ولد الضابط المصري الشهيد مصطفى حافظ في 25 ديسمبر 1920، بقرية «زاوية البقلي» مركز الشهداء، محافظة المنوفية. حصل على الشهادة الابتدائية في عام 1934، ثم التحق بـ«مدرسة فؤاد الثانوية» (الحسينية حاليًا)، وخلال هذه الفترة بدأت معالم شخصيته تظهر في وضوح وجلاء ورجولة مبكرة خلقا ومواظبة. وقد اشترك في المظاهرات الضخمة التي كانت تخرج في مدرسة فؤاد واستمع قلبه في وعى إلى هتافات الحرية وإلى بشاعة كلمة الاستعمار، كما عرف في وعى دور الاستعمار في عرقلة تقدم الأمة العربية كلها.
بعد حصوله على البكالوريا (الثانوية) في عام 1938 التحق بالكلية الحربية، وقد اشتهر خلال فترة دراسته بالكلية بأنه «ذو الأعصاب الحديدية». وفي عام 1940 تخرج في الكلية الحربية وكان من المتفوقين.
تدرجه في الرتب العسكرية:
عقب تخرجه في الكلية الحربية عين ملازمًا بسلاح الفرسان في 7 سبتمبر 1940، وبدأت شخصيته المميزة تفرض نفسها في كل مكان يوجد فيه. ونظرًا إلى تطلعه إلى تنمية مهاراته ومعارفه وقدراته حصل على فرقة (طبوغرافيا) في عام 1943، ثم حصل على فرقة (أسلحة صغيرة) في عام 1945.
وفي 3 يوليو 1948 انتدب للخدمة في سلاح الحدود برتبة «ملازم أول»، ثم عين حاكمًا لبلدة «بيت جبريل» حتى عام 1949، ثم حاكمًا لرفح جنوب قطاع غزة، بعدها نقل إلى محافظة البحر الأحمر مأموراً للغردقة.
كان مصطفي حافظ علي علاقة بالضباط الأحرار والزعيم جمال عبدالناصر، فضلاً عن سمعته التي كانت تملأ أجواء الجيش، بوصفه ليس مجرد ضابط محترف، لكنه خبير بالبشر والسياسة. وقد استطاع خلال فترة عمله في رفح وغزة، أن يضيف إلى دراساته الميدانية والعسكرية خبرات، صقلتها امكاناته الشخصية وقدرته غير المحدودة على إقامة علاقات مع البشر وفهمهم.
وفي ديسمبر 1951 حصل على فرقة (تعليم شئون إدارية) بتقدير امتياز. وفي أكتوبر من عام 1952 انتدب لإدارة المخابرات (مكتب مخابرات فلسطين)، وأسندت إليه مهمة قيادة مكتب غزة. ثم حصل على (فرقة مدرعة) في 13 أكتوبر 1955، وبعدها رقي إلى رتبة «رائد».
مصطفى حافظ وقيادة
المقاومة الفلسطينية:
كان لقيام ثورة يوليو 1952، أثر كبير في دخول الصراع العربي - الإسرائيلي مرحلة جديدة، حيث وجد زعيم الثورة جمال عبدالناصر أن الكيان الصهيوني هو رأس حربة الاستعمار الغربي في بلاد العرب، وهنا قرر المواجهة ودعم النضال على أرض فلسطين، واختير لهذه المهمة مصطفي حافظ، الذي عُرف بكفاءته وذكائه، حتى أنه رقي إلى عقيد وعمره لم يتجاوز السنوات الأربعة والثلاثين.
سافر مصطفى حافظ إلى غزة التي كانت تتبع الإدارة المصرية، وبدأ في تكوين شبكة فدائية واسعة تنتشر في أنحاء الأراضي المحتلة، وتولى تنظيمهم وتدريبهم، لتواجه اعتداءات قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وعندما بدأ مصطفى حافظ مهمته لم يكن للفلسطينيين درع ولا سيف يردون به على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وطاف مصطفى حافظ مدن القطاع واختار بنفسه وعلى عينه النواة الأولى للمقاومة الفلسطينية، وبدأت العمليات الفدائية، وبدأت إسرائيل تحس بالوجع والفزع.
فخلال أعوام 1955 و1956 سببت العمليات الفدائية التي قادها مصطفى حافظ رعبًا للإسرائيليين، لأنها وصلت إلى العمق وخلف الخطوط، وكانت تطول مستوطنات في «اللد» و«تل أبيب» والمدن الكبرى. وقد جرت العمليات الفدائية ضد وحدات عسكرية، وواجهت وأحبطت العديد من الهجمات الإرهابية للعصابات الصهيونية المسلحة.
واهتم مصطفى حافظ بشكل خاص بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين على الجبهة السورية من خلال الملحق العسكري بالسفارة المصرية في «عمان»، مما أدى إلى تطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيون داخل إسرائيل حتى وصل المعدل إلى أكثر من عملية يوميًا. وقد كان الضابط مصطفى حافظ قائدا للمجموعة التي فجرت الوحدة 101 التي شكلها آرييل شارون للإغارة على غزة ودخل إلى عمق إسرائيل خمس مرات وفجر سبع مستوطنات للصهاينة، كما قام بالقبض على الجاسوس الإسرائيلي عساف أهارون.
وبدأ اسم مصطفى حافظ يتردد بقوة في قطاع غزة، وعرف الموساد أن وراء هذه العمليات «الرجل الظل» العقيد مصطفى حافظ، وقررت الأجهزة الاستخبارية السعي وراءه لتصفيته، ولا بد أن يذهب وبأي ثمن.
كان مصطفى حافظ يقيم في بيت بالقطاع خصصته له المخابرات الحربية، وجاء بزوجته وأولاده ليقيموا معه، وحاولت إسرائيل اغتياله عدة مرات بالهجوم المباشر أو الإنزال الجوي والبحري، أو السيارات المفخخة لكنها فشلت، فلم يكن ذلك أمرًا سهلاً؛ لأن مصطفى حافظ كانت لديه قدرة استثنائية على التخفي والاحتياط والمراوغة.
استشهاد مصطفى حافظ:
أصبح مصطفى حافظ صداعًا في رأس إسرائيل، حتى أنهم رصدوا مكافأة مقدارها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض عليه أو اغتياله، ولما فشلوا في استهدافه مباشرة وضع وزير الحرب الصهيوني «موشيه ديان» خطة شيطانية لاصطياده من خلال أحد مساعدي الضابط مصطفى حافظ من الشبان في غزة اسمه «محمد البدوي»، وكان لهذا الشاب عم يقوم بدور العميل المزدوج، وأعطى ديان رسالة لهذا العم طالبًا توصيلها إلى «لطفي العكاوي»، مدير الشرطة الفلسطينية في غزة، عن طريق ابن شقيقه، وكان ديان على يقين أن الشاب سيمر بها أولًا على مصطفى حافظ، وكان هذا ما حدث بالفعل.
أثارت الرسالة فضول مصطفى حافظ، فقد كان العكاوي من أقرب أصدقائه ولم يتصور أبدًا أن يكون متعاونًا مع قوات الاحتلال، وطلب من محمد البدوي أن يأتيه بالرسالة فورًا إلى مكتبه، وبمجرد أن فتحها مصطفى حافظ انفجرت في وجهه، فقد كانت رسالة مفخخة.
استشهد مصطفي حافظ يوم 11 يوليو 1956، وفي 13 يوليو نشرت الأهرام في صدر صفحتها الأولى «استشهد البكباشي مصطفي حافظ نتيجة انفجار في قطاع غزة، ونقل الجثمان إلى العريش ومنها جوًا إلى القاهرة»، واستطرد الخبر: «كان حافظ من أبطال فلسطين ناضل من أجل استقلالها وتحريرها، وسجل له التاريخ أعمالاً جعلت اسمه يزرع الرعب داخل قلوب الصهاينة».
ولقد رثاه الزعيم جمال عبدالناصر، في الخطاب الشهير الذي ألقاه في الذكرى الرابعة للثورة، وهو الخطاب الذي أعلن فيه تأميم قناة السويس 26 يوليو 1956. وتم إطلاق اسمه على أحد شوارع منطقة عين شمس بالقاهرة تخليدا لذكراه.
ولم يعترف الكيان الصهيوني باغتيال مصطفى حافظ إلا بعد مرور 38 عامًا، حيث اعترفت اسرائيل بمسئوليتها عن اغتيال حافظ الذي حمل ملفه في الموساد اسم «الرجل الظل»، في كتاب لـ«يوسي ارجمان» يحمل عنوان «سري جداً» صدر عام 1993.
وعندما احتل الصهاينة قطاع غزة في عدوان 1967 وجدت قوات الاحتلال صورا للشهيد مصطفى حافظ معلقة في بيوت كثير من أهالي غزة اعتزازا بدوره البطولي، كما وجدوا له تمثالا منصوبا في أحد ميادين غزة فقامت قوات الاحتلال بتحطيمه، وفد وصفته جولدا مائير بأنه أخطر ضباط المخابرات المصرية، وتكريما له مازال هناك شارع باسمه في قطاع غزة حتى الآن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك