5 أيام لم تكن كافية للاطلاع على إرث تاريخي ونقلة حضارية ورؤية مستقبلية تشهدها المملكة الأردنية الهاشمية، ولكنها كانت مناسبة لـ«سياحي أخبار الخليج» للتعرف على ملامح سياحية تنفرد بها المملكة، التي يمكنها منافسة وجهات السياحة العالمية بفضل تضاريسها ومناطقها المناخية الجغرافية المتباينة، سواء مناطق الأغوار التي تمتد على حدودها الغربية وتشمل نهر الأردن والبحر الميت، ومناطق المرتفعات الجبلية التي تفصل بين الأغوار والجزء الثالث للمملكة الذي يمثل 75% من مساحتها وهي منطقة البادية.
الجولة التي نظمتها هيئة تنشيط السياحة بالمملكة الأردنية بدأت بزيارة جبل القلعة والبتراء ووادي رم انتهاء بزيارة للحدود الأردنية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة ونهر الأردن، والتعرف على السياحة الدينية في المملكة ومناطق التراث المسيحي التي عززتها زيارة بابا الفاتيكان للأردن واعتمد فيها نهر الأردن كمغطس لسيدنا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وضمن التنقل من منطقة إلى أخرى كان القاسم المشترك في كل المناطق وطوال الرحلة هو الترحاب والود من أهل الأردن للجميع وابتسامتهم التي دائما تعلو الوجوه في كل الأوقات.
«البترا» عاصمة الأنباط والمدينة الضائعة
تعتبر مدينة البترا عاصمة العرب الأنباط من أشهر المواقع الأثرية في العالم وإحدى عجائب العالم السبع الحديثة، بالإضافة إلى كونها أهم مواقع الجذب السياحي في الأردن، حيث تستقبل أفواج السياح من كل بقاع الأرض، وتتميز البترا بطبيعة معمارها المنحوت في الصخر الوردي الذي يحتوي على مزيج من الفنون المعمارية القديمة التي تنتمي إلى حضارات متنوعة، وهي عبارة عن مدينة كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون.
والبترا مثال فريد لأعرق حضارة عربية (حضارة الأنباط)، حيث قام العرب الأنباط بنحتها في الصخر منذ أكثر من 2000 عام، وهي شاهدة على أكثر الحضارات العربية القديمة ثراء وإبداعا، وتم اكتشاف البترا عام 1812م على يد المستشرق السويسري يوهان لودفيج بركهارت، من خلال رحلة استكشافية في كل من بلاد الشام ومصر والجزيرة العربية، لذلك يطلق العديد من العلماء والمستشرقين على البترا «المدينة الضائعة» وذلك لتأخر إظهارها إلى العالم.
ازدهرت مملكة الأنباط وامتدت حدودها جنوباً لتصل إلى شمال غرب الجزيرة العربية حيث توجد مدينة مدائن صالح، وقد مدّ الأنباط نفوذهم كي يصل إلى شواطئ البحر الأحمر وشرق شبه جزيرة سيناء ومنطقة سهل حوران في سوريا حتى مدينة دمشق، فكان يحيط بالمملكة النبطية العديد من الممالك والحضارات منها الحضارة الفرعونية غرباً، وحضارة تدمر شمالاً، وحضارة بلاد ما بين النهرين شرقاً، لذا كانت المملكة النبطية تتوسط حضارات العالم القديم، وتشكل بؤرة التقاء وتواصل مختلف الحضارات العالمية، فيما اشتهر الأنباط بتقنيات هندسة المياه والحصاد المائي وهم أصحاب الفكرة منذ القدم، حيث طور الأنباط أنظمة الري وجمع مياه الأمطار والينابيع وتفننوا في بناء السدود والخزانات التي حفروها في الصخر، كما شقوا القنوات مسافات طويلة، إضافة إلى بنائهم المصاطب الزراعية في المنحدرات لاستغلال الأراضي في الزراعة.
«وادي رم» كوكب المريخ ولورانس العرب
تستخدم هوليوود وادي رم «وادي القمر» لتصوير مشاهد مشابهة لكوكب المريخ نظرا إلى طبيعة المنطقة الخلابة وجبالها الشاهقة التي تشبه سطح القمر، وهو ما جعلها إحدى اهم محطات تصوير الأفلام العالمية بداية من «لورانس العرب» ومؤخرا فيلم «علاء الدين» للممثل الأمريكي ويل سميث، حيث تشبه جبال وادي رم جبال البترا، ولم لا وهي كانت إحدى مناطق سكن الأنباط وهي احدى اهم المناطق المدرجة على لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 1985م.
كما تشكل رؤوس الصخور الضخمة والمتراصة والمرتفعة عن أرض الصحراء بـ(1750) متراً تحدياً طبيعياً لمتسلقي الجبال المحترفين، وهو الوادي الذي اتخذه الأمير فيصل بن الحسين ولورنس العرب مركز قيادة خلال الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، وقد شهد هذا الموقع الأعمال البطولية التي قام بها هذان القائدان، ولا يزال حتى الان محطة لاستكشاف رسوم صخرية تعود إلى (4000) عام ويوجد به اعلى جسر في وادي رم يتم عبوره عن الطريق ويطلق علية اعمدة الحكمة السبعة، ويرجع الكثير سبب تسمية الكتاب الذي صدر في عام 1922 ووضع فيه لورنس العرب خلاصة تجربته السياسة وأسهم في قيام الثورة العربية الكبرى «أعمدة الحكمة السبعة» إلى جبال الأردن وبالأخص جبال وادي رم.
جبل القلعة مقر «العمونيين»
على ارتفاع ما يقرب من 800 متر من سطح البحر يقبع جبل القلعة بوسط العاصمة عمان وهو أحد جبال مدينة عمّان السبعة والذي اتخذه العمونيون منذ القدم مقراً لحكمهم في المدينة، ومن بعدهم كل من اليونان والرومان والبيزنطيين الذين احتلوا المدينة على التوالي إلى أن هلّ عليها الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، حيث بني على قمته القصر الأموي. وبالتجول وتفقد آثار الجبل لا تزال هناك بقايا بعض القصور التابعة للعمونيين وبعض تماثيل لملوك ذلك العصر الذي يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، بالإضافة إلى آثار وأعمدة رومانية كورنثية ومعبد لهرقل الذي لا يزال يحتوي على بعض القطع الأثرية من تمثال هرقل الضخم، كذلك يحتوي على آثار إسلامية تعود إلى العصر الأموي، حيث القصر الأموي هناك بالإضافة إلى متحف الآثار الأردني الذي يحاكي تاريخ الأردن بشكل عام وعمّان بشكل خاص. كما يتضمن اعلى الجبل ثلاث كنائس أهمها الكنيسة البيزنطية التي بنيت عام 550 ميلادية وتتألف من صحن وجناحين، اضافة الى الأعمدة التي تتزين بالتيجان الكورنثية المزخرفة بأوراق الأكانثوس التي نقلت من المباني الرومانية وأعيد استخدامها في بناء الكنيسة، بالإضافة إلى آثار تعود للفترة الأموية وفيها مسجد وقصر بطابع رسمي وسياسي، وكانت المدينة مركزاً حكومياً وفيها مقر الوالي، بالإضافة إلى قنوات مغطاة بشكل جزئي تمتد وسط الشارع لتصريف مياه الأمطار وجمعها في خزانات تحت سطح الأرض حيث كانت هذه الخزانات تشكل جزءا من النظام المائي في العصر الأموي والذي كان يمد دار الإمارة بالماء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك