أيدت المحكمة الاستئنافية العليا المدنية قرارا للخدمة المدنية بفصل موظف بقسم الصيدلية بالسلمانية بعد إدانته بعقوبة جنائية، حيث طعن على الحكم على سند أنه يخضع في أموره الوظيفية لأحكام قرار صادر في 2021 من المجلس الأعلى للصحة وليس قانون الخدمة المدنية، كما زعم إن قرار فصله مبالغ فيه، إلا أن المحكمة أكدت أن الواقعة التي أدين بها جنائيا تعود تفاصيلها إلى قبل تطبيق القرار الصادر من الأعلى للصحة وبالتالي فهو خاضع لقانون الخدمة المدنية بالإضافة إلى أن الجنائية التي ارتكبها تمثل جريمة مخلة بالشرف.
وقال المدعي في دعواه إنه يعمل بقسم الصيدلة في مجمع السلمانية الطبي ووجهت إليه تهمتي إهدار المال العام والاختلاس وقضى بإدانته بالحبس مدة ستة أشهر ونفذ العقوبة كاملة إلى إخلاء سبيله وتم صرف راتبه الأساسي بعد تنفيذ العقوبة إلا أنه منع من العودة إلى العمل، فرفع دعواه طالبا إلغاء القرار الضمني برفض إعادته للعمل مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها صرف راتبه من ذلك الوقت، أو تعويضاً يعادل أجره من تاريخ إيقاف صرف الأجر وحتى إعادته إلى العمل، وفي جميع الأحوال إلزام المدعى عليهم بالرسوم والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقدرها 600 دينار.
ورفضت محكمة اول درجة دعواه على أساس أن الجريمة التي أدين بها طبقًا للمعيار الذي استقر في أحكام القضاء الإداري عمومًا من الجرائم المخلة بالشرف؛ لما ينطوي عليه فعل المدعي من ضعف في الخلق وفساد في الطبع والسلوك، وإذ قدرت السلطة المختصة بعد موافقة ديوان الخدمة المدنية أن بقاء المدعي يتعارض مع مقتضيات الوظيفة وطبيعة العمل، وقد خلا مسلكها مما يفيد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، ومن ثم فإن القرار المطعون عليه الصادر بإنهاء خدمة المدعي، يكون قائمًا على سببه الصحيح.
إلا أن المدعي لم يرتض ذلك الحكم فطعن امام محكمة الاستئناف على سند مخالفة حكم أول درجة للقانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، زاعما أنه يخضع في أموره الوظيفية لأحكام قرار رقم 52/2021 الصادر من المجلس الأعلى للصحة وليس قانون الخدمة المدنية، كما أن استمارة إنهاء الخدمة على فرض أنه قرار إداري بإنهاء الخدمة فقد صدر معيباً من غير السلطة المختصة ومن دون مراعاة الإجراءات والشكل الذي يتطلبه القانون، فضلاً عن صدور القرار المطعون فيه مشوباً بعيب التعسف في استعمال السلطة وعدم تناسبه مع ما اقترفه المستأنف.
سريان القانون
إلا أن محكمة الاستئناف أكدت مبدأ قانونيا مهما أشار إلى أن القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تقع تحت سلطانه، أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه، وهذا هو مجال تطبيقه الزمني، ويسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تتمُّ بعد نفاذه، ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي وقعت أو تمَّتْ قبل نفاذه إلا بنص صريح.
وأشارت إلى أن قاعدة سريان القانون من حيث الزمان لها في الحقيقة وجهان: (وجه سلبي) يتمثل في انعدام أثره الرجعي، (ووجه إيجابي) ينحصر في أثره المباشر، فبالنسبة إلى عدم الرجعية، فإن القانون الجديد ليس له أثر رجعي، أي أنه لا يحكم ما تم في ظل الماضي، فإذا كان الوضع القانوني قد تكّون أو انقضى في ظل القانون القديم، فلا يملك القانون الجديد المساس بهذا الوضع، أما بالنسبة إلى الأثر المباشر فإنه وإن كان القانون الجديد ليس له أثر رجعي، إلا أن تقرير هذا المبدأ وحده لا يكفي لحل التنازع بين القوانين في الزمان، فالقانون الجديد بما له من أثر مباشر تبدأ ولايته من يوم نفاذه، ليس فقط على ما سوف ينشأ من أوضاع قانونية في ظله، ولكن كذلك على الأوضاع القانونية التي بدأ تكوينها في ظل القانون القديم ولم يتم هذا التكوين، أو لم يتم انقضاء هذه الأوضاع إلا في ظل القانون الجديد.
وقالت إن الثابت من أوراق الدعوى فإن الواقعة التي ارتكبها المستأنف كانت في غضون عام 2020 وتمت إدانته بموجب حكم جنائي صدر في فبراير 2021، وعدلت العقوبة في يونيو من نفس العام 2021، ومن ثم فإن المركز القانوني للمستأنف قد تكّون في ظل قانون الخدمة المدنية، وقبل نفاذ سريان قرار رئيس المجلس الأعلى للصحة بإصدار لائحة تنظيم شؤون العاملين بالمؤسسات الصحية الحكومية الساري اعتباراً من أغسطس 2021، وبالتالي يظل قانون الخدمة المدنية هو الذي يحكم الواقعة بشأن حالة المستأنف.
العقوبة المخلفة بالشرف
وأضافت المحكمة أن قانون الخدمة المدنية أوضح حالات إنهاء خدمة الموظف، والتي منها الحكم على الموظف بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ويستثني حالتين من إنهاء الخدمة وهما إذا صدر الحكم مع وقف التنفيذ فيكون الفصل جوازيا للسلطة المختصة ولكن بعد موافقة ديوان الخدمة المدنية، والحالة الثانية إذا كان الحكم قد صدر عليه لأول مرة فإن ذلك لا يؤدي إلى انتهاء الخدمة إلا إذا قدرت السلطة المختصة بعد موافقة ديوان الخدمة المدنية بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظروف الواقعة أن بقاء الموظف يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل.
وأشارت إلى أنه لم يضع تعريفا جامعا مناسبا للجريمة المخلة بالشرف أو الأمانة حتى يمكن تطبيقه بطريقة صماء في كل حالة كما أنه لم يحدد ما يعتبر من الجرائم مخلا بالشرف أو الأمانة، موضحة أن المشرع فعل ذلك حتى يكون هناك مجال للتقدير وأن تكون النظرة إليها من المرونة بحيث يساير تطورات المجتمع، فالجريمة المخلة بالشرف والأمانة هي تلك التي ينظر إليها المجتمع على أنها كذلك، وينظر إلى مرتكبها بعين الازدراء والاحتقار ويعتبر ضعيف الخلق منحرف الطبع دنيء النفس ساقط المروءة، فإذا نمت الجريمة بحسب الظروف التي ارتكبت فيها عن ضعف في الخلق أو انحراف في الطبع أو تأثر بالشهوات والنزوات أو سوء السيرة كانت مخلة بالشرف أو الأمانة وتنتهي بها الخدمة بقوة القانون، وإن لم تنم عن شيء من ذلك فلا تعتبر مخلة بالشرف أو الأمانة وذلك بصرف النظر عن التسمية المقررة لها في القانون.
الحكم الجنائي
وحول الواقعة أشارت إلى أن الثابت من أوراق الدعوى أن المستأنف كان يشغل وظيفة صيدلاني وقد اتهم بارتكاب جريمة الاستيلاء على المال العام، واختلاس المال العام، وصدر حكما نهائيا بحقه، وبناء عليه تم عرض الأمر على السلطة المختصة والتي ارتأت أن ذلك الحكم يوجب إنهاء خدمة المستأنف على ضوء ما ثبت من أسباب الحكم، وقامت بعرض الأمر على ديوان الخدمة المدنية لأخذ موافقته؛ حيث وافق ديوان الخدمة المدنية على إنهاء خدمة المستأنف بتاريخ على ضوء ما ثبت بأسباب الحكم الجنائي استناداً إلى أنه من واقع أسباب الحكم الجنائي وظروف الواقعة فإن بقاء المستأنف ضده يتعارض مع مقتضيات الوظيفة وطبيعة العمل، حيث إن جريمة الاستيلاء على المال العام واختلاس المال العام تعتبر ولا شك طبقا للمعيار الذي استقر في أحكام القضاء من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، كما أنها تفقد الموظف الثقة والاعتبار، ومن ثم فإن ارتكاب المستأنف لهذه الجرائم يعتبر من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، ومن شأنها أن تؤكد توافر كل مظاهر الإخلال بالشرف والأمانة في حق المستأنف، الأمر الذي يضحى معه القرار المطعون عليه بإنهاء خدمة المستأنف، مُستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق، ومُتَّفِقاً وصحيح أحكام الواقع والقانون، فلهذه الأسباب حَكَمَتُ الْمَحْكَمَةُ بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف المصاريف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك