هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
قمة جدة انطلاقة للتضامن العربي
يمكن وصف القمة العربية التي احتضتها مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية يوم الــ19 من مايو الجاري، بقمة لم الشمل العربي حيث لأول مرة منذ عام 2011 حين اندلعت أحداث ما يعرف بـ«الربيع العربي» فأحدثت انقسامات خطيرة في صفوف الدول العربية، جمدت على أثرها عضوية سوريا في الجامعة وجميع أنشطتها واجتماعاتها، تأتي قمة جدة لتعيد من جديد جميع الدول العربية إلى الحضن العربي، الأمر الذي يعد تطورا نوعيا إيجابيا من شأنه أن يدعم العمل العربي المشترك ويساعد على إعادة اللحمة العربية إلى سابق عهدها، خاصة في ظل المتغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحات الإقليمية والدولية.
جاءت قمة جدة العربية في ظل ظروف عالمية غاية في الأهمية، فالعالم يشهد حالة من الاستقطاب التي لم يشهدها منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فالصراع العسكري بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا ودخول دول حلف شمال الأطلسي والدول الغربية بشكل عام على خط هذا الصراع من خلال وقوفها إلى جانب أوكرانيا، وسعيها في نفس الوقت إلى حشد تكتل دولي لمواجهة روسيا، خلق وضعا جيوسياسيا جديدا لا يمكن للدول العربية أن تكون في منأى عن تأثيراته.
فكثير من الدول العربية تعرضت لضغوطات مختلفة وبشتى الأساليب «الناعمة» لاتخاذ موقف منحاز من الصراع الروسي الأوكراني، أي باختصار، مناهض لروسيا، كما هو موقف الدول الغربية، إلا أن الدول العربية قاومت هذا التوجه واختارت الحياد، من دون أن تؤيد أو حتى تتبنى الموقف الروسي من هذا الصراع، لكن الضغوطات استمرت على الدول العربية، ليس فقط فيما يتعلق بالموقف من الصراع الروسي الأوكراني، وإنما الأمر يتعلق بالشأن العربي العربي، أي محاولة ثني الدول العربية عن ترميم البيت العربي من الداخل.
حدث ذلك عندما انخرطت عديد من الدول العربية، التي شابت علاقاتها مع سوريا حالة من الفتور والقطيعة أيضا، في تطبيع علاقاتها مع الحكومة السورية واستقبلت عديدا من كبار المسؤولين السوريين، بما فيهم الرئيس السوري بشار الأسد، حيث وصلت مسيرة التطبيع إلى عودة سوريا إلى حضنها العربي ومشاركتها في قمة جدة العربية، لكن الدول العربية رفضت مثل هذه التدخلات والإملاءات من منطلق الاستقلالية السياسية الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى، تغليب المصلحة الوطنية والقومية، وهو ما يعد بشرى خير نتمنى أن تكون بمثابة الصحوة العربية المطلوبة.
في خضم هذه التطورات الدولية الكبيرة، الخطيرة، ليس أمام الدول العربية من خيار سوى لملمة الشمل العربي وإعادة الروح إلى العمل العربي المشترك وجعل المصلحة العربية هي البوصلة الوحيدة التي تحدد مسار العلاقات العربية العربية وجعل هذه المصلحة معيارا أساسيا لعلاقاتها مع التكتلات الدولية، فالسبيل الوحيد للدفاع والحفاظ على المصالح العربية، هو تعزيز التضامن العربي وتجاوز الخلافات والاختلافات والتغلب عليها بما يخدم المصلحة القومية العربية، فالدول العربية تمتلك من الإمكانيات ما يكفي لفرض موقعها رقما مهما على الساحة الدولية.
أثبتت الأحداث الكبيرة والخطيرة التي شهدتها المنطقة العربية خلال العقود القليلة الماضية، بدءا من جريمة غزو العراق عام 2003 ووصولا إلى الأحداث الدموية التي شهدتها بعض الدول العربية وما آلت إليه الأوضاع في بعض منها (سوريا وليبيا مثالا)، أثبتت أن التداعيات الناجمة عن هذه الأحداث لا تنحصر في الحدود الجغرافية لحدوثها، كما أن أي ضرر يلحق ببلد عربي نتيجة لمثل هذه الأحداث لا بد أن تكون له انعكاسات سلبية على الدول العربية الأخرى، وبغض النظر عن درجة تأثر هذه الدولة أو تلك.
القمة العربية في جدة، وقيادة المملكة العربية السعودية لزخم التطبيع العربي العربي، يمكن أن تكون بالفعل هي المنطلق الحقيقي لوضع العمل العربي المشترك في مساره الصحيح، فما تتعرض له المنطقة العربية من ضغوطات وما تعانيه من أوضاع أمنية وسياسية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وما تشهده الساحة الدولية من إرهاصات تنذر بحدوث تحولات سياسية واقتصادية وأمنية نوعية وكبيرة، كلها عوامل تدفع باتجاه وضع مسار التضامن العربي على الطريق الصحيح.
فليس خافيا على أحد، أن المملكة العربية السعودية هي اللاعب المؤثر والمحوري في تطبيع العلاقات العربية مع سوريا وتمهيد الطريق لعودتها إلى حضنها العربي، كما أن التصريحات الصادرة عن المسؤولين السعوديين في الآونة الأخيرة كلها تشدد على رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبأن التضامن العربي هو الكفيل بالدفاع وحماية المصالح العربية، كل هذه المواقف تدعم وتساعد على تحقيق انطلاقة عربية حقيقية نحو تأمين البيت العربي من الداخل وتعزيز الدور العربي وجعله محوريا وأساسيا في التغلب ومعالجة ما تطرأ من خلافات بين الدول العربية، ذلك أن الدول العربية أدرى بمصالحها وأحرص عليها أيضا.
فالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية هي واحدة من أهم أسباب المشاكل التي تعاني منها بعض الدول العربية وعلاقاتها مع بعضها البعض، فلم يعد خافيا على أحد أن بعض القوى الإقليمية والدولية يهمها أن تبقى العلاقات العربية العربية في أدنى مستوياتها، بل ومتأزمة أيضا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك