يقول السياسي الأمريكي الشهير سولومون أورتيز: «التعليم هو مفتاح النجاح في الحياة.. والمعلمون لهم تأثير أبدي في حياة طلابهم»!
هذا ما أدركته هذه المرأة بالفعل منذ طفولتها، فقد كان حلمها منذ الصغر أن تكون أحد المؤدين لرسالة المعلم السامية، التي لم تجد نفسها إلا من خلالها، ولكنها أرادت أن يكون لها بصمتها الخاصة التي يمكن أن تترك هذا التأثير الأبدي في حياة طلابها، وفي حقل التربية والتعليم بالمملكة.
التربوية، سيدة الأعمال، آمنة حسن السليطي، ليست مجرد معلمة تمتد خبرتها إلى أكثر من عشرين عاما، بل هي علامة مميزة في هذا المجال، تركتها من خلال أداء متميز ومبهر ينطلق من القناعة بأن النتيجة النهائية للتعلم الحقيقي هي بناء الشخصية وإحداث تغيير إيجابي في حياة الآخرين.
بعد أداء رسالتها التربوية التعليمية لدى القطاع الحكومي على أكمل وجه، ونيلها جائزة أفضل مدرسة في الملتقى الحكومي، قررت التقاعد للتفرغ لمشروعها الخاص، الذي حققت من خلاله الكثير من الأحلام والطموحات للجيل الجديد من الأطفال، والذي يعد من المشاريع القلائل التي تعتمد على فلسفة (ريجيو إميليا) الإيطالية.
المشوار كان مليئا بالكفاحات والنجاحات والإنجازات والتحديات.. لذلك استحق التوقف عند أهم محطاته في السطور التالية:
متى بدأ حلم رسالة التعليم؟
- حلم تأديتي لرسالة المعلم بدأ معي منذ طفولتي، حيث كنت عاشقة للغة الإنجليزية، وكان أبي رحمه الله وراء تعزيز ونمو هذا الشغف بداخلي، فقد اعتاد أن يلقبني بالمعلمة آمنة، وهو يتقن تلك اللغة نظرا إلى عمله في شركة بابكو، وكان يتحدث لي بها، ويشجعني على تعلمها عبر متابعة قناة 55 البحرينية، بهدف التمكن منها، وشاء القدر أن يتوفاه الله خلال تأديتي للامتحانات النهائية لشهادة الثانوية العامة، الأمر الذي مثل لي حافزا قويا للنجاح والتفوق من أجل تحقيق حلمه بأن أصبح معلمة للغة الإنجليزية في المستقبل، وبالفعل حصلت على بعثة لدراسة هذا التخصص في جامعة البحرين، هذا فضلا عن دور والدتي في تشجيعي على مواصلة مشواري التعليمي وعلى تقلدي أعلى المناصب.
حدثينا عن هذا الدور؟
- لقد عاهدت والدتي نفسها على أن يواصل أبناؤها الخمسة مشوارهم العلمي، وحصولهم على شهادة جامعية تؤهلهم لاحتلال مناصب مرموقة، وهذا ما حدث معي بالفعل، ورغم زواجي المبكر في بداية المرحلة الجامعية، إلا أن ذلك لم يعطلني نهائيا، بل كان وراء نجاحي بسبب دعم زوجي المتواصل واللامحدود لي عبر مشواري، ووقوفه إلى جانبي في كل خطوة خطوتها، حتى أنه عوضني غياب أبي رحمه الله الذي كان لي الظهر والسند دائما، كما أنه سعى إلى حصولي على فرصة عمل بعد التخرج، وتوظفت لدى إحدى المدارس، ومع الوقت اكتشفت الإدارة المدرسية أنني أتمتع بموهبة القيادة، فرشحتني المديرة لأن أصبح ضمن الطاقم الإداري، وتم تعييني مديرا مساعدا، وكان من حسن حظي أن يتم تعييني في مدرسة بدر الكبرى التي عرف عنها أنها بيئة يغمرها تحديات كبيرة.
وما تلك التحديات؟
- لقد جاءت خطوة تعييني مديرا مساعدا في مدرسة بدر الكبرى تزامنا مع اندلاع الأحداث السياسية في البحرين، وكانت نسبة كبيرة من طلابها يعانون من التفكك الأسري، كما أن الأجواء الإدارية بها كانت غير صحية في تلك الفترة، الأمر الذي صعب علي مهمتي ووضع أمامي تحديا اجتماعيا وأكاديميا في الوقت نفسه، حيث بات المطلوب مني إعادة الثقة في الإدارة وسط بيئة مشحونة بالعنصرية.
وكيف تم بناء الثقة بينك وبين فريق عملك؟
- بناء الثقة بيني وبين فريق عملي حتَّم علي احتضان الجميع، وتوحيد الصفوف، وبالفعل نجحت في ذلك، وعملنا جميعا كفريق واحد، وكنت أتذكر دائما مقولة أبي لي دوما «يسري المتيسر وقدمي الطيب تجدي مردودا طيبا»، وطبقت ذلك على أرض الواقع، حتى بنيت بيني وبين فريقي جسرا من الثقة والاحترام والتقدير، وكان ذلك إنجازا كبيرا بالنسبة إليّ.
المحطة التالية؟
- بعد تجربة مدرسة بدر الكبرى الممتعة والناجحة بامتياز، اكتشفت في نفسي ملكة القيادة، وأدركت أنني قيادية بالدرجة الأولى أكثر من كوني معلمة، فشاركت في مسابقة المدير، وتم قبولي وتعييني مديرة في مدرسة العروبة، التي أعتبرها محطة الازدهار بالنسبة إليّ، فقد كانت بيئة خصبة تضم ثقافات مختلفة ومعلمات مميزات، وقد عملنا جميعا على تطوير وتسويق المدرسة بصورة احترافية، وشاركنا في كل المسابقات الوطنية والخليجية، ونلنا الكثير من الجوائز، وساهمنا في مشاريع وإنجازات متنوعة، وحصلت على درجة امتياز من هيئة الجودة والتدريب، وبعد أربع سنوات وانضمامي إلى فريق من المديرين التنفيذيين على مستوى الوزارة كأول فريق من نوعه لدعم ومساندة المدارس الأخرى، تم تكريمي وكانت نقلة مهمة وحقيقية في مشواري.
متى جاء قرار التقاعد؟
- لقد تم تكريمي في الملتقى الحكومي وحصلت على جائزة أفضل مدرسة، وكان آخر ملتقى في عهد الأمير الراحل خليفة بن سلمان رحمه الله، وكانت مدرسة العروبة هي الوحيدة التي تم تكريمها في الجانب التعليمي في هذا الملتقى، وبعد هذا الإنجاز المهم قررت التقاعد للتفرغ لمشروعي الخاص، وهو عبارة عن امتلاك روضة للأطفال أؤدي من خلالها رسالة سامية للجيل الجديد، الذي أراه عماد المستقبل، وكنت من أوائل الذين قدموا للتقاعد الاختياري عام 2020، حيث عزمت على إنجاز شيء لي شخصيا، وأصبح من خلاله رئيسة وحرة نفسي، وأن أترك صورة وعلامة وانطباعا في مجالي، وهذا ما خططت له على المدى البعيد.
بماذا يتميز مشروعك؟
يعد مشروع الروضة من المشاريع القلائل التي تعتمد على فلسفة رجيو اميليا الإيطالية، وقد حاولت من خلاله استثمار تاريخي المهني التعليمي، واستخدام مخزون خبراتي على 18 عاما في الوزارة، وحدث ذلك تزامنا مع اندلاع جائحة كورونا، وكان تحديا كبيرا.
كيف واجهت هذا التحدي؟
- حين تم افتتاح الروضة كانت تضم حوالي 11 طفلا، وكانت عبارة عن مبنى متكامل وشامل لكل الخدمات المطلوبة وعلى أرقى مستوى، وبعد عدة أشهر وصل عدد الأطفال إلى 85 طفلا، تتراوح أعمارهم ما بين 3-6 سنوات، ورغم غلق بعض الروضات وخروجها من السوق اضطرارا، إلا أنني تحملت خسائر كبيرة، وصمدت وواصلت، حتى بعد انسحاب نص عدد الأطفال، حيث نقلنا عملنا عبر الإنترنت فترة، ثم عدنا وافتتحنا الروضة في العام التالي، وقد كان للسمعة الطيبة التي كونتها أبلغ الأثر في نجاح مشروعي.
ما أهم احتياجات الطفل اليوم؟
-أهم شيء يحتاج إليه الطفل اليوم هو توفير الأمن والأمان، فهذا ما يبحث عنه أي ولي أمر، ثم بناء الشخصية، ويعتمد نهجنا على فلسفة «ريجيو ايميليا الإيطالية» والتي تقوم على معاملة أي طفل كحالة خاصة بذاتها، وذلك بناء على ما يتمتع به من مهارات، ومن ثم بناء خطة لتعليمه، إلى جانب الاعتماد على التعلم باللعب وعلى استخدام البيئة والمحيط والتحرك والاكتشاف الملموس للأشياء، فالطفل اليوم بحاجة إلى التنوع، والحركة خارج الصف ومحاكاة ميوله، ومواكبة التكنولوجيا الجديدة، وكذلك استخدام الشاشات الذكية بشكل إيجابي، والمهم أن يعود الطفل إلى الروضة وعلى وجهه ابتسامة.
ماذا عن دور أولياء الأمور؟
- مطلوب من أولياء الأمور وخاصة في العصر الذي نعيشه اليوم توفير الرقابة المستمرة فيما يتعلق باستخدام وسائل التكنولوجيا الممنوحة للطفل، وثانيا الوجود الإيجابي مع الأبناء، وتعليمهم الاعتماد على النفس، والاستقلالية، وعدم الاتكالية.
إنجاز تفخرين به؟
- شخصيا لي الشرف بانضمام بعض الأطفال لروضتي بشكل تطوعي، ومنهم من يعاني من التعنيف أو التفكك الأسري أو التحرش وغيرها من المشاكل التي تؤثر سلبيا فيه وعلى مستقبله، الأمر الذي يسعدني ويشعرني بالفخر والمتعة والراحة، فقد علمتني الحياة أن المادة لا تسوى شيء أمام ما يمكن أن يتركه المرء من بصمة في حياة إنسان آخر، وإحداث تغيير إيجابي في مسيرته.
حلمك القادم؟
لقد حققت الكثير من الأحلام والطموحات ولله الحمد، وأجد نفسي إنسانة محظوظة بشدة لتمكني من ذلك بالجهد والاجتهاد والمثابرة، وكل ما أتمناه اليوم هو أن أتفرغ مستقبلا لخدمة مشروع إنساني لصالح الأطفال داخل البحرين أو خارجها، أستطيع من خلاله أن أسهم في صناعة أناس أسوياء عند الكبر، يصبح لهم دور أساسي في بناء وتطوير وطنهم، وتلك هي الرسالة التي أحلم بتأديتها لاحقا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك