كتبت: زينب إسماعيل
تصوير: محمد سرحان
على أطراف مدينة المحرق القديمة، وفي أزقتها التراثية الضيقة، لا يزال الأخوان أحمد وحسين البناء يمارسان مهنة ورثاها عن الجد الرابع ضيف البناء، الذي وصل إلى المحرق وبدأ بممارسة مهنة البناء والنقش التراثي، ونقلها إلى أبنائه فالأجيال اللاحقة تباعا، ليتحول الفريج الذي يسكنه إلى ما يطلق عليه اليوم «فريج البنائين» في مدينة المحرق.
ويوضح حسين: «تعلم الجد المهنة من والده في سن مبكرة واتقن الزخرفة في سن العشرين، حيث اسهم في إنشاء القصور ومنازل شخصيات بارزة ومبان حكومية في البحرين والسعودية، من بينها إنشاء مبنى بلدية المحرق القديم في عام 1929، والطريق المؤدي إلى جسر الشيخ حمد الذي يربط المحرق بالمنامة».
ويتابع أحمد: «كان الساكنون في القرى البحرينية يترددون على المحرق لتعلم المهنة من ممتهنيها في الفريج بالمحرق، ويعودون ثانيةً إلى قراهم لممارستها بعد الوصول إلى مرحلة الإتقان».
ليس فقط ضيف من اشتهر بحرفة البناء، بل هناك عدد من الأفراد من نفس العائلة اشتغلوا في بناء البيوت إلى جانب قصور العائلة المالكة وبيوت الوجهاء والتجار، التي كانت تزخرف بالنقوش التراثية. فن النقوش التراثية حرفة اشتهر بها بنائو المحرق أيضا. وكانت أعداد من يمارسها قليلة. ويعزو حسين السبب إلى «أن هذه الخدمة تطلب فقط من الوجهاء والتجار بسبب كلفتها العالية».
ويضيف: «في الأربعينيات يبيت البناؤون والنقاشون في نفس منطقة البيت الذي يبنونه أياما متواصلة حتى الانتهاء من عمليات البناء والنقش». وكل فرد من أفراد العائلة كان يختص ببناء جزء ما من البيت أو المبنى، فمنهم من كان مختصا ببناء البادقير -ملاقف الهواء التي تتوسط المنزل للتهوية- ومنهم من كان مختص بإنشاء منارات وقبب المساجد، ومنهم من كان مختصا بحرفة النقش. كان أفراد العائلة يرجعون لهم لإنشاء المنزل بالكامل، أو ما يطلق عليه اليوم «المقاولة»، فكلما انتهى أحدهم من مرحلة قدم الآخر لإتمام مرحلة البناء اللاحقة. يتشارك في عملية البناء كل من الأستاذ، مدير كل ما يتعلق بالعملية والعمال، وعدد من البنائين الذين يطلق عليهم اسم شقردية.
النقوش التراثية القديمة تتعدد أنواعها وأسماؤها، وللبحرين نقوش خاصة بها قد يصل عددها إلى 30 نوعا، منها الفرارة والموزة والترجية والبيدانة والوردة والدرع والسعفة، وهي نقوش استوحيت من الطبيعة والبيئة المحلية أو من مخيلة الفنان نفسه.
ليست فقط النقوش البحرينية هي ما اشتهر تطبيقه سابقا، فوصول الصناديق المبيتة والأبواب الهندية أسهم في ظهور نقوش جديدة في هذا العالم، من بينها السلسلة والدائرة، أو قد يدمج النقاش ما بين شكلين مختلفين في قالب واحد.
مع مطلع السبعينيات تقلص عدد البناءين والنقاشين بسبب ظهور الطابوق في البحرين والاتجاه إلى العمالة الأجنبية. ظهر الطابوق بالتحديد في الخمسينيات من القرن الماضي، مع الاحتفاظ بأخشاب الدنجل للتسقيف وقتها. أخشاب الدنجل اختفت لاحقا من مكونات البناء لتحل محلها الأسقف الجاهزة.
استمر الأجداد في ممارسة المهنة حتى توقف أسلوب البناء التقليدي، وذلك لترميم المباني والبيوت التراثية، كقلعة عراد وقلعة البرتغال وبيت الجسرة ومسجد الخميس وبيت سيادي، وذلك خلال فترة تولي الشيخة هيا بنت علي آل خليفة مهام وكيل الوزارة لشؤون الاثار والمتاحف. ويوضح الأخوان أن أولئك العاملين تم فحصهم وقتها من قبل الوزارة للتأكد من مهاراتهم.
اليوم، يمارس الأخوان أحمد وحسين –الفردان الوحيدان من نفس العائلة- حرفة النقوش التراثية وترميم المباني والبيوت التراثية من بعد توقف الأجداد في عام 2012 عن ممارستها. كما لا يزال الأخوان يستخدمان نفس النقوش القديمة. والأخوان ليسا هما الوحيدين اللذين يمارسان فن النقوش في المملكة، بل هناك أفراد عددهم محدود للغاية.
ويبين الأخوان أنهما «يمارسان النقش بنفسيهما دون الاستعانة بالعمالة الأجنبية، حيث لا يزالان يستخدمان الطريقة التقليدية باليدين إلى جانب معدات الحفر التقليدية البسيطة». ويتم الاستعانة خلال الوقت الراهن بالأجهزة، لكن تبقى الطريقة التقليدية تحتفظ بالطابع التراثي الجميل.
الجص هو المادة القديمة المستخدمة في فن النقش. ويشير أحمد إلى أنه «يستخرج من المناطق البرية في الصخير وعوالي والحنينية كحجارة يتم تعريضها للحرارة من أجل التخلص من الماء الزائد. وبعد جفافه، يتم التخلص من الشوائب وتفتيته ليتحول إلى بودرة بيضاء تمزج مع الماء وتتحول إلى مادة رخوة تتشكل في قالب يتم حفره بعد أن يجف وتشكيله بالأشكال الجميلة. هذه المادة اليوم اندثرت من البحرين، ولم تعد تستخدم». حاليا، يتم استخدام مادة الجص المستوردة من كل من السعودية وإيران وإيطاليا.
أسلوب البناء التقليدي
يتحدث أحمد عن أسلوب البناء التقليدي، فبعد أن يتم الاتفاق لبناء البيت تسوى الأرض وتحفر الأساسات بعمق متر تقريباً. للأساس تستخدم أحجار البحر الكبيرة الحجم وكميات من الجص المخلوط مع الماء، حيث يتم تغطية أحجار الأساس به.
بعد أن يكتمل الأساس يتم استخدام الأحجار الصغيرة لصف الجدران دون تهذيب، تملأ الفراغات التي تتخللها بأحجار صغيرة ويتم تغطيتها بطبقة من الجص أو الطين المستخرج من البحر. بعد وصول الجدران إلى ارتفاع متر تقريبا يتم إنشاء الروزنة (مواقع التخزين المفتوحة) باستخدام الأحجار البحرية «الفرش» أو جذوع النخيل، وهي نفسها المادة المستخدمة فوق فتحات النوافذ والأبواب لحمل الجدران. تغطى الجدران بالطين وهي عملية يطلق عليها «اللطاخ» باستخدام الأيدي، لسد الفراغات بين الحصى، ومن بعدها يتم صبغ الجدران بالجص باستخدام الأيدي أيضا.
أما السقف فيبنى باستخدام جذوع النخيل ويغطى بجريد النخل الذي يصف طولياً وعرضياً ومن ثم يغطى بحصير الخوص وفوقه الطين والجص.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك