يقول الكاتب وخبير التنمية البشرية الأمريكي الشهير زيغ زيغلر: «عندما تدرك إمكانياتك الحقيقية سيولد لديك الشغف للقيام بكل أهدافك»!
نعم، هي أدركت إمكانياتها منذ نعومة أظافرها، فكان الورقة والقلم هما عشقها الأول، وسجلت بهما قصاصاتها، ورغم زحمة الحياة والمسؤوليات والانشغال سنوات طوال إلا أنها قررت وبعد 26 عاما من الوظيفة العودة إلى شغفها، والإبداع من خلاله، فأصدرت باكورة مؤلفاتها بعنوان: «خاطرة عابرة»، والذي أحدث صدى واسعا وحقق نوعا من الإبهار.
الأديبة هبه سلمان بوجليع، حاصلة على شهادة الزمالة من المعهد الملكي البريطاني في مجال التأمين والذي قضت به سنوات طوال، إلى أن تقاعدت لتبدأ حياة جديدة، ولتلمع في سماء الإبداع، وهذا ما تحقق بالفعل من خلال كتابها الذي سجلت فيه عديدا من الخواطر التي عبرت بها عن تجربتها الإنسانية المليئة بالآلام والدروس لتصبح مصدرا غنيا لإلهام الآخرين.
هي بصدد تأليف كتابها الثاني الذي سيضم عددا من القصص القصيرة، أما حلمها الكبير فهو إنشاء أول مركز من نوعه للتنفيس عن الغضب، والذي تراه يمثل حاجة فعلية للكثيرين في ظل العصر الصعب الذي نعيشه اليوم.
«أخبار الخليج» حاورتها عن رحلة الآلام والأحلام والخواطر وذلك في السطور التالية:
متى بدأ يراودك حلم الأديبة؟
- لقد بدأ حلم الأديبة يراودني في سن مبكرة للغاية، فقد كان الورقة والقلم عشقي الأول، وأذكر أنني منذ أن كنت طفلة صغيرة حين كانت المعلمة تسألني عن تطلعاتي نحو المستقبل وكيف أرى نفسي حين أكبر كانت إجابتي العفوية هي أن أتخصص في كتابة أخبار الناس، وظل حلم الكتابة يلازمني سنوات طوال، وكرس من ذلك الشعور بداخلي حبي الشديد للقراءة، حتى إنني التحقت بالمدرسة وأنا أعلم جيدا كيف أقرأ وأكتب، وكنت أسجل أفكاري وخواطري في قصاصات.
أول محطة عملية؟
- لقد قررت دراسة مجال التأمين بلندن عن طريق الانتساب، وبالفعل حصلت على شهادة الزمالة من المعهد الملكي البريطاني في التأمين، وعملت في هذا القطاع من عام 1995 وحتى 2021، ثم تقاعدت بعد أن حصلت على خبرة واسعة في المجال، وفي إدارة المخاطر، وانفتحت على كثير من الثقافات والأنماط المختلفة، وتقلدت منصب مديرة قسم تأمين السيارات مدة عشرين عاما في شركة بريطانية خاصة، ولم أتوقف خلال هذه السنوات عن كتابة الخواطر بشكل شبه يومي.
ماذا عن حياتك الأسرية؟
- لقد جاء قرار الزواج مبكرا، وتعلمت من هذه التجربة تحمل المسؤولية في سن صغيرة، ورغم نجاح حياتي الزوجية إلا أنني أرى أن سلاح الفتاة اليوم هو التعلم أولا ومن ثم تأمين مستقبلها، ثم بعد ذلك تفكر في الزواج، وكم أنا فخورة بأبنائي الخمسة الذين زرعت في أنفسهم تقوى الله، وهي التي تصنع رقابة ذاتية بداخلهم تمثل درعا منيعا لهم في مواجهة أية مشاكل أو تحديات مثلما واجهتها شخصيا عبر مسيرتي.
وما أهم التحديات التي واجهتك؟
- من أهم التحديات التي تعرضت لها على الصعيد الشخصي هي صدمتي في أناس مقربين لي، والتي مثلت بالنسبة إلي لطمة قوية غيرت من أسلوب تعاملي مع من حولي، حيث تعلمت من ذلك كيف أدرب نفسي على النهوض مرة أخرى في كل مرة أطيح فيها، وأن أضع حدودا بيني وبين الناس، كما قمت بعملية فلترة لعلاقاتي، الأمر الذي سبب لي راحة كبيرة في حياتي، فأن يتعلم المرء أن يقول لا في الوقت المناسب هذا شيء إيجابي للغاية ينعكس على حياته وصحته النفسية.
هل أثرت وسائل التواصل سلبا في العلاقات الإنسانية؟
- نعم، لقد أثرت وسائل التواصل في العلاقات بين الناس بشكل كبير، بل وأفقدتنا جزءا من إنسانيتنا، وأصبح التواصل الإلكتروني يغلب عليه مسحة من الجفاف والجمود في المشاعر، لذلك أنا ضد هذه الوسائل في التعبير عن أحاسيسنا بشكل عام، وأفضل التواصل المباشر الذي يترجمها بشكل واقعي وحقيقي.
متى جاءت فكرة الكتاب؟
- لقد فكرت في تأليف أول كتاب لي عام 2019، بعد أن قررت الرجوع إلى شغفي، وقد استغرق إعداده حوالي ست سنوات أي منذ عام 2016، وهو يضم خواطر 116 خاطرة، وكل خاطرة أوجه رسالة من خلالها لنفسي أو إلى الآخر، وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات التي مررت بها، حيث فقدت خلالها أناسا مقربين إلى قلبي بشدة، ومنهم خالي الذي كان يمثل جزءا كبيرا من حياتي بل بمثابة والدي الثاني، لذلك كتبت أول خاطرة في الكتاب عنه، ثم فقدت صديقتي المقربة لي بالموت المفاجئ أيضا الأمر الذي أحدث شرخا كبيرا بداخلي.
هل تعد المحن مصدر إلهام لأي كاتب؟
- من المؤكد أن التجارب الصعبة تكون مصدر إلهام لصاحبها إذا كان كاتبا، ولعل تكرار هذه المحن في حياتي خلال فترة محددة كان وراء كتابة وتسجيل تلك الخواطر، والتي كان يغلب عليها الحزن والمعاناة، هذا إلى جانب استلهامي من تجربة والدتي في كتابة مذكراتها في الخفاء والتي اطلعت عليها واستمتعت بما فيها من جمال في المعنى وأسلوب التعبير، وهناك نقطة مهمة أود تأكيدها وهي أن الأزمات تكشف لنا معادن الناس.
هل واجهت أي صدمات في علاقاتك بالآخرين؟
-نعم، وكثيرا، ومع ذلك يبقى الجرح بسبب الصدمة في أي علاقة وسام شرف وميلاد جديد ومحرك يمنحني دفعة إلى الأمام، فالإنسان خلق بمعجزة وفي أحسن صورة وتقويم، لذلك عليه أن يتحلى بالقوة والإرادة لعبور أي محنة، هكذا علمتني الحياة، ألا أتوقف عند أي فشل، بل أعتبره أول خطوة للنجاح، وقد اضطرتني تجاربي أن أعيد تقييم علاقاتي مع من حولي، وأن أتعلم من أخطائي السابقة، وأن أضع أهدافا وخطوات متدرجة للوصول إلى الأهداف الكبرى وهذا ما ترجمته من خلال خواطري.
أهم خاطرة؟
- أهم خاطرة وأقربها إلى قلبي تلك التي قلت فيها: «كل اللي مريت فيه وكل الألم اللي عشته خلى حياتي أجمل.. إشلون لا تستغرب.. أهو في يدك أنت إذا اخترت إنك تتعلم الحكمة من الألم.. وتستخلص الدرس من الموقف.. بكون حياتك أجمل.. لأن كل شرخ وكل جرح بيكون بمثابة وسام شرف وشهادة نجاح لك.. أما إذا اخترت أنك تستسلم وتعيش بيأس.. أكيد بتكون حياتك بشعة.. تعلم إنك اتكون دائما شخصا أفضل.. تعلم إنك في كل مرة تتألم تتولد من جديد».
رسالة الكتاب؟
- الكتاب يقول لقارئه إن الحياة مشاركة، ولذتها في العطاء، وكلنا نمر بتجارب مشتركة، والخواطر معظمها دروس من الحياة، تترك أثرا طيبا في نفوس الآخرين، وقد سعدت كثيرا برد الفعل تجاه كتابي، حتى إنني بكيت من التأثر ببعض الآراء التي أثلجت صدري، بخاصة تلك التي صدرت عن أشخاص لا تربطني بهم علاقة مقربة، ومن ثم كانت وجهة نظرهم تتسم بالموضوعية والحيادية، وكل ما أتمناه هو أن تلقى الأديبات الدعم المادي المطلوب لمنحهن الفرصة للإبداع والمواصلة، إلى جانب الدعم المعنوي اللاتي يحصلن عليه من جهات كثيرة موجودة بالفعل.
متى تفشل المرأة؟
- تفشل المرأة إذا فقدت الثقة في نفسها وقدراتها وقيمتها، فلابد للمرأة أن تقدر ذاتها وتحترمها وتكافئها، وهذا ينعكس بدوره على نظرة الآخرين إليها، والمعروف أن المرأة تتميز بالفطرة بقدرتها على القيام بأدوار متعددة ومتشعبة في ذات الوقت، وشخصيا اعتدت دائما أن أكافئ نفسي، وأن يكون لي مساحة من الاستقلال والاستمتاع، ولا شك أن عملي التطوعي ترك أثرا طيبا وجميلا على شخصيتي وأضاف إلى حياتي الكثير، فلذة العطاء لا تقدر بأي ثمن.
حدثينا عن الحياة بعد التقاعد؟
- لا شك أن أزمة كورونا كان لها أثر إيجابي مهم فقد ربطتنا بالبيت، وذقنا معها لذة التواصل واللمة العائلية، لذلك حفزت لدي اتخاذ قرار التقاعد، وفي نفس الوقت قررت أن ألمع من جديد، وأن أنظر إلى الحياة نظرة مغايرة، وكأنها انتعاشة تتيح لي مساحة من الخصوصية والمتعة والاستجمام والتأمل وتفريغ أي طاقة سلبية بداخلي.
حكمة تسيرين عليها؟
- هناك حكمة دائما أضعها أمام عيني وهي «لو جريت جري الوحوش غير رزقك لن تحوش»، ومن ثم يبقى تأخير أي شيء أتمناه هو خير من رب العالمين.
مشروعك القادم؟
- مشروعي القادم إصدار كتاب آخر عبارة عن قصص قصيرة تبدأ وتنتهي بخاطرة، ومازال تحت الإعداد، كما أحلم بمشروع يعد الأول من نوعه وهو عبارة عن مركز خاص للتنفيس عن الغضب بطرق مختلفة، ويصب في النهاية في بؤرة الحفاظ على الصحة النفسية ودعمها والتخفيف من الضغوط التي يقع تحت وطأتها الكثيرون.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك