أيدت المحكمة الاستئنافية العليا المدينة الثانية حكما بإلزام بلدية إلغاء قرارها السلبي المتمثل في عدم اتخاذ إجراءات إزالة مخالفة مؤسسة نقليات تمارس نشاط السمكرة والإصلاح داخل منطقة سكنية ممنوع فيها ممارسة ذلك النشاط، وقالت إنه يتعين على الجهة الإدارية المختصة ممارسة سلطتها المخولة لها قانوناً دون طلب من أحد بإزالة الأعمال المخالفة، ويكون امتناعها دون مبرر عن ممارسة هذه السلطة قرارا سلبيا يختص القضاء بنظر مدى مشروعيته، ويكون طلب الحكم بإلغائه قائما على صحيح سند من الواقع والقانون، جاء ذلك في حيثيات دعوى رفعها مواطن تضرر من استغلال المؤسسة لقطعة أرض مجاورة لمنزله تستخدم في أعمال السمكرة وتسبب إزعاجا لقاطني المنطقة.
رفع المدعي دعواه أمام محكمة أول درجة أشار فيها إلى أنه يملك فيلا فيما يمتلك المدعى عليه الأول قطعة أرض ملاصقة له، وقام بتأجيرها للمؤسسة المدعى عليها الثانية التي استغلت الأرض في أغراض خدمية (سمكرة وصباغة الحافلات الثقيلة واصلاح الحافلات) وذلك بالمخالفة للاشتراطات الصحية والبيئية والسكنية مما الحق الضرر به لتضرره من ذلك النشاط لما يسببه من ازعاج وتلوث بالرغم من كون العقار يقع بنطاق منطقة سكنية لا يجوز ممارسة ثمة انشطة خدمية في نطاقها مما دفعه إلى استئجار وحدة سكنية بمنطقة أخرى، وحيث إن البلدية قامت بتحرير عدة مخالفات لتلك المؤسسة ولكن دون جدوى، حيث طلب في دعواه احتياطيا ندب خبير لمعاينة الأرض محل الدعوى وبيان جميع محتوياتها وعقود الايجار، والاطلاع على التراخيص الممنوحة لمالكه وإذا كانت الأنظمة واللوائح والقوانين السارية تسمح باستخدام العقار كورشة لسمكرة وتصليح السيارات من عدمه، والحكم بإلزام البلدية بوقف وإزالة الضرر، بإزالة محتويات العقار الخدمية والتجارية.
وحكمت محكمة أول درجة بإلغاء قرار البلدية السلبي بالامتناع عن اصدار قرار بإزالة الأعمال المخالفة وما يترتب على ذلك من آثار أخصها الزامها بإزالة الأعمال المخالفة بالأرض محل التداعي على نفقة أصحابها، وأشارت في حيثيات الحكم إلى أن حقيقة المنازعة بين طرفي التداعي هي الطلب بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي (المدعى عليها الثالثة) بالامتناع عن إيقاف البناء المخالف وإزالته مع ما يترتب على ذلك من آثار وخاصة أن المؤسسة المدعى عليها تباشر نشاط السمكرة والصباغة والصيانة وذلك بدون ترخيص لكون العقار مصنف كعقار سكني خاص.
وأضافت أن القوانين تحظر مباشرة ذلك النشاط في مناطق السكن الخاص، وأن الجهة الإدارية ممثلة في البلدية هي المختصة بإصدار الترخيص لمباشرة تلك الأعمال وكان القرار الإداري باعتباره تعبيرا من جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة لإحداث أثر قانوني لا يشترط صدوره في شكل معين ما لم يوجب القانون ذلك، وكان المسلك الذي اتخذته الجهة الإدارية (المدعى عليها الثالثة) بامتناعها عن اصدار قرار بإزالة تلك الاعمال المخالفة لا يمكن تفسيره إلا أنه قرار سلبي منها يجوز الطعن في مشروعتيه واللجوء للقضاء لإلزامها بإصداره.
إلا أن المدعى عليهم لم يرتضوا الحكم فطعنوا عليه على سند أن الأرض موضوع التداعي ساحة إيواء مرخصة لمؤسسة النقليات من قبل الجهات الحكومية المعنية، وتمارس نشاطها في حدود القانون، وليس مخصصا للسكن، كما أن المؤسسة تعهدت للبلدية بالالتزام بعدم القيام بأعمال السمكرة والصباغة.
وباشرت المحكمة نظر الاستئناف، وقالت في حيثيات الحكم أن قانون تنظيم المباني نص على أن توقف البلدية بالطريق الإداري كل بناء أو عمل بموجب هذا القانون يجرى بدون ترخيص أو خلافاً لأحكام الترخيص المعطى، ويصدر بالإيقاف قرار مسبب ويعلن هذا القرار إلى شخص المالك أو المرخص له والمهندس المشرف على التنفيذ أو المقاول – إن وجد – فإذا تعذر إعلان أي منهم بشخصه يتم إخطاره بخطاب مسجل بعلم الوصول على آخر محل إقامة له معلوم لدى البلدية، ويتم تحرير محاضر بالأعمال المخالفة وترسل إلى النيابة العامة.
كما تضع البلدية لافتة في مكان ظاهر بموقع العقار مبيناً بها البناء أو العمل المخالف وما اتخذ من إجراءات أو قرارات في شأنه، وعلى ذوي الشأن المذكورين المحافظة على بقاء هذه اللافتة في مكانها واضحة البيانات إلى أن يتم تصحيح أو استكمال أو إزالة البناء أو العمل المخالف، ومع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية، يجوز للبلدية أن تصدر خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان قرار إيقاف البناء أو العمل المخالف قراراً مسبباً بإزالة ما تم إيقافه وذلك إذا كان البناء أو العمل المخالف قد أقيم بدون ترخيص أو خلافاً لأحكام الترخيص المعطى متى كان يؤثر على مقتضيات الصحة العامة أو أمن السكان أو المارة أو الجيران، ويخطر ذوي الشأن المشار إليهم بهذا القرار بموجب خطاب مسجل بعلم الوصول، وعليهم المبادرة إلى تنفيذ القرار الصادر من البلدية خلال المدة المناسبة التي تحددها، فإذا امتنعوا عن التنفيذ أو انقضت المدة المحددة دون إتمامه تتولى البلدية التنفيذ بالطريق الإداري وبالقوة الجبرية، ويتحمل المخالف جميع النفقات.
وأضافت أن القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة المختصة، في الشكل الذي يتطلبه القَانُون، عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، بقصد إحداث أثر قانوني، متى كان ذلك ممكنا وجائزا قانونا، ابتغاء تحقيق المصلحة العامة، ويعتبر في حُكْم القرارات الإداريَّة رفض السلطات الإداريَّة أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح.
وقالت في حيثيات الحكم إن الثابت من تقرير الخبرة المقدم أمام محكمة أول درجة الذي تطمئن إليه المحكمة أن الأرض موضوع التداعي مصنفة ضمن مناطق السكن الخاص وكانت الاشتراطات التنظيمية للتعمير بمختلف المناطق في المملكة الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء قد حددت الاشتراطات الخاصة بمناطق المصنفة سكن خاص (ب)؛ بأن يسمح فيها بالاستعمالات السكنية (وحدات سكنية منفصلة ومتصلة).
وكان الثابت أيضاً من تقرير الخبير أن الأرض موضوع التداعي يتم استغلالها من قبل المؤسسة المدعي عليها كمواقف للباصات كما أنه يتم بها أعمال السمكرة والصباغة والصيانة، الأمر الذي يثبت منه قيام المؤسسة المذكورة بمزاولة نشاط وأعمال بالمخالفة لاشتراطات البناء في المنطقة المقام عليها والمصنفة سكن خاص (ب)، مما يتعين معه على الجهة الإدارية المختصة ممارسة سلطتها المخولة لها قانوناً دون طلب من أحد بإزالة الأعمال المخالفة، ويكون امتناعها دون مبرر عن ممارسة هذه السلطة قرار سلبيا مما يختص القضاء بنظر مدى مشروعيته، ويكون طلب الحكم بإلغائه قائم على صحيح سند من الواقع والقانون مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إزالة الأعمال المخالفة على نفقة المخالف، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت كل مستأنف بمصاريف استئنافه، وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك