تقول الكاتبة أحلام مستغانمي: «كما تدين تدان.. وسيأتي اليوم الذي يدان لك جميلك»!
نعم.. افعل الخير سيعود إليك يوما ما، ولعل أجمل ما في هذه الحياة هو أن تقدم ذلك من دون شرط أو مقابل، ومن هنا تأتي أهمية العمل التطوعي الذي يعد قيمة كبيرة في أي مجتمع إنساني!
تلك هي قناعة الناشطة الاجتماعية دلال علي أمين، أحد مؤسسي أول جمعية إغاثية شبابية في البحرين، التي تؤكد جمال أن تعطي من يسألك ما هو بحاجة إليه، وأن الأسمى من ذلك أن تعطي من لا يسألك وتعرف حاجته، لإشعاره بالبهجة، فهذا هو المغزى من العمل التطوعي، الذي يمثل هو والسعادة وجهين لعملة واحدة.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة لعلم النفس التطوري وجود شيء من الخير الفطري لدى جميع البشر، وأنه لا شيء يخفف من مصائبنا وآلامنا كالخير الذي نفعله، وهذا ما حدث بالفعل مع هذه المرأة البطلة التي ترى في التطوع تجربة مثيرة ترتقي بصاحبها إلى آفاق واسعة، وبأنه تجارة مع الله سبحانه وتعالى وليس مع البشر، فهكذا نشأت بالفطرة وتعلمت من تجاربها ومن والديها، الأمر الذي أسهم كثيرا في التخفيف من هموم الحياة وصدماتها عبر مسيرتها.
حول هذه التجربة الإنسانية بامتياز كان الحوار التالي:
متى أدركت معنى العمل التطوعي؟
منذ طفولتي أجد متعة شديدة في قيامي بأي عمل تطوعي، وقد كان لوالدي الفضل الكبير في ذلك، فقد اعتادا أن يقصا عليّ قصصا متنوعة عن الإيثار ومبادرة الخير، الأمر الذي زرع بداخلي أهمية وقيمة العمل الإنساني والخيري، وأذكر أن والدتي كانت تصطحبني مع أطفال الفريج البسطاء كي يختاروا ملابس جديدة بأنفسهم وبحسب ذوقهم، وذلك في المناسبات المختلفة، ومن ثم تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ الإنسانية.
مبادئ مثل ماذا؟
مازلت حتى اليوم أتذكر ما كنت أراه على وجوه الأطفال من مشاعر البهجة والسرور أثناء قيامهم باختيار ملابسهم بأنفسهم بصحبتي أنا ووالدتي، وكان ذلك يشعرني بسعادة فائقة، ومن مثل هذه السلوكيات الإنسانية التي دأبت أمي على ممارستها تشكل وجداني، وتعلمت معنى العطاء والإحسان بكرامة، وللأسف الشديد توفيت والدتي في مرحلة الثانوية العامة، ورغم أنها كانت من محاربي مرض السرطان، فإنه لم يسيطر عليها اليأس مطلقا وكان تغلب عليها دوما مشاعر الأمل والتفاؤل ولآخر لحظة في عمرها، وهذا هو الدرس الآخر الذي علمتني إياه، وعقب وفاتها افتقدها كثير من الناس نظرا إلى سعيها الدائم لفعل الخير ولمساعدة الآخرين، وكانت وفاتها سببا في ارتباطي بوالدي بشدة والذي أسهم في تشكيل شخصيتي بدرجة كبيرة.
كيف صقل والدك شخصيتك؟
لقد لعب والدي دورا كبيرا في صقل شخصيتي، فهو رجل عصامي بنى نفسه بنفسه، وتعلمت منه معنى الكفاح والصبر، وكيفية مواجهة تجارب الحياة المؤلمة وتجاوزها بسلام، وأهمية النهوض بعد أي سقوط، وكان مستشارا لي في كل شيء يخص حياتي وعند كل خطوة اتخذها، وكنت أجد سعادة كبيرة حين يعرب لي عن فخره بي، الأمر الذي كان يدفعني إلى السعي لتحقيق أي إنجاز أو هدف، ورغم أنني كنت من المتفوقات في دراستي فإنني انقطعت عنها لظروف خاصة.
لماذا توقفت عن دراستك؟
توقفي عن إكمال مشواري العلمي كان لظروف عائلية، حيث ضحيت بتحقيق طموحي الدراسي من أجل أسرتي ورعاية أبنائي مدة ثماني سنوات، ولكني بعد هذه الفترة الطويلة قررت العودة لاستئناف الدراسة وبكل قوة وإصرار، وكنت قد مارست نشاطي التطوعي أثناء وجودي في الخارج مع أسرتي عدة سنوات، حيث عملت كمعلمة للغة العربية في المدرسة العربية في لندن للطلبة المغتربين، وكانت تجربة ممتعة للغاية.
أصعب محنة؟
لقد مررت بأزمات وتجارب مؤلمة عديدة، كان من الممكن أن تكسرني لكنني لم أسمح لها بذلك، نظرا إلى شخصيتي القوية التي ترفض الاستسلام، ومن تلك التجارب تعرضي لأزمة صحية صعبة، قادتني إلى إجراء جراحة خطيرة في ألمانيا، والتي مثلت بالنسبة إلي مسألة حياة أو موت، ومع ذلك اجتزت هذه المحنة بسلام.
كيف تم تجاوزها؟
تجاوزت تلك المحنة التي استمرت سنوات بتوكلي على الله سبحانه وتعالى، وتذكري وترديدي الدائم لقول الله سبحانه وتعالي (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) وبالفعل خرجت منها أقوى من ذي قبل، وساعدني على ذلك أيضا وضعي تجربة والدتي مع مرض السرطان نصب عيناي، حيث اتخذتها قدوة في التمتع بالقوة والصبر، فقد كانت مثالا يحتذى به في التحمل والمثابرة.
وماذا عن طموح إكمال الدراسة؟
ظل هاجس الدراسة يراودني بشدة طوال فترة الانقطاع عنها، وكان من ضمن أهدافي لاستكمال مسيرتي العلمية أن أصبح قدوة لأبنائي الثلاثة، لذلك قررت العودة لاستئناف مشواري العلمي بعد ثماني سنوات من التوقف، وكان والدي يدعمني ويشجعني بشدة للمواصلة، وبالفعل التحقت بإحدى الجامعات الخاصة، ودرست تخصص إدارة نظم المعلومات، وكنت من المتفوقات، وبعدها عملت بوظيفة بالقطاع المصرفي وتدرجت مهنيا عبر 16 عاما، ووصلت إلى منصبي الحالي.
وعن الهدف من تأسيس جمعية الإغاثة الشبابية؟
تأسيس جمعية الإغاثة الشبابية كانت فكرة رئيسها، وقد تعاوننا سويا لإطلاقها كأول جمعية من نوعها، وذلك لحبي الشديد للعمل التطوعي، وكان هدفنا تقديم الإغاثة لمحتاجيها داخل البحرين وخارجها، وبالفعل نظمنا عدة رحلات إنسانية أهمها وأكثرها تأثيرا كانت رحلة الإغاثة إلى تركيا بعد تعرضها للزلزال، حيث سافرت ضمن وفد نسائي إلى هناك، وحاولنا ابتكار مشاريع تنموية تعليمية خيرية موجهة للأطفال، منها على سبيل المثال مشروع مرسم بعنوان «هذه يدي تصنع غدي»، وقد زرنا ثلاث مناطق وأرسل أطفال البحرين رسائل إلى نظرائهم هناك والعكس صحيح، وتركت هذه التجربة بداخلي أثرا نفسيا كبيرا.
حدثينا عن ذلك الأثر؟
هذه الرحلة أو التجربة تركت أثرا كبيرا بداخلي، وخاصة حين رأيت بأم عيني الكثير من المآسي وقصص الكفاح التي عاشتها نساء عظيمات هناك وكيف بدأ بعضهن من الصفر وحققن طموحاتهن ثم جاء الزلزال وحطم جهود وتعب السنين، وهنا تعلمت النهوض والولادة الجديدة في الحياة بعد السقوط، وأدركت قيمة النعم التي نتمتع بها في بلادنا، وكان لنا كذلك مشروع مع جمعية كويتية بعنوان «مفتاح العودة الفلسطيني» لدعم الشعب الفلسطيني، إلى جانب تعاوننا مع المؤسسة الملكية البحرينية، هذا فضلا عن تجربة أخرى صعبة مرت بي.
ما هي تلك التجربة؟
تجربة زيارتي لشمال ماليزيا لدعم المسلمين من الروهينجا كانت من أهم وأصعب التجارب أيضا، حيث شاهدنا بأنفسنا كيف يعيشون في منطقة معدمة تماما يعانون فيها من الفقر والحرمان من كل شيء، وقد أصبحت واحدة منهم، وعشت معهم، وذقت آلامهم ومعاناتهم من غياب أبسط أساسيات الحياة، وأذكر أنني حين عدت إلى منزلي في البحرين وضعت قُبلة على باب الحمام الخاص بي حمدا وشكرا لما أملكه.
مبدئك في الحياة؟
مبدئي في الحياة «تعلم أن تنضج في غياب الشمس»، بمعني أنه قد يفتقد المرء أشياء كثيرة أثناء مشواره أو قد يحرم من دفء الشمس في بعض المحطات ومع ذلك يجب أن يواصل ويكمل المسيرة ويحقق الوصول والنضوج تحت أي ظروف.
حكمة تسيرين عليها؟
الحكمة التي أسير عليها عبر مشواري هي (كما تدين تدان)، لذلك أدعو كل إنسان إلى أن يشارك في أي عمل تطوعي لدى جهة رسمية موثقة وأن يبادر ويعطي ويساعد غيره، لأن كل ذلك سيعود إليه، فليس هناك أجمل من الشعور بإدخال السعادة أو البهجة على نفوس الآخرين، وهي تجارة مع الله علما بأن جميعنا سنسأل عن أفعالنا لنصرة إخواننا المحتاجين للمساعدة من أي نوع، وهذا ما غرسته في نفوس أبنائي إلى جانب التزام الصدق والتواضع والحرص على تحقيق محبة الناس.
كيف ترين الجيل الجديد؟
قد يحتاج البعض من الجيل إلى خفض سقف توقعاته بعض الشيء وخاصة تلك التي غالبا ما تكون أكبر من الواقع، هذا إلى جانب ضرورة توعيتهم بمفهوم الأسرة، ويا حبذا لو تم إدخال ذلك ضمن المناهج الدراسية، فالبعض منهم للأسف الشديد يحمل مفهوما سطحيا عن الزواج، وهنا أنصح كل فتاة مقدمة على الارتباط أن تبحث أولا عن أب لأبنائها قبل أن يكون زوجا لها، وخاصة في زمن الغزو الفكري الذي يشكل اليوم خطرا كبيرا على أبنائنا.
حلمك القادم؟
أتمنى امتلاك مشروع دار إيواء للأيتام، وأن أحقق لهم كل احتياجاتهم وأحلامهم من خلاله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك