ندوة «التكنولوجيا العسكرية.. الواقع والآفاق» في مركز دراسات
تحذيرات من تهديدات طائرات «الدرونز» على أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي
خبراء: مخاطر من سعي الكيانات دون الدول
لتوظيف التكنولوجيا العسكرية على نحو سيئ
كتب: أحمد عبدالحميد
ضمن سلسلة «حوارات فكرية»، نظّم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» محاضرةً بعنوان «التكنولوجيا العسكرية: الواقع والآفاق»، قدمها كلٌ من الدكتور أشرف محمد كشك، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بإدارة الدراسات والبحوث، ومنى سعد الرصيص، محلل أبحاث بإدارة الدراسات والبحوث، بحضور عددٍ من المهتمين وشركاء المركز، بمقر المركز في العوالي أمس.
وخلال الحوار، أشار الدكتور كشك إلى أن مركز «دراسات» كان من أوائل مراكز الفكر في المنطقة التي أولت موضوع التكنولوجيا العسكرية اهتمامًا كبيرًا من خلال تنظيم مؤتمر التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط عام 2019م، الذي أقيم على هامش معرض البحرين الثاني للدفاع، بالإضافة إلى إعداد بعض الدراسات ذات الصلة بتلك القضية، مؤكدًا وجود اهتمام إقليمي وعالمي بتأثير التطور في مجال الذكاء الاصطناعي على القطاع العسكري من ذلك تخصيص مجلس الأمن جلسةً للمرة الأولى في يوليو 2023م لمناقشة فرص ومخاطر الذكاء الاصطناعي على السّلم والأمن الدوليين.
كما تناول الدكتور كشك في نقاشه أبرز الفرص والتحديات التي تتيحها التكنولوجيا في المجال العسكري وكيفية استفادة دول الخليج العربي منها، وأشار أيضًا إلى وجود بعض التحديات أمام الدول لضمان التوظيف الأمثل للتكنولوجيا في المجال العسكري، فيما تعمل دول الخليج العربي على مواجهتها من خلال توفير متطلبات توطين الصناعات العسكرية، التي تعد عمومًا ضمن رؤاها التنموية.
وخلال الحوار أشار الدكتور كشك إلى أن استهداف المنشآت الحيوية والمدنية في بعض دول الخليج العربي خلال السنوات الماضية قرع جرس الإنذار حول مخاطر توظيف التكنولوجيا على نحو سيئ في الصراعات الإقليمية، بالإضافة إلى تسارع وتيرة بعض الأطراف الإقليمية في توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي في تطوير طائرات مسيرة للطيران بشكل فردي وجماعي، فضلاً عن دور التكنولوجيا العسكرية في إطالة أمد الصراعات في مناطق مختلفة من العالم، مؤكداً أن هناك اهتماما عربيا بتأثير تلك التكنولوجيا على مضمون التدريب العسكري من خلال الاجتماع الأخير لرؤساء هيئات التدريب للقوات المسلحة العربية بمقر جامعة الدول العربية والاتفاق على استحداث تدريبات مشتركة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في جميع أفرع القوات المسلحة، وكذلك اجتماع مجلس الأمن للمرة الأولى لمناقشة تأثير الذكاء الاصطناعي على الأمن والسلم الدوليين وتأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أن الهجمات الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على البنى التحتية تعد تحدياً هائلاً، بالإضافة إلى التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية والبيولوجية.
كما أكد الدكتور كشك أن الذكاء الاصطناعي أضحى له تأثير على عمل الجيوش عموماً من خلال إيجاد قواعد جديدة للحرب الحديثة التي لا تعتمد على الجنود في أرض المعركة بشكل كبير، وتنسيق العمليات العسكرية المعقدة بشكل أسرع واختيار الأهداف بشكل دقيق، وتحديد المخاطر والسرعة في اتخاذ القرارات، وتعزيز التواصل بين القوات المسلحة في الجيوش والسيطرة على الأنظمة المعقدة، إلا أن تلك التكنولوجيا في الوقت ذاته أوجدت مخاطر من بينها إمكانية وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة دون الدول، ودفع الدول إلى تأسيس ما يسمى «بكتائب الردع الإلكتروني» وتخصيص ميزانيات هائلة لذلك، كما أنها أنهت عنصر المفاجأة في الحروب.
وتطرق الدكتور كشك إلى اهتمام دول الخليج العربي بالاستفادة من التكنولوجيا في المجال العسكري ضمن جهودها في التصنيع العسكري مشيداً بالأمر الملكي رقم 23 لعام 2022 بشأن إنشاء المؤسسة العسكرية لتطوير التصنيع الحربي في مملكة البحرين وإشارة المادتين الثانية والثالثة إلى أهمية توظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة ضمن الصناعات العسكرية في المملكة.
وتطرق د. كشك إلى أن خطط تطوير صناعات عسكرية من خلال توظيف التكنولوجيا الحديثة تواجه تحديات منها التطور المتسارع في التكنولوجيا العسكرية ومتطلبات توطين تلك الصناعات سواء البنية التحتية أو التمويل أو احتكار السوق من جانب شركات السلاح الغربية، فضلاً عن البحوث العلمية اللازمة لذلك.
وأكد الدكتور كشك أن عدم وجود اتفاقيات دولية تنظم استخدام التكنولوجيا الحديثة سواء في المجال العسكري أو غيره من أبرز التحديات التي تواجه الدول.
واختتم القول بأنه يمكن لدول الخليج أن تعمل في عدة مسارات لتوظيف التكنولوجيا في مجال الدفاع منها تغيير العقيدة العسكرية للجيوش، وتأسيس كتائب للردع الإلكتروني، والاستفادة من تجارب الدول الكبرى والمنظمات الدفاعية، وإيلاء أهمية لتمارين المحاكاة بشأن سيناريو هجوم يتم فيه استخدام التكنولوجيا العسكرية بالإضافة إلى توطين التكنولوجيا ضمن خطط شاملة.
ومن بين أبرز ابتكارات التكنولوجيا العسكرية الحديثة، تُعد الطائرات بدون طيار «الدرونز» هي مجال الاهتمام الأكبر لكل دول العالم، وهو ما أشارت إليه الآنسة منى سعد الرصيص خلال تقديمها رؤية تحليلية شاملة للتطور الذي شهدته صناعة هذه الطائرات والسوق العالمية لها، بالإضافة إلى تاريخ استخدامها في العديد من الحروب والصراعات الإقليمية، مشيرة إلى أن دول الخليج العربي تولي توظيف التكنولوجيا في مجال الدفاع أهميةً كبرى، سواءً عبر تعزيز قدراتها الذاتية أو تطوير شراكاتها الإقليمية والدولية.
وخلال تقديم عرض تحليلي بعنوان مخاطر التكنولوجيا العسكرية: الطائرات بدون طيار «الدرونز» نموذجاً، أشارت منى الرصيص إلى أن مخاطر تلك الطائرات تتمثل في توافر التكنولوجيا اللازمة لتصنيعها حتى للجماعات دون الدول وإمكانية تزويدها بتقنيات رقمية ومن ثم دقة عمليات المراقبة التي تقوم بها، كما أنها تتميز بسرعة أقل وبإمكانها الطيران على ارتفاع منخفض ومن ثم عدم قدرة الدفاعات على إسقاطها، كما أنها يمكن أن تستخدم على شكل أسراب بما يمكنها من محاصرة طائرة مدنية.
وأشارت إلى واقع السوق العالمية الراهنة لطائرات الدرونز وتأتي الصين في مقدمة الدول المنتجة لها تليها الولايات المتحدة ثم فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة واستراليا، إلا أن التوقعات المستقبلية تشير إلى تغير ذلك الواقع لتكون الولايات المتحدة في المركز الأول تليها الصين، مع وجود دول آسيوية وشرق أوسطية من بينها تركيا ومصر وإسرائيل.
وأشارت الرصيص إلى أن توظيف تلك الطائرات في الصراعات ليس وليد اليوم، ولكنه يعود إلى حقب زمنية مختلفة، كما تم استخدامها في المنطقة العربية خلال حرب أكتوبر 1973 وأيضاً في لبنان عام 1982 والغارات الأمريكية على الجماعات الإرهابية في اليمن عام 2017.
وأكدت أن توظيف تلك الطائرات كان عاملاً حاسما في حسم المعركة لصالح طرف من دون الآخر، كما هو الحال في تفوق انتصار أذربيجان عام 2022 خلال حربها مع أرمينيا، وأشارت إلى أن الخطورة الكبرى تتمثل في سعي الجماعات دون الدول للحصول على تلك الطائرات وتوجد عوامل عديدة تجعلها متاحة منها عدم قدرة بعض الدول على مراقبة السوق المدني للدرونز، وسهولة تصنيعها من خلال برامج عبر شبكة الإنترنت، وسهولة تحويل استخدام الدرونز من الجانب المدني للجانب العسكري، ووفقاً لأحدث التقارير توجد 65 جماعة دون الدول لديها القدرة على استخدام الدرونزلمسافات تصل إلى 1500 كم، وأشارت إلى نماذج لكيفية حصول بعض الجماعات دون الدول على تلك الطائرات، ما سمح لها بتحدي سلطة الدولة، كما هو الحال في عصابات تهريب المخدرات في المكسيك.
وأشارت الرصيص إلى أن هناك جهودا خاصة في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لتصنيع بعض من تلك الطائرات بالإضافة إلى الحصول على التقنيات الحديثة منها من خلال الشراكات الإقليمية والدولية.
كما أشارت إلى أن الأمر لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل إن هناك اهتماما متزايدا بتوظيف طائرات الدرونز خلال الأزمات منها أزمة كورونا وكذلك أحداث الزلزال في تركيا.
واختتمت الرصيص قائلة إن هناك تأثيرات لتلك الطائرات على أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي منها تغيير ترتيب قوة الدول، فلم يعد المعيار هو التسلح التقليدي، زيادة أمد الصراعات الإقليمية، انتهاك سيادة الدول في ظل عدم وجود اتفاقية دولية تنظم استخدام تلك الطائرات أو توظيف التكنولوجيا على نحو سلمي عموماً، وكذلك صعوبة إثبات المسؤولية عن توظيف التكنولوجيا في استهداف المنشآت المدنية، وتغير توازن القوى في بعض الأقاليم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك