تولي مملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، وبمتابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أهمية بالغة لدعم وتعزيز جهود مكافحة الاتجار بالأشخاص، من خلال اتباع المعايير الدولية وإصدار القوانين والتشريعات المنظمة ذات الصلة.
ولعل ذلك الاهتمام يعكس إنجازات المملكة الدولية على ذلك الصعيد من خلال موقعها ضمن الفئة الأولى للعام السادس على التوالي في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، وإصدار القانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص، وإنشاء نظام الإحالة الوطني للربط الإلكتروني، وإقامة مركز حماية ودعم العمالة الوافدة لتقديم الخدمات الوقائية والإرشادية، وتأسيس صندوق لدعم الضحايا بغرض تأهيل وتحسين أوضاعهم المعيشية والمالية، وكون المملكة أول دولة عربية تنشئ نيابة متخصصة في قضايا الاتجار بالأشخاص.
«أخبار الخليج» كان لها لقاء مع المستشار الدكتور علي الشويخ رئيس نيابة الاتجار بالأشخاص، أول رئيس لنيابة الاتجار بالأشخاص، استعرض فيه جهود النيابة العامة لمكافحة الاتجار بالأشخاص وحرص النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين على دعم أعضاء نيابة الاتجار بالأشخاص وتطوير مهاراتهم من خلال الالتحاق ببرنامج «دبلوم اختصاصي في مكافحة الاتجار بالبشر» بتنظيم من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يشتمل على محاضرات وورش عمل في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، كما استعرض صور الاستغلال في جرائم الاتجار بالأشخاص، ومن هم الأكثر عرضة ليكونوا ضحايا سواء في الجرائم الخاصة بالاستغلال الجنسي أو في جرائم العمل القسري..
وإلى نص الحوار:
- للعام السادس على التوالي تصنف مملكة البحرين في الفئة الأولى في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المعني بتصنيف الدول بمجال مكافحة الاتجار بالأشخاص – ماذا يمثل هذا التصنيف وما دلالة وجود البحرين الدائم؟
لا شك أن تبوء البحرين الفئة الأولى في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للعام السادس على التوالي دليل على استمرار نجاح جهود المملكة في مكافحة الاتجار بالأشخاص واستيفائها كل المقومات اللازمة لمكافحة تلك النوعية من الجريمة من خلال المنظومة التشريعية والمؤسسية المتكاملة التي نشهدها ونعمل بمقتضاها، والتي جاءت تجسيدًا للرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، وبدعم وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في تعزيز حقوق الإنسان وتوفير سبل الإنصاف والعدالة ضمن استراتيجية شاملة قائمة على أسس احترام الإنسان وضمان حقوقه.
تلك النجاحات التي تحققت قد نشأت نتيجة هذه المقومات مجتمعة فضلاً عن التزام المؤسسات المعنية بالرؤية السامية وهذه الاستراتيجية الشاملة والتي كان للنيابة العامة إلى جانب غيرها من السلطات والجهات المختصة دور مهم في تنفيذها، وهو ما ترتب عليه تبوء مملكة البحرين الصدارة عن استحقاق في ذلك التقرير الدولي المعني بمكافحة الاتجار بالأشخاص.
ـ البحرين أولى الدول العربية التي تنشئ نيابة متخصصة في جرائم الاتجار في الأشخاص، وكونك أول رئيس لتلك النيابة – كيف تقيم دورها وأعمالها على مدار 3 سنوات من إنشائها؟
كما ذكرت، فإن للنيابة العامة دورا مهما في إنفاذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ومساهمة فعالة إلى جانب الأجهزة والجهات المعنية في الحد من مظاهر هذه النوعية من الجرائم، وذلك عبر إجراءات النيابة الجادة في التصدي من خلال الدعوى الجنائية وتوفيرها التخصص الدقيق في التحقيق في صور الاستغلال المختلفة التي تشكل هذه الجرائم والمتمثل في إنشاء نيابة الاتجار بالأشخاص، وما تضطلع به هذه النيابة المتخصصة بتوجيهات وتحت إشراف النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين من مهام لحماية ورعاية الضحايا والشهود وضمان حقوقهم القانونية، ويمكن إيجاز تقييم دور نيابة الاتجار بالأشخاص في أن جهود الدولة في مكافحة الجريمة وتقويضها قد تعزز بوجود هذه النيابة وقدرتها على المساهمة في تطوير استراتيجية المكافحة بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية ذات العلاقة.
ـ هل لنا أن نتطرق إلى كيفية إعداد وتدريب منتسبي نيابة الاتجار بالأشخاص؟
يتم تدريب أعضاء نيابة الاتجار بالأشخاص من خلال الدورات وورش العمل الداخلية والخارجية المتخصصة في ذات المجال بالتعاون مع جهات عديدة منها معهد الدراسات القانونية والقضائية ووزارة الداخلية وهيئة تنظيم سوق العمل. فضلاً عما يكتسبونه من خبرات من خلال المشاركة في الاجتماعات مع الجهات المختصة وإعداد التقارير الدورية بالإضافة إلى أنه يتم إلحاق أعضاء النيابة ببرنامج «دبلوم اختصاصي في مكافحة الاتجار بالبشر» بتنظيم من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يشتمل على محاضرات وورش عمل في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص.
أعضاء نيابة الاتجار بالأشخاص أصبحت لديهم اليوم من الخبرات التي تؤهلهم لتدريب مأموري الضبط القضائي، ونجد أن معهد الدراسات القضائية والقانونية يقوم بتنظيم محاضرات وورش عمل يقدمها أعضاء النيابة لمأمور الضبط القضائي في مواضيع مختلفة منها جرائم الاتجار بالأشخاص.
- دائما يرتبط بأذهان البعض أن جرائم الاتجار بالأشخاص متعلقة فقط بالإجبار على الأعمال المنافية للآداب، هل هي قاصرة على ذلك فقط،
- وما تعريف الاتجار بالأشخاص بشكل عام، والأشكال التي تتخذها هذه الجريمة في البحرين؟
المقصود بالاتجار في الأشخاص هو تجنيده ونقله أو تنقيله أو إيوائه بغرض إساءة استغلاله عن طريق الإكراه، أو التهديد أو الحيلة أو باستغلال الوظيفة أو النفوذ واستعمال السلطة على ذلك الشخص أو بأي وسيلة غير مشروعة سواء مباشرة أو غير مباشرة، وتشمل أشكال إساءة الاستغلال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو العمل والخدمة قسراً أو الاسترقاق والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد ونزع الأعضاء.
كذلك تعتبر جريمة الاتجار بالأشخاص إذا كانت تلك الأفعال قد وقعت على من هم دون الثامنة عشرة من عمرهم أو من هم في حالة ظرفية أو شخصية لا يمكن معها الاعتداد برضائهم أو حرية اختيارهم متى كان ذلك بغرض إساءة استغلالهم ولو لم يقترن الفعل بأي من الوسائل غير المشروعة السالفة البيان.
- ومن الأشخاص الأكثر عرضة للاتجار، وهل يمكن أن يكون الضحايا ليسوا على علم أنهم بالفعل ضحايا يتم الاتجار بهم؟
كما ذكرت تتنوع صور الاستغلال في جرائم الاتجار بالأشخاص، وبتنوعها تختلف الضحايا المستهدفة من ورائها، ففي الجرائم الخاصة بالاستغلال الجنسي تكون النسبة الكبرى من الضحايا من النساء، أما في جرائم العمل القسري فالنسبة الأكبر من الضحايا تكون للعمالة الأجنبية.
أما بالنسبة لمدى علم الشخص بأنه مجني عليه في جريمة الاتجار فهذا أمر تكشف عنه التحقيقات من خلال استبيان الظروف الواقعية والملابسات الدالة على حصول استغلال ذلك الشخص، وهنا يوجب القانون إفهام الشخص بأنه ضحية لتلك الجريمة، وتوفر له الحماية وأوجه الرعاية اللازمة. وبطبيعة الحال نراعي كذلك الضمانات المقررة للضحايا المحتملين من هذه الجريمة.
- هل العقوبات على المتهمين بجرائم الاتجار في الأشخاص كافية للردع؟
عقوبات قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص جاءت رادعة بالفعل، فالمادة الثانية من القانون عاقبت مرتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن وبالغرامة التي لا تقل عن ألفي دينار ولا تجاوز عشرة آلاف دينار، وفي حالة الحكم بالإدانة يلتزم الجاني بدفع المصاريف، بما فيها مصاريف إعادة المجني عليه إلى دولته إذا كان أجنبياً، وتأمر المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأمتعة والأدوات وغيرها مما يكون قد استعمل أو أعد للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصل منها.
كما نصت المادة الثالثة من نفس القانون على المعاقبة بالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف ولا تجاوز مائة ألف دينار كل شخص اعتباري ارتكبت جريمة الاتجار بالأشخاص باسمه أو لحسابه أو لمنفعته من أي رئيس أو عضو مجلس إدارة أو مسؤول آخر في ذلك الشخص الاعتباري أو تابع له أو ممن يتصرف بهذه الصفة، ولا يخل ذلك بالمسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين الذين يعملون لدى الشخص الاعتباري أو لحسابه طبقاً لأحكام هذا القانون، كما يجوز للمحكمة أن تأمر بحل الشخص الاعتباري أو بغلقه كلياً أو مؤقتاً، ويسري هذا الحكم على فروعه، كما تأمر المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة الأموال والأمتعة والأدوات وغيرها مما يكون قد استعمل أو أعد للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصل منها، ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً مع الشخص الطبيعي عن المصاريف، بما فيها مصاريف إعادة المجني عليه إلى دولته إذا كان أجنبياً.
كما أن المشرع لم يكتف بذلك بل وضع وحدد الظروف التي يمكن من خلالها اعتبار الواقعة تستحق ظرفاً مشدداً للعقوبة، طبقا للمادة الرابعة التي أشارت إلى أنه يعد ظرفاً مشدداً للعقوبة في جريمة الاتجار بالأشخاص إذا ارتكبت الجريمة بواسطة جماعة إجرامية، وإذا كان المجني عليه دون الخامسة عشرة أو أنثى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإذا كانت الجريمة ذات طابع غير وطني، وإذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان المجني عليه خادماً عنده، أو إذا أصيب المجني عليه بمرض لا يرجى الشفاء منه نتيجة ارتكاب الجريمة.
- وماهي الضمانات والحقوق التي يتم توفيرها للضحية لحمايتها خلال سير الدعوى؟
البداية تكون بإفهام المجني عليه بحقوقه القانونية بلغة يفهمها، وتمكينه من بيان وضعه باعتباره ضحية لجريمة اتجار بالأشخاص وكذلك وضعه القانوني والجسدي والنفسي والاجتماعي، وعرضه على طبيب مختص إذا طلب هو ذلك، أو إذا تبين أنه بحاجة إلى رعاية طبية أو نفسية، وإيداع المجني عليه أحد مراكز التأهيل الطبية أو النفسية أو دور الرعاية إذا تبين أن حالته الطبية أو النفسية أو العمرية تستدعي ذلك، بالإضافة إلى إيداع المجني عليه أحد المراكز المختصة للإيواء أو التأهيل أو لدى جهة معتمدة تتعهد بتوفير سكن له إذا تبين أنه بحاجة إلى ذلك مع ترتيب الحماية الأمنية للمجني عليه متى اقتضى الأمر ذلك، علاوة على مخاطبـة لجنة تقييم وضعية الضحايا الأجانب لإزالة أية معوقات تعرض لها المجني عليه ومن ذلك إيجاد عمل له إن وجدت الحاجة إليه.
- يزعم المتهمون دائماً في جرائم الاتجار بالأشخاص خاصة فيما يتعلق بالإجبار على الأعمال المنافية للآداب، بعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم بسبب تسفير المجني عليهم، هل هناك تعارض بين تسفير المجني عليهم وبين الإخلال بحق المتهم في الدفاع عن نفسه؟
القانون دائماً ما يكون هو المحدد لأية إجراءات تتخذ بشأن المجني عليهم في قضايا الاتجار بالأشخاص محدد بطبيعة الحال من القانون الذي حدد اختصاص النيابة العامة أو المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجنائية بتقدير ما إذا كانت ثمة ضرورة لبقاء المجني عليه في المملكة أثناء السير في إجراءات التحقيق أو المحاكمة، واختصاصها باتخاذ الإجراءات المنصوص عليها قانوناً وإثبات ذلك في محاضر التحقيق أو محاضر الجلسات حسب الأحوال. على أن ترفق بها كافة التقارير المتعلقة بالمجني عليه.
وبالتالي فإن قدّم المجني عليه في قضايا الاتجار بالأشخاص خطابا برغبته في السفر وقدّرت النيابة العامة بعدم الحاجة إليه في البقاء في المملكة فيتم تسهيل له إجراءات السفر بموجب القانون، وهو أمر تقدره النيابة العامة أو المحكمة المختصة بنظر القضية، ولا يخل بحق الدفاع كون أن أقوال المجني عليه تكون مدونة في محاضر التحقيقات تحت رؤية قانونية بحتة، كما أن المحكمة لا تعتمد فقط على أقوال المجني عليه ولكن على تقارير فنية أو تصوير أمني وأقوال شهود وتحريات أمنية موثقة وأدلة كافية ليست من طرف واحد، بالإضافة إلى أن استخدام تقنيات النقل الأثيري متاحة للتطبيق اذا استدعت الحاجة.
- جريمة الاتجار بالأشخاص ثالث أكبر جريمة على مستوى العالم يكون فيها مردود مالي عالي بعد تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات، ما دور النيابة في التعاون للكشف عن الجرائم الأخرى المرتبطة بجرائم الاتجار بالبشر؟
بالفعل جرائم الاتجار في الأشخاص هي من الجرائم المتشابكة، ولذلك كانت خطوات النيابة العامة استباقية في هذا الإطار عبر إصدار النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين قراراً بتنظيم تلك العلاقة والإجراءات المتبعة حال التحقيق في جرائم الاتجار بالأشخاص، خاصة إذا تبين وجود شبهة جريمة غسل أموال وبالتالي نقوم بإجراء تحقيق مواز نرسله لنيابة الجرائم المالية وغسل الأموال التي بدورها تباشر التحقيق في جريمة غسل الأموال المثارة في نيابة الاتجار بالأشخاص، وبالمناسبة تم تقديم العديد من القضايا إلى المحكمة في قضايا ترتبط بالاتجار في الأشخاص وغسل الأموال وتصدر أحكام منفصلة في كل منهما.
- هل دور النيابة فقط مباشرة التحقيق في تلك الجرائم أم لها أدوار توعوية أخرى تمنع وقوع الجريمة من البداية وما هي طرق الإبلاغ عن جرائم الإتجار بالأشخاص؟
هناك تعليمات من النائب العام بضرورة مشاركة النيابة العامة في دعم استراتيجية المكافحة من خلال نقل ما تقف عليه النيابة من طرائق مستحدثة في ارتكاب الجريمة إلى اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص لأخذها في الاعتبار عند وضع الاستراتيجية، ومن ناحية أخرى تسهم النيابة العامة في توعية المجتمع ورفع قدرات مأموري الضبط القضائي المختصين من خلال ما تنظمه من محاضرات وورش العمل والمداخلات الإعلامية، فضلاً عما تقوم به نيابة الاتجار بالأشخاص من نشر دوري للقضايا المحالة للمحاكمة أو التي صدرت بشأنها أحكام.
ـ هل تواجهون أية صعوبات أو تحديات خلال التحقيق في قضايا الاتجار بالأشخاص؟
في بعض الحالات قد تتعدد إجراءات التحقيق حينما تكون جريمة الاتجار بالأشخاص ذات طابع دولي لارتكابها في عدة دول، مما يتطلب توجيه طلبات المساعدة القضائية إلى السلطات النظيرة في الخارج لاتخاذ إجراءات تحقيق معينة على إقليمها لغرض ملاحقة الجناة ورصد أدلة الجريمة، وقد اتخذت النيابة العامة عدة إجراءات مماثلة في هذا الشأن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك