نقضت حكما بإلزام إحدى الوزارات سداد 164 ألف دينار لمقاول
أكدت أن عدم قبول طرفي النزاع نتيجة الوسيط لا يمنع اللجوء إلى القضاء
أرست محكمة التمييز مبدأ قانونيا مهمّا يؤكد أن نظام التوفيق أو الوساطة ليس محكماً وليس له سلطة الفصل بحكم ملزم، إنما هو يعرض اقتراحات على طرفي التقاضي للتوفيق بين وجهة نظر كل منهما، من دون أن تكون له سلطة فرض أي تسوية عليهما وتنتهي مهمة الوسيط إذا نجح في مهمته بإبرام تسوية صلح تكون هذه التسوية هي الملزمة لطرفيها بعد إبرامها، وإذا لم تتم تسوية الصلح فإن توصية الوسيط لا تمنع الطرفين من الالتجاء بشأن خلافهما إلى القضاء أو التحكيم وأن هذه القواعد العامة تتفق تماماً مع أحكام قانون الوساطة لتسوية المنازعات والصادر بالمرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2019.
جاء ذلك في حيثيات حكمها بنقض حكما ألزم احدى الوزارات الخدمية بسداد 165 ألف دينار لصالح شركة مقاولات، وقضت بعدم قبول الدعوى التي رفعتها شركة المقاولات نظرا لوجود شرط التحكيم في العقد الموقع بين الطرفين والمتعلق بإجراء تحسينات بإحدى الطرق بتكلفة تقدر بـ2 مليون دينار، حيث أكدت المحكمة ان لجوء الطرفين إلى نظام الوساطة لا يمنع اللجوء أيضا إلى شرط التحكيم الموقع في العقد بينهما طالما أن نتيجة الوسيط لم يرتض بها أحد أطراف النزاع، ولم تنته الوساطة إلى حل الخلاف القائم.
وتعود تفاصيل الواقعة إلى أن الوزارة تعاقدت مع شركة مقاولات إجراء تحسينات على إحدى الطرق بقيمة جاوزت 2 مليون دينار وبعد تنفيذ أعمال المقاولة نشب نزاع بينهما حول باقي مستحقات شركة المقاولات التي اقترحت تعيين طرف ثالث كوسيط لحل النزاع على أن يكون تقريره أو توصيته نهائية وملزمة للجانبين، حيث باشر الوسيط مهمته منتهياً إلى نتيجة استحقاقها مبلغ 164 ألف دينار لها إلا أن الوزارة امتنعت عن الوفاء، فلجأت الشركة إلى محكمة أول درجة التي قضت بإلزام الوزارة سداد المبلغ وأيدت محكمة الاستئناف الحكم، إلا أن الوزارة طعنت على الحكم أمام محكمة التمييز.
وأوضحت الوزارة في أسباب طعنها على الحكم المطعون كونه التفت عن شرط التحكيم الوارد بعقد المقاولة مع شركة المقاولات واعتبار اللجوء إلى مرحلة التوفيق والوساطة بمثابة تنازل عن ذلك الشرط، في حين أن العقد الموقع بينهما نص على أنه في حالة فشلت الوساطة أو التوفيق لأي من الطرفين يتم اللجوء إلى هيئة التحكيم، وهو ما اتجهت إليه إرادتهما معاً، وأن آلية الوساطة وسيلة غير ملزمة لفضّ النزاعات ولا سيما أن المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2019 المنظم للوساطة لا ينطبق على النزاع بينهما.. حيث قالت محكمة التمييز إن هذا النعي في محله لأن نظام التوفيق أو الوساطة يرمي إلى تدخل شخص ثالث من الغير للتقريب بين الطرفين للتوصل إلى صلح أو تسوية ودية بينهما، وهذا الشخص ليس محكماً إذ ليس له سلطة الفصل في النزاع بحكم ملزم، إنما هو يعرض اقتراحات على الطرفين للتوفيق بين وجهة نظر كل منهما، من دون أن تكون له سلطة فرض أي تسوية عليهما، وتنتهي مهمة الوسيط إذا نجح في مهمته بإبرام الطرفين تسوية صلح تكون هذه التسوية هي الملزمة لطرفيها بعد إبرامها وإذا لم تتم تسوية الصلح فإن توصية الوسيط لا تمنع الطرفين من الالتجاء بشأن خلافهما إلى القضاء أو التحكيم بحسب الأحوال وهذه القواعد العامة تتفق تماماً مع أحكام قانون الوساطة لتسوية المنازعات والصادر بالمرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2019.
وأضافت أن اتفاق الطرفين على اللجوء أولاً إلى التوفيق أو الوساطة، ثم اللجوء إلى التحكيم إذا لم يرتض أحد الطرفين ما ينتهي إليه الوسيط فإن هذا الاتفاق يلزم الطرفي، كما يلزم هيئة التحكيم بحيث إنه لا يجوز لأي طرف اللجوء مباشرة إلى التحكيم قبل استنفاد وسيلة التوفيق، لما كان ذلك، وكان البيّن من عقد المقاولة المبرم بين طرفي التداعي أنه قد تضمن العقد في حالة نشوء أي نزاع بين رب العمل والمقاول فيما يتعلق بالعقد يجب أن يحال ليتم حله بواسطة المهندس، وأنه في حالة فشل المهندس في إعطاء قراره أو في حالة عدم قناعة أي من صاحب العمل أو المقاول بقرار المهندس، فإنه طبقاً لملحق العطاء والذي يعتبر جزءًا من عقد المقاولة المبرم بين الطرفين يجوز لكل من الطرفين بعد مدة معينة من فشل الوساطة أو التوفيق أن يطلب إحالة المسألة إلى هيئة التحكيم المنصوص على كيفية تشكيلها في العقد.
وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أن اتفاق الطرفين على أن تقييم الوسيط أو توصيته التي سينتهي إليها تكون نهائية وملزمة لكليهما لا يعدّ تنازلاً ضمنياً عن شرط التحكيم المنصوص عليه في عقد المقاولة طالما أن توصية الوسيط لم يعقبها إبرام تسوية بالصلح بين الطرفين، ويبقي النزاع برمّته عالقاً أمام سلطة الحكم باعتبار أن هذه التوصية لا تصلح أن تكون سنداً للتنفيذ الجبري بمقتضاها، وحيث إن الطعن صالح للفصل فيه، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وحكمت في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بعدم سماع الدعوى لوجود شرط التحكيم وألزمت المطعون ضدها مصروفات الطعن بالتمييز.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك