثر‭ ‬عليَّ‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شكرا»؟

سأروي‭ ‬لكم‭ ‬قصة‭ ‬شهدت‭ ‬وقائعها‭ ‬وأنا‭ ‬أقود‭ ‬سيارتي‭ ‬ليلا‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬فرعي‭: ‬ارتكبت‭ ‬سيدة‭ ‬تقود‭ ‬سيارة‭ ‬حادثا‭ ‬بسيطا،‭ ‬وأوقفت‭ ‬سيارتي‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الحادث،‭ ‬كي‭ ‬أعطيها‭ ‬بعض‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمان،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتصلت‭ ‬بشرطة‭ ‬المرور‭ ‬لتأتي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة،‭ ‬وكان‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الحادث‭ ‬شابا،‭ ‬بدت‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬القلق‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬سيئة‭ ‬ترتعد‭ ‬وتبكي،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬تحركت‭ ‬صوب‭ ‬السيدة‭ ‬المرعوبة‭ ‬عندما‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تجري‭ ‬اتصالا‭ ‬هاتفيا‭ ‬وتبلغ‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬الحادث‭ ‬فاستنتجت‭ ‬أنه‭ ‬زوجها،‭ ‬فعدت‭ ‬إلى‭ ‬سيارتي‭ ‬أرقب‭ ‬الموقف،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الأثناء‭ ‬وقفت‭ ‬سيارة‭ ‬يقودها‭ ‬رجل‭ ‬ومعه‭ ‬زوجته‭ ‬وعياله،‭ ‬ونزل‭ ‬الرجل‭ ‬واقترح‭ ‬على‭ ‬السيدة‭ ‬المرعوبة‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬سيارته‭ ‬قرب‭ ‬زوجته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬زوجها،‭ ‬وبعد‭ ‬تردد‭ ‬قبلت‭ ‬السيدة‭ ‬الاقتراح،‭ ‬وأثناء‭ ‬توجهها‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬السيارة‭ ‬وصل‭ ‬السيد‭ ‬البعل‭ ‬الفحل‭. ‬وخلال‭ ‬ثوان‭ ‬تطاير‭ ‬إلى‭ ‬الآذان‭ ‬كلام‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬كيف‭ ‬أصلا‭ ‬تقترح‭ ‬على‭ ‬زوجتي‭ ‬تركب‭ ‬في‭ ‬سيارة‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬‮«‬مستواك‮»‬‭. ‬نزلت‭ ‬زوجة‭ ‬الرجل‭ ‬الشهم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السيارة‭ ‬وهي‭ ‬قطعا‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬نكران‭ ‬البعل‭ ‬الفحل‭ ‬لمروءة‭ ‬رجل‭ ‬أراد‭ ‬لزوجته‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعيدا‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الحادث‭ ‬حتى‭ ‬يهدأ‭ ‬روعها،‭ ‬وكي‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬‮«‬فرجة‮»‬‭ ‬للمارة‭. ‬وقالت‭ ‬للزوج‭ ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬إن‭ ‬الرجل‭ ‬دعاها‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬سيارته،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬متوترة،‭ ‬ولكن‭ ‬الليث‭ ‬الهزبر‭ ‬زجرها‭: ‬مش‭ ‬شغلك‭.. ‬وما‭ ‬تكوني‭ ‬حشرية‭.. ‬سألت‭ ‬الرجل‭ ‬الشهم‭ ‬لاحقا‭: ‬هل‭ ‬صاحبنا‭ ‬يعرفك‭ ‬ولا‭ ‬يحبك‭ ‬لسبب‭ ‬ما؟‭ ‬فقال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يلتق‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬ولا‭ ‬يتمنى‭ ‬لقاءه‭ ‬أبدا‭! ‬كان‭ ‬عزاؤه‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شهد‭ ‬جلافة‭ ‬ذلك‭ ‬البعل‭ ‬البغل‭ ‬أثنى‭ ‬على‭ ‬شهامته‭ ‬ونبله‭ ‬هو‭ ‬وزوجته،‭ ‬الذي‭ ‬أسماه‭ ‬ذلك‭ ‬الحشرة‭ ‬‮«‬حشرية‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا