العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧١ - الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العدوان على غزة.. والمعارك الإعلامية والقانونية الموازية

بقلم: د. زياد بهاء الدين

الأربعاء ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

وقت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬يكون‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬العشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬وعدد‭ ‬المصابين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬ألفًا‭. ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬أسابيع‭ ‬أسفر‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬قتل‭ ‬أو‭ ‬إصابة‭ ‬وفقدان‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬2%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬القصف‭ ‬مستمرًا،‭ ‬ومعه‭ ‬تهجير‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ (‬حوالي‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬السكان‭)‬،‭ ‬باتوا‭ ‬معرضين‭ ‬للموت‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والمرض‭.‬

هل‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬مكررة‭ ‬ونسمعها‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬كل‭ ‬يوم؟‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬سببًا‭ ‬للاعتياد‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إضافي‭ ‬من‭ ‬الحصار‭ ‬والقصف‭ ‬له‭ ‬تكلفة‭ ‬إنسانية‭ ‬فادحة‭ ‬تُقدر‭ ‬بمئات‭ ‬الأرواح‭.‬

الأرقام‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬كافية‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬مقارنات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬إحصاءات‭ ‬سكانية‭. ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬مذبحة‭ ‬جماعية‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬حدوثه‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭. ‬وهذا‭ ‬وصف‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭- ‬فالأرقام‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬غير‭ ‬دالة‭- ‬بل‭ ‬الحقيقة‭ ‬إن‭ ‬دولة‭ ‬تنتقم‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬ممن‭ ‬قاموا‭ ‬بالهجوم‭ ‬عليها‭.‬

مع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬دولة‭ ‬وقفت‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الداعي‭ ‬فقط‭ ‬لهدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬لسكان‭ ‬غزة،‭ ‬وأربعين‭ ‬أخرى‭ ‬امتنعت‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭. ‬كلها‭ ‬دول‭ ‬وافقت‭ ‬بوعي‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬القصف‭ ‬والقتل‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬أو‭ ‬ظنت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التردد‭ ‬والحيرة‭ ‬بين‭ ‬وقف‭ ‬المذبحة‭ ‬فوراً‭ ‬أم‭ ‬تركها‭ ‬تستمر‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬أسابيع‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬صحيح‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬جميعاً‭ ‬تعاطفت‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬ضحاياه‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬وأربعمائة‭ ‬ووقع‭ ‬في‭ ‬الآسر‭ ‬مالا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬‮٢٠٠‬،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬دارت‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬حوله،‭ ‬وما‭ ‬سيُفضى‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬ولكن‭ ‬الانتقام‭ ‬الوحشي‭ ‬بدد‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬العالمي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وجعله‭ ‬ينحسر‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬الحكومات،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الحلفاء‭ ‬التقليديين‭. ‬وقد‭ ‬عدت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬بلدين‭ ‬أوروبيين،‭ ‬لاحظت‭ ‬خلالها‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬المدافعين‭ ‬التقليديين‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسياساتها‭ ‬يفضلون‭ ‬عدم‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬خطابهم‭ ‬العلني‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الأحاديث‭ ‬الجانبية‭ ‬فهناك‭ ‬رفض‭ ‬تام‭ ‬للمذبحة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬إنساني‭ ‬محض‭ ‬لا‭ ‬عدولًا‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الأساسي‭ ‬الداعم‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تجنب‭ ‬اتساع‭ ‬نطاق‭ ‬المواجهات‭ ‬مستقبلًا‭.‬

ولكن‭ ‬يظل‭ ‬الرهان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬معولًا‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬والاهتمام‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬كما‭ ‬يجري‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حدث‭ ‬مثير‭ ‬يلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬يفقد‭ ‬جاذبيته‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬حينما‭ ‬يعتاد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬غزة‭ ‬المدمرة‭ ‬والأطفال‭ ‬الجرحى‭ ‬في‭ ‬المستشفيات،‭ ‬بما‭ ‬يُمكّن‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬الاحتلال‭ ‬والقصف‭ ‬والقتل‭ ‬دون‭ ‬مساءلة‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬اعتراض‭ ‬شعبي‭ ‬عالمي‭. ‬والأحداث‭ ‬السابقة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬المعركة‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬العربي‭.‬

هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬معركة‭ ‬إعلامية‭ ‬جارية،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تلحقها‭ ‬معركة‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬بجانب‭ ‬الساحة‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬وهذه‭ ‬معارك‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لأن‭ ‬نتائجها‭ ‬ستؤثر‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه‭ ‬النتائج‭ ‬العسكرية‭. ‬لهذا‭ ‬يظل‭ ‬التمسك‭ ‬بالحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والتذكير‭ ‬به‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬مساندة‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬ضرورياً‭ ‬ومُلحاً‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الوقت،‭ ‬كما‭ ‬يحتاج‭ ‬الخطاب‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معاصراً‭ ‬وإنسانياً‭ ‬وواقعياً،‭ ‬ومستنداً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمبادئ‭ ‬الإنسانية‭.‬

لأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عادلة،‭ ‬والتضحيات‭ ‬الجسيمة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تدعمها‭ ‬مساندة‭ ‬سياسية‭ ‬وإعلامية‭ ‬واعية‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي،‭ ‬وتنقذ‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬يواجهونه‭.‬

 

{ نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا