أكد الباحث البحريني يوسف النشابة أن الأدب الشعبي في منطقة الخليج العربي يتسم بالتشابه وينبع من الواقع المجتمعي، مشددا على أن ينتصر لقوى الخير ضد قوى الشر.
وأضاف «الأدب الشعبي الخليجي يتمتع بلغته العامية ومحتواه الثقافي المعبر عن قيم الجماعة، ومجهولية كتابه ومؤلفيه كما أن هناك قدراً واضحا من التباين بين دولة وأخرى ومنطقة وأخرى في الدولة نفسها، لكونه عاكسا لتجربة الجماعة الواحدة وخصوصياتها. وعرف الكثير من أنماط وفنون الأدب الشعبي المعروفة من المثل والنكتة والسوالف، إلا أن الحكاية الشعبية قد تكون هي الأبرز، وقوامها في الغالب حكايات نسجت من الخيال الجمعي حول مواقف وأحداث هامة».
وذكر يوسف «يحمل أدبنا الشعبي بعداً إنسانياً صادقاً يكرس الصفة الحقيقية في واقع خليجنا العربي، ويعكس ما كان يضطلع به من أولويات، وما يبعثه من دلالات وإشارات في وعي الشعوب».
وتابع بالقول «تناقل هذا الموروث الثقافي الشعبي بين أفراد المجتمع الواحد عبر السنين من خلال وسائل ثقافية عدة متمثلة في: النكتة والمثل والحكاية الشعبية والسوالف والخراريف، وخلال التواصل الاجتماعي عبر السفر، والزيارات المتبادلة وبالخصوص التجارية، وعن طريق الترجمة من لغة إلى أخرى. خير دليل على ذلك هو تشابه الحكاية في دول الخليج، أما الفروق فهي نتيجة الاجتهادات الواردة أثناء السرد من الراوي».
وتحدث الباحث عن سمات الأدب الشعبي، وقال «يتسم الأدب الشعبي بالجماعية إذ إنه يهمل الفردية ويستخدم اللغة العامية لإيصال الافكار. وهنا نجد إن الشخصية الفردية ليس لها وجود. فالجماعة تعد شخصية متكاملة منسجمة في التعبير الوجداني بروح وملامح نفسية مميزة ذات تعبير صادق، وبكل شفافية التعبير اللفظي. أما مؤلف الحكاية فيكون مجهولاً لأسباب قد تكون عذرا لاختفاء شخصية المؤلف الحقيقي الأصلي».
وأيضا يتميز الأدب بتزاوج الإبداع في الحكاية مع الذوق العام لتقبل سماعها. فالراوي يتفاعل مع الواقع بحلوه ومره مستعيناً بالحكمة تارةً وبالفكاهة تارة أخرى؛ لتصل الفكرة بصورة سلسة. وهذا التقبل من المتلقي مبنيٌ على ذوقه الذي يتفاعل مع الحكاية والإبداع السردي دون المساس بمتنها فحسب بل بالطريقة الشيقة في سرد الحكاية من الراوي.
ويتمثل الإبداع في التمكن التام من حفظ المفردات الشعبية البحتة، وكيفية نطقها والتركيز على مخارج الحروف ليكون التجسيد لكل كلمة أو أي جملة معبرة أو مقولة له الأثر الواضح للمتلقي مجسدا الخوف أو الفرح أو الشجاعة في التعامل مع الوجدان العاطفي بنبرات حادة تارةً وسلسةٍ تارة أخرى؛ وهذا يوصلنا إلى أن اللغة العامية تلعب دوراً له الأهمية الكبرى في التفاعل مع الوجدان قد يكون أكثر من اللغة الفصحى، وفقا للنشابة.
الحكاية في الأدب الشعبي
بين النشابة أن «الحكاية الشعبية تعد عنصراً من عناصر الأدب الشعبي ومن أقدمها، إذ يعود تاريخ تواجدها والاستماع اليها إلى آلاف السنين، ولم تكن مقصورة في تداولها على طبقة معينة من طبقات المجتمع. فالحكاية الشعبية تؤرخ حدثاً ما قد يكون اجتماعياً أو دينياً أو اخلاقياً، وقد يكون سياسياً وفي كثير من الحالات نفسياً».
ونوه إلى «تعدد مهام الحكاية الشعبية وادوارها؛ فهناك الحكاية التعليمية المتمثلة في تعليم السلوكيات الحميدة، وهناك حكايات الوعظ الديني، والحكايات الواقعية التي تجسد واقعا بعيداً عن الخيال والسحر والشعوذة. وحكايات البطولات الخارقة التي قد يستعين فيها البطل بالظواهر الطبيعية كالرياح والسحب والجن والعفاريت للتغلب على الشر. ومن أهم مميزات العديد من الحكايات التسلية وإثارة الضحك وهذا لا يعني أن ما يسرد من طرافة من خلال مجريات أحداث الحكاية هو للضحك بحد ذاته وإنما يحتوي بين طياته على أفكار إيجابية ومستمدة من تجارب المجتمع مع مجريات الحياة الحلوة والمرة فالطرفة في قالبها الصغير هي رهن إبداع الراوي على اختيار الكلمات العامية التي تثير الضحك بحد ذاتها حين سماعها، ومن اسباب نجاح الحكايات المسلية هو التعليقات التي يثيرها الجلاس، تجاوباً مع الراوي».
وأوضح «الحدث في الحكاية الشعبية لا يمكن أن يحدث دون وجود شخصيات مؤثرة تأخذ الدور الرئيس، وأخرى لها أدوار ثانوية، لكنها تكملُ الحدث بمآسيه من خلال الصراع الأبدي بين الخير والشر».
ويضيف النشابة «نهايات الحكاية الشعبية في الغالب، تكون متشابهة لحدٍ ما، وتتمثل في عدة انتصارات متتالية وصغيرة عبر مجريات تشويقية إلى حين الانتصار الكبير الذي يكون خاتمة للحكاية على يد البطل، حيث ينتهي على يديه الشر ويعم الخير. وهنا تنتهي الحكاية بحصول البطل على مكافأته التقليدية التي تتمثل في الغالب بزواجه من البنت التي يحبها والتي قد تكون بنت السلطان أو بنت الجيران التي يخطفها واحدٌ من عفاريت الجان».
واكد على أن التشابه بين مكونات المجتمعات الخليجية وما تربطهم من صلة القرابة، وتشابه في الدين والعادات والتقاليد ومزاولة مهنة الغوص في «هيرات» تجمع سفنهم في بحر الخليج ومهن تقليدية متقاربة المواصفات مثل: صيد السمك والبناء والحدادة والعديد من المهن التي جعلت السمر في ليالي الشتاء محفلاً تسرد فيه الحكايات التي هي نفسها في البحرين كما هي في الكويت والسعودية وعمان والإمارات، كما أن التقارب الأسري بين العوائل الخليجية شجع على تبادل الزيارات العائلية التي نقلت الحكايات الشعبية معها، مع اختلاف العناوين، وهنا يأتي دور إبداع الراوي في خلق الإضافات (البهارات) التي تضفي إحساساً بالواقعية.
وأشار إلى أن اختلاف اللهجات الخليجية جعل من الحكايات في كل بلد ذات طابع مميز خلقه الراوي المبدع في اختيار الكلمات والأمثلة الشعبية التي غالبا ما تكون جزءا من إثراء السرد والمحادثة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك