شهدت أسواق الغذاء العالمية ضغوطا في الفترة الأخيرة وخاصة بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب، ثم إعلانها حظر تصدير الأرز مؤقتا، بعد يوم من إعلان الهند (أكبر دولة مصدرة للأرز) حظر تصديره، وكذا إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة حظر إعادة تصدير الأرز مؤقتا أيضا، هذه المتغيرات أعادت ملف الأمن الغذائي إلى الواجهة، وقد طرحنا تساؤلات على النواب والشوريين ورجال الأعمال والخبراء المعنيين بهذا الملف للتعرف على رؤيتهم للتعامل هذه القضية الحيوية.
ورغم إشادات البعض بقدرة البحرين ودول الخليج على توفير السلع الغذائية حتى في ظل الأزمات كجائحة كورونا وانقطاع سلاسل الامداد فإن البعض الآخر أكد أن قرارات عدد من الدول حظر تصدير السلع الأساسية تعتبر ناقوس خطر يجب الانتباه له من خلال العمل على تبني خطة وطنية استراتيجية لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، وخاصة أن الأزمات العالمية الأخيرة كشفت عن هشاشة الأمن الغذائي في العديد من دول العالم.
المعرفي رئيس التحقيق النيابية في «الأمن الغذائي»:
تبني خطة وطنية استراتيجية لزيادة الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية
عبر النائب محمد يوسف المعرفي رئيس لجنة التحقيق النيابية في الأمن الغذائي عن تخوفه من الآثار السلبية لقرار الهند الأخير منع تصدير الأرز الأبيض (غير البسمتي) الذي تعد الهند أكبر مصدّر له على مستوى العالم، إذ سيسهم هذا القرار بشكل مباشر في ارتفاع أسعار الأرز الذي يعد الغذاء الرئيسي لعدد كبير من دول العالم.
واعتبر المعرفي أن مثل هذه القرارات تدق ناقوس الخطر داخليًا وتنذر بأهمية الالتفات إلى ملف الأمن الغذائي ودراسته ومناقشته بشكل أكثر عمقًا وجدية، ولا سيما أن جميع التقارير الاستراتيجية الصادرة من مراكز الابحاث العالمية تُنبئ بأن الحروب القادمة ستكون حول الماء والغذاء بشكل اساسي.
وأشار المعرفي الى اهمية ان تلتفت الحكومة إلى مسألة تنويع مصادر الاستيراد بحيث لا يكون اعتمادنا على مصدر واحد في توفير السلع الاساسية بشكل خاص، بالإضافة الى ضرورة وجود مخزون استراتيجي كاف من الحبوب والسلع الغذائية الأساسية يساعد على تجاوز الكوارث والأزمات التي قد تحدث في البحرين أو في الدول المصدرة كما هو الحال مع أوكرانيا حاليًا.
وفي السياق ذاته دعا المعرفي الى تبني الحكومة خطة وطنية استراتيجية تهدف الى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، وتوفير الحلول المبتكرة في المجال الزراعي والحيواني، مع أهمية انشاء استثمارات حكومية ضخمة في هذا المجال، وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية التي تسهم في تزويد الاسواق المحلية بالسلع الأساسية.
وفي الختام شدد المعرفي على اهمية تفعيل الدور الرقابي للحكومة على الأسواق ومراقبة أسعار الأرز بشكل مستمر لمنع استغلال بعض التجار للأزمة على حساب معيشة وغذاء المواطن.
د. عبدالله الذوادي عضو «استشارية المجلس الأعلى لدول التعاون»:
تعزيز قدرات دول الخليج على إنتاج الغذاء
أكد د. عبدالله الذوادي عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي أن دول الخليج العربي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء لتلبية احتياجات سكانها. وهذا الاعتماد يعرضها لتقلبات الأسعار العالمية، وقد يتعرض للتهديد في حالة حدوث أزمات عالمية مثل نقص الإمدادات أو النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، تواجه دول الخليج العربي تحديات النمو السكاني السريع والتحديات البيئية والمناخية نتيجة لندرة الموارد المائية والأراضي الزراعية المناسبة.
وقال الذوادي: لذلك يجب على دول الخليج وضع الخطط والاستراتيجيات بعيدة المدى لتعزيز قدرتها على إنتاج الغذاء محليًا وخليجيًا بنسبة لا تقل عن 80% تدريجيا من احتياجاتها الغذائية لتوفير الأمن الغذائي، وذلك من خلال دعم القطاع الزراعي وتطوير التقنيات الزراعية المبتكرة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق في التنبؤ والتحليل المعلوماتي بشكل مستمر ودقيق بالإضافة على الاعتماد على مجموعة متنوعة من المحاصيل والموارد الحيوانية والبحرية.
وشدد على أنه يجب اتخاذ إجراءات للحد من المؤثرات السلبية على الزراعة والبيئة والموارد الطبيعية البحرية، بالإضافة الى تعزيز التعاون الإقليمي والتبادل التجاري في مجال الغذاء من خلال التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع دول عربية أخرى وتعزيز الاستثمارات الواسعة في القطاع الزراعي والحيواني. ويجب ايضا أن يتم تقديم دعم للجامعات والمؤسسات البحثية، وتشجيع التعاون بين القطاع الأكاديمي والقطاع الخاص لتطوير حلول فعالة ومبتكرة لزيادة الإنتاج الغذائي.
النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى:
مبادرات حكومية ناجحة أسهمت في استقرار السوق المحلية
قالت الدكتورة جهاد الفاضل النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى: كما يعرف الجميع فإن الحروب تلقي بظلالها السلبية على ملف الأمن الغذائي، وكان المتوقع أن يجري تمديد اتفاق الحبوب من أجل ضمان استدامة الغذاء للدول التي تعاني من تدهور في مؤشرات الأمن الغذائي، وبحسب التقارير الدولية فإن انهيار الاتفاق يسهم بشكل كبير في نقص الأسواق العالمية من أهم أنواع الأغذية وهو القمح، الذي تعتبر أوكرانيا وروسيا من أبرز مصدريه إلى العالم.
أما بشأن المخاوف العالمية من ارتفاع الأسعار فأوضحت د. الفاضل أن ذلك متوقع بالنسبة إلى الدول التي تعتمد في استيرادها الحبوب على اوكرانيا، لأنها ستجد نفسها مضطرة إلى بناء شراكات جديدة مكلفة مع دول أخرى، وكما قرأت فإنه منذ الاعلان الروسي تعليق تمديد الاتفاق فقد ارتفعت أسعار القمح بنسبة ?% وهي نسبة مرشحة للزيادة في ظل غياب الاتفاق، وأتوقع ان تنعكس الزيادة في أسعار الغذاء بالأسواق العالمية لتشمل سلعا أخرى ما قد يزيد من موجة الغلاء والتضخم في الدول المختلفة التي لا توجد لديها تدابير وطنية لتحجيم الغلاء ومواجهة التضخم.
وعن أهمية وجود استعدادات وطنية لمواجهة التحديات شددت النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى على أن هذه الاستعدادات متحققة من خلال المبادرات الحكومية الناجحة التي اسهمت في استقرار السوق المحلية من خلال توفير السلع بشكل مستمر ووضع خطة لتأمين تدفقها عدة أشهر. وأضافت: يمكن تعزيز هذه المبادرات من خلال عدة أمور، من بينها: وجود تشريع وطني يضمن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من السلع الضرورية، وقد تقدمت بهذا الاقتراح بقانون (المخزون الاستراتيجي للسلع الضرورية) ومن المحتمل ان اقوم بتقديمه مجددا بعد إدخال بعض التعديلات عليه، والأمر الآخر قد يكون بتسريع انشاء الشبكة الخليجية للأمن الغذائي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، وسيكون لها التأثير الكبير في سد أي شح لدى أي من بلدان الخليج.
رجل الأعمال إبراهيم زينل:
لتنظر الدولة إلى القطاع الغذائي نظرة ودية
أكد رجل الأعمال إبراهيم زينل أن ملف الأمن الغذائي بات يثار مع كل أزمة إقليمية أو عالمية تؤثر على إمدادات الغذاء في العالم، مشددا على أنه لا يمكن اتخاذ إجراءات آنية في ظل الأزمات، ولكن في الوقت نفسه لا بد أن نؤكد أن منطقة الخليج ولله الحمد تتمتع بكفاءة في توفير السلع الغذائية في كل الظروف، ولم تشهد المنطقة نقصا في أي سلعة غذائية حتى في ظل الأزمات، حتى أثناء فترة جائحة كورونا وانقطاع سلاسل الإمداد لم تتأثر المنطقة من ناحية توافر الغذاء.
وقال إن الأمن الغذائي يرتكز على السلع الغذائية الأساسية وليس السلع الجانبية التي يمكن توفيرها بالزراعة، موضحا أن السلع الاستراتيجية هي القمح، والزيوت النباتية، والأرز، وهي منتجات لا يمكن انتاجها محليا نتيجة لظروف البيئة والمساحة الجغرافية، ولذلك سنكون تحت رحمة الاستيراد.
وأضاف قائلا: قضية الأمن الغذائي تحظى بالاهتمام في أوقات الأزمات فقط، ويجب ألا تكون «جعجعة وقت الشدة بلا طحين».
وأوضح أننا في بيئة غير زراعية ونعاني من نقص الأراضي الزراعية، وستظل البحرين ودول الخليج تعتمد على الاستيراد من الخارج لتغطية احتياجاتها من السلع الأساسية، لذلك علينا أن عمل بناء مخزون استراتيجي في المنطقة وهذا يستدعي بناء صوامع ومخازن ضخمة لتخزين هذه السلع، مضيفا أن هذا لن يكون مجديا من الناحية التجارية للقطاع الخاص، ويحتاج إلى ضخ أموال استثمارية طويلة الأجل وهذا يتم من خلال تمويل الحكومات، لذلك يجب أن يتم توجيه جزء من المدخرات والاحتياطيات لبناء مخزون كاف من السلع الاستراتيجية.
ولفت رجل الأعمال إبراهيم زينل إلى أن المخزون المتوافر من الأرز أو القمح في البحرين تكفي مدة ما بين 4 و6 أشهر ويجب أن يتم العمل على زيادة هذا المخزون ليكفي ما بين 9 و12 شهرا على الأقل، وبما أن هذه النوعية من السلع عرضة للتلف فيجب العمل على توفير الصوامع التي تضمن التخزين بالصورة الصحيحة لها.
وأكد زينل أن البحرين ودول الخليج تتمتع بالحرية الاقتصادية التي تتيح حرية الاستيراد في ظل عدم وجود قيود على توفير العملات الأجنبية مقارنة ببعض الدول الأخرى، وذلك فإن القطاع الخاص يؤدي دورا رئيسيا في الأمن الغذائي، ولذلك لا بد من توفير البيئة المشجعة للاستثمار في هذا القطاع وتقديم المزيد من التسهيلات التجارية للمستثمرين فيه، مطالبا الدولة بأن تنظر إلى القطاع الغذائي بمرونة أكثر مع منح الأولوية للمشاريع الزراعية سواء المخازن والصوامع أو المصانع الغذائية من خلال تقديم تخفيضات في البنية الأساسية والماء والكهرباء.
واختتم زينل حديثه قائلا: ننتظر من الدولة نظرة ودية للقطاع الغذائي.
المحلل الاقتصادي علي فقيه: الحرب الروسية الأوكرانية كشفت هشاشة الأمن الغذائي عالميا
قال علي فقيه المحلل الاقتصادي في مركز «دراسات»: يمكن أن يكون لنهاية صفقة الحبوب الأوكرانية تأثيرات متعددة على سوق الحبوب العالمية ومن ثم تؤثر على الأسعار، فأوكرانيا هي واحدة من أكبر منتجي الحبوب والمصدرين في العالم، والمعروفة بشكل خاص لإسهاماتها الكبيرة في إمدادات القمح والذرة العالمية. ونتيجة لذلك فإن أي اضطراب في صادراتها من الحبوب يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار ويؤثر على الأمن الغذائي العالمي.
كما يعلم الجميع، الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن هشاشة الأمن الغذائي في العديد من دول العالم، ولتجنب ارتفاع الأسعار وضمان الاستقرار في سوق الحبوب العالمية يجب على البلدان اتخاذ تدابير معينة:
1- تنويع مصادر الإمداد: ينبغي للبلدان أن تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها من الحبوب للتخفيف من أثر الاضطرابات في أي بلد أو منطقة بعينها. ويمكن أن يشمل ذلك توسيع العلاقات التجارية مع مجموعة أوسع من البلدان المصدرة للحبوب، ما يقلل من الاعتماد على عدد قليل من الجهات الفاعلة الرئيسية كأوكرانيا.
2- تعزيز الإنتاج المحلي: يمكن للحكومات تنفيذ السياسات وتقديم الحوافز لتعزيز ريادة الأعمال في القطاع الزراعي والإنتاج المحلي للحبوب، بهدف تقليل الاعتماد على الواردات. يمكن أن تساعد زيادة الإنتاج المحلي في سد فجوة العرض والطلب والمساهمة في استقرار الأسعار.
3- تعزيز التعاون والتجارة العالميين: يجب على البلدان إعطاء الأولوية للحفاظ على ممارسات التجارة المفتوحة والعادلة في سوق الحبوب. ويمكن للجهود التعاونية، مثل الاتفاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف بين الدول، أن تعزز الاستقرار وتمنع تشوهات السوق. فمثلاً، يمكن لدول الخليج العربي أن تعزز تعاونها مع دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) والتكتلات الاقتصادية الأخرى.
4- الاستثمار في البنية التحتية الزراعية: يجب أن تعمل الحكومات وكيانات القطاع الخاص على الاستثمار في تحسين البنية التحتية الزراعية، بما في ذلك مرافق النقل والتخزين والمعالجة، مثلاً احتياطي الحبوب. تتيح البنية التحتية الفعالة تجارة الحبوب بشكل أكثر سلاسة وتقليل الخسائر، ومن ثم المساهمة في استقرار الأسعار.
5- الاستثمار في البحث والتطوير: هناك دول عديدة استثمرت في البحث العلمي وخصوصاً في كيفية رفع مستوى الانتاج والأمن الغذائي مثل سنغافورة أحد أعضاء رابطة آسيان ودولة الامارات. وهناك العديد من المجالات التي يمكن دعمها بحسب احتياجات الدولة، وأمثلة على ذلك في تحسين إنتاجية المحاصيل، الممارسات الزراعية المستدامة، التكيف مع تغير المناخ، إدارة الآفات والامراض، وغيرها من المجالات المهمة.
واختتم تصريحه قائلا: من الضروري أن تكون الدول متيقظة وأن تتخذ خطوات استباقية للتخفيف من العواقب السلبية المحتملة لإنهاء صفقة الحبوب الأوكرانية، وإن معالجة هذه القضية بشكل جماعي من خلال التعاون الدولي والسياسات الاستراتيجية يمكن أن تساعد في ضمان الأمن الغذائي العالمي والاستقرار في أسعار الحبوب. ولكن الاستراتيجيات المحلية مهمة بشكل أكبر في إيجاد الحلول لو حصلت أي من السيناريوات المحتملة كإنهاء اتفاقية الحبوب التي أثرت بشكل كبير على الأمن الغذائي العالمي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك