العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

كيف نقاضي إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين؟

د. سعيد طلال الدهشان.

عرض: د. محمود الحنفي

الجمعة ٢٦ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

أصدر‭ ‬مركز‭ ‬الزيتونة‭ ‬للدراسات‭ ‬والاستشارات‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬مؤخرا‭ ‬كتاباً‭ ‬جديداً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬نقاضي‭ ‬إسرائيل؟‭: ‬المقاضاة‭ ‬الدولية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وقادتها‭ ‬على‭ ‬جرائمهم‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‮»‬،‭ ‬لمؤلفه‭ ‬الدكتور‭ ‬سعيد‭ ‬طلال‭ ‬الدهشان‭.‬

ويهدف‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬335‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬المتوسط،‭ ‬إلى‭ ‬رسم‭ ‬المسار‭ ‬القضائي،‭ ‬أو‭ ‬خريطة‭ ‬طريق،‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬عمله‭ ‬فلسطينياً‭ ‬وعربياً،‭ ‬وإسلامياً،‭ ‬ودولياً‭ ‬لمقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وقادتها‭. ‬وتتلخص‭ ‬الإشكالية‭ ‬التي‭ ‬ناقشها‭ ‬البحث‭ ‬بمدى‭ ‬إمكانية‭ ‬مقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬كدولة،‭ ‬وقادتها‭ ‬كأفراد‭ ‬وكمسؤولين،‭ ‬على‭ ‬جرائمهم‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وكيف‭ ‬يتم‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭. ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬لصانعي‭ ‬القرار‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬نحو‭ ‬الآليات‭ ‬الأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬لملاحقة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وكيفية‭ ‬الاستفادة‭ ‬المثلى‭ ‬منها‭.‬

ويقدم‭ ‬الكتاب‭ ‬تقويماً‭ ‬شاملاً‭ ‬ومفصلاً‭ ‬لواقع‭ ‬الآليات‭ ‬الدولية‭ ‬للمقاضاة،‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬يقدم‭ ‬تقييماً‭ ‬لمدى‭ ‬فاعلية‭ ‬تلك‭ ‬الآليات‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬مع‭ ‬ضرب‭ ‬الأمثلة‭ ‬والنماذج‭ ‬العملية‭ ‬لتلك‭ ‬الآليات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مشابهة‭ ‬للحالة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بموضوع‭ ‬الكتاب‭.‬

ويتناول‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬مفاهيم‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الجنائي،‭ ‬مستعرضاً‭ ‬الأحكام‭ ‬الموضوعية‭ ‬للجرائم‭ ‬الدولية،‭ ‬وبعض‭ ‬أشكال‭ ‬المقاضاة‭ ‬الدولية،‭ ‬والحكم‭ ‬القضائي‭ ‬الدولي‭.‬

ويسلّط‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المرتكزات‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬وقواعد‭ ‬قانونية‭ ‬واتفاقيات‭ ‬دولية،‭ ‬لمقاضاة‭ ‬المتهمين‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬دولية‭.‬

ثم‭ ‬يستعرض‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬الآلية‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬لمقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬كدولة‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭. ‬ويتناول‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬الآليات‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬لمقاضاة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬كأفراد‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الوطنية‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬العالمي،‭ ‬وأمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

أما‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬فيسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬ودور‭ ‬مؤسسات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬مقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وقادتها‭.‬

ويتناول‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬الإجراءات‭ ‬السيادية‭ ‬والإدارية‭ ‬المطلوبة‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬مقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وقادتها‭ ‬دولياً‭. ‬ويعدُّ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬ناقشت‭ ‬موضوع‭ ‬مقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬يُعدُّ‭ ‬دليل‭ ‬إجراء‭ ‬عملي‭ ‬لكل‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬عملية‭ ‬المقاضاة‭.‬

لقد‭ ‬أخذ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬الذي‭ ‬كُتب‭ ‬بلغة‭ ‬علمية‭ ‬متخصصة،‭ ‬موقعه‭ ‬المتميز‭ ‬كمرجع‭ ‬أساسي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬لكل‭ ‬المعنيين‭ ‬بالمقاضاة‭ ‬الدولية‭ ‬ومحاكمة‭ ‬الدول‭ ‬والأفراد‭.‬

يجب‭ ‬ألّا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬باحث‭ ‬قانوني‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬فلسطين‭ ‬عموماً‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬أحداث‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يتداخل‭ ‬فيها‭ ‬التاريخ‭ ‬مع‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والدين‭ ‬مع‭ ‬السياسة‭ ‬والمحلي‭ ‬بالإقليمي‭ ‬بالدولي‭. ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬يخفى‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬دولي‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬أدواته‭ ‬متنوعة‭ ‬بين‭ ‬عسكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وإعلامية‭ ‬وثقافية‭ ‬واجتماعية‭... ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬تشكل‭ ‬المكوّن‭ ‬الرئيسي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وأمام‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬الهائلة،‭ ‬يصبح‭ ‬الجهد‭ ‬القانوني‭ ‬مسألة‭ ‬معقدة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تؤخذ‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬وتصبح‭ ‬الأدوات‭ ‬القانونية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬ما‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭. ‬إنّ‭ ‬لكل‭ ‬معركة‭ ‬رجالاً،‭ ‬ولكل‭ ‬ميدان‭ ‬أدوات،‭ ‬وأي‭ ‬استخدام‭ ‬خاطئ‭ ‬إنما‭ ‬يضرّ‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬إن‭ ‬الباحث‭ ‬القانوني‭ ‬عندما‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬كافة‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬النقاش‭ ‬والبحث،‭ ‬وأي‭ ‬إغفال‭ ‬لها‭ ‬يجعل‭ ‬الجهد‭ ‬القانوني‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أمنيات‭ ‬وأحلام،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فكيف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الجهد‭ ‬القانوني‭ ‬متعثراً‭ ‬وغير‭ ‬حقيقي‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه،‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬قانوني‭ - ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬فاعلاً‭ - ‬إنما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬جهاز‭ ‬قضائي‭ ‬مستقل‭ ‬ودائم‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬احترام‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬ويحدد‭ ‬مسؤولية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يخرج‭ ‬عنها‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬افتقده‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يوجَد‭ ‬خلالها‭ ‬جهاز‭ ‬قضائي‭ ‬ذو‭ ‬مستوى‭ ‬فعّال‭ ‬لتطبيق‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وقواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬ولا‭ ‬سيّما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفلسطين‭ ‬المحتلة؛‭ ‬نظام‭ ‬قانوني‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬ضمانات‭ ‬دولية‭ ‬حقيقية‭ ‬وفاعلة‭ ‬وذات‭ ‬صدقية‭ ‬تدعمه‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬فقد‭ ‬بذل‭ ‬الباحث‭ ‬الدكتور‭ ‬سعيد‭ ‬الدهشان‭ ‬جهداً‭ ‬كبيراً،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬نقاضي‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬المقاضاة‭ ‬الدولية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وقادتها‭ ‬على‭ ‬جرائمهم‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬الخيارات‭ ‬القانونية‭ ‬المتاحة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اختيار‭ ‬الخيار‭ ‬الأكثر‭ ‬نجاعة‭.‬

ولعل‭ ‬محاولة‭ ‬الباحث‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬معقدة‭ ‬للغاية‭ ‬حين‭ ‬مناقشة‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬يسجل‭ ‬الباحث‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬عتبه‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬أدائه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬أهمية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬فبعد‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬سنة‭ ‬1993،‭ ‬استمر‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تخبطه‭ ‬القانوني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬سنة‭ ‬2000،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مقرراً‭ ‬له‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو،‭ ‬واجه‭ ‬تحدياً‭ ‬عارماً‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ليكتشف‭ ‬لاحقاً‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلان‭ ‬مرتبط‭ ‬بشروط‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬ملحقات‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية،‭ ‬يكاد‭ ‬يستحيل‭ ‬تحقيقها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يطالب‭ ‬بتفعيل‭ ‬المادة‭ ‬22‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬اعتداء‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬ليتمكن‭ ‬من‭ ‬محاكمة‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬محاكم‭ ‬دولية،‭ ‬يكتفي‭ ‬المسؤولون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بتكرار‭ ‬طلبهم،‭ ‬السياسي‭ ‬لا‭ ‬القانوني،‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ليُواجه‭ ‬بفيتو‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬أو‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬مجرد‭ ‬تنديد‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬أحواله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيان‭ ‬رئاسي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭.‬

وفيما‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬لقيادة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تستثمر‭ ‬تقرير‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتقصي‭ ‬الحقائق‭ ‬بشأن‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬المعروف‭ ‬اختصاراً‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬تقرير‭ ‬جولدستون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحالة‭ ‬نتائج‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬بارتكاب‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬إبان‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬تصرف‭ ‬قيادة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نظرها‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكأن‭ ‬الخيار‭ ‬الجنائي‭ ‬غير‭ ‬مطروح‭ ‬أصلاً‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬مقاضاة‭ ‬المجرمين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬تحت‭ ‬مبدأ‭ ‬الاختصاص‭ ‬العالمي‭ (‬المادة‭ ‬146‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭)‬،‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬تحريك‭ ‬مكاتب‭ ‬محاماة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬لكون‭ ‬ممارسات‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬تعتبر‭ ‬خرقاً‭ ‬جسيماً‭ ‬لاتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭ ‬1949،‭ ‬يراوح‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مكانهم،‭ ‬مكتفين‭ ‬بفقاعات‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬جوع‭.‬

مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬على‭ ‬المفاوضات‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مثيراً‭ ‬للسخرية‭ ‬حقاً،‭ ‬حين‭ ‬أصبح‭ ‬تعنت‭ ‬الاحتلال‭ ‬أكثر‭ ‬وأشد‭: ‬لا‭ ‬لحلّ‭ ‬الدولتين،‭ ‬لا‭ ‬لإيقاف‭ ‬الاستيطان،‭ ‬لا‭ ‬لهدم‭ ‬الجدار‭ ‬العازل،‭ ‬لا‭ ‬للمبادرة‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬لعودة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬لا‭ ‬لفكّ‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬غزة،‭ ‬لا‭ ‬لإنهاء‭ ‬احتلال‭ ‬القدس‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬لا‭ ‬للاعتراف‭ ‬بنتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬التعنت‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬تتمسك‭ ‬قيادة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬حلاً‭ ‬وحيداً،‭ ‬وترفض‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة‭ ‬بكافة‭ ‬أشكالها،‭ ‬حتى‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭.‬

إزاء‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬المعقدة،‭ ‬وإزاء‭ ‬الفجوة‭ ‬الهائلة‭ ‬بين‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وضعف‭ ‬الأداء‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المعركة‭ ‬القانونية‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فإنك‭ ‬تجد‭ ‬إصرار‭ ‬الباحث‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬بين‭ ‬فصل‭ ‬وآخر‭ ‬وبين‭ ‬خيار‭ ‬وآخر‭ ‬وبين‭ ‬فرصة‭ ‬وأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬لكأنه‭ ‬يأخذك‭ ‬إلى‭ ‬مقولة‭ ‬أن‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬القانونية‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬لو‭ ‬توفرت‭ ‬ظروف‭ ‬سياسية‭ ‬مواتية،‭ ‬لكن‭ ‬الباحث‭ ‬ومع‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬غمار‭ ‬البحث‭ ‬القانوني‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أيضاً‭ ‬طرح‭ ‬خيارات‭ ‬سياسية‭ ‬وإدارية‭ ‬مهمة،‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬رافعة‭ ‬سياسية‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬أخذ‭ ‬بها‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭.‬

يرى‭ ‬الباحث‭ ‬أن‭ ‬الخيار‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬لمقاضاة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وقادتها‭ ‬هو‭ ‬خيار‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬ومع‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المسؤولية‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬جديتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬سوء‭ ‬الجانب‭ ‬الرسمي‭ ‬أم‭ ‬جانب‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الملفات‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الباحث،‭ ‬أغفل،‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬أن‭ ‬البيروقراطية‭ ‬المعقدة‭ ‬الذي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليه‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬المحكمة‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬ثم‭ ‬عدم‭ ‬جدية‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬لهذه‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬تحقيق‭ ‬تحت‭ ‬دواعٍ‭ ‬قانونية‭ ‬وأخرى‭ ‬إجرائية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يشكل‭ ‬عقبة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬هذا‭ ‬الخيار،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يجعله‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬غير‭ ‬الممكنة‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭ ‬والمتوسط‭.‬

أما‭ ‬خيار‭ ‬المحاكم‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬العالمي‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬الأوروبية‭ ‬منها،‭ ‬فقد‭ ‬أورد‭ ‬الكاتب‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬توفرها‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬ملاحقة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التشويش‭ ‬سياسياً‭ ‬عليهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬و«إسرائيل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬إعمال‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬تتخذ‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬قرارات‭ ‬مجنونة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬إنجازات‭ ‬متواضعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أربكت‭ ‬بعض‭ ‬الساسة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬الغربية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬مازال‭ ‬سميكاً‭ ‬ويتطلب‭ ‬إجراءات‭ ‬مختلفة‭ ‬سياسياً‭ ‬ودبلوماسياً،‭ ‬حتى‭ ‬تُمكّن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬السميك‭.‬

يُعدُّ‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬نقاضي‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬مرجعاً‭ ‬مهماً‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لرجال‭ ‬القانون،‭ ‬إنما‭ ‬لرجال‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام‭ ‬أيضاً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬طلاب‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وذلك‭ ‬يعود‭ ‬للغة‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬الباحث،‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬جدية‭ ‬ورصانة‭ ‬اللغة‭ ‬القانونية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والبساطة‭ ‬التي‭ ‬يفهمها‭ ‬غير‭ ‬القانونيين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬

*‭ ‬باحث‭ ‬بمركز‭ ‬الزيتونة‭ ‬للدراسات‭ ‬والاستشارات

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا