يساعد القيام بتغيرات طفيفة والالتزام بعادات بسيطة على تحقيق انجازات كبيرة، وتكفي دقائق معدودة يوميا في ممارسة عادة صحية جديدة لتحقيق نتائج مبهرة على الصحة ويمكن الاستعانة بطب أنماط الحياة.
في الحوار التالي تعرفنا الدكتورة فاطمة هباش استشارية طب العائلة والتغذية -استشاري دولي معتمد لطب أنماط الحياة- مدينة الملك عبدالله الطبية، أستاذ طب العائلة والمجتمع المساعد-جامعة الخليج العربي على طب أنماط الحياة وكيفية استغلاله بشكل ايجابي على الصحة.
في البداية أوضحت الدكتورة فاطمة أن طب أنماط الحياة من التخصصات الحديثة نسبيا حيث تم تعريفه من قبل الكلية الأمريكية لطب أنماط الحياة كتخصص طبي مبني على استخدام تدخلات أنماط الحياة العلاجية كطريقة أساسية لعلاج الحالات المزمنة.. حيث يقوم الأطباء المعتمدون في طب أنماط الحياة على تطبيق تغيير نمط الحياة الإرشادي المبني على الأدلة والمرتكز على الصحة الشمولية للأشخاص للعلاج، وعند استخدامها بشكل مكثف، غالبًا ما يؤدي ذلك إلى عكس هذه الحالات. تشمل هذه الحالات بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري من النوع الثاني، والسمنة. إن تطبيق الركائز الست لطب أنماط الحياة -الغذاء الكامل، ونمط الأكل الذي يغلب عليه النبات، والنشاط البدني، والنوم الصحي، إدارة الضغوطات والتوتر، وتجنب المواد الخطرة مثل التدخين والمواد المخدرة، والعلاقات الاجتماعية الإيجابية- يوفر أيضًا الوقاية الفعالة من العديد من المشاكل الصحية والأمراض المزمنة وله تأثير إيجابي على الصحة العامة ونوعية الحياة.
وأضافت مع بداية السنة الجديدة يسعى العديد من الأشخاص لتبني عادات صحية جديدة كتحسين العادات الغذائية أو البدء بنظام رياضي أو تحسين النوم أو الامتناع عن التدخين أو حتى جعل قضاء وقت نوعي لقضائه مع الأهل والأصدقاء. ولكن قد يبدو تغيير سلوكياتنا وإحداث تغييرات في نظامنا اليومي بمثابة مهمة ضخمة، وقد نضغط على أنفسنا للقيام بتغييرات جذرية واضعين نصب أعيننا توقعات كبيرة وفي كثير من الأحيان غير واقعية، وهذا قد يعرضنا في أحيان كثيرة لعدم الاستمرارية وخيبة الأمل والنقد الذاتي.
أثبتت الدراسات العلمية من قبل الباحثين المتخصصين في علم السلوكيات أن هناك مجموعة من العوامل المساعدة للبدء والاستمرار في سلوكيات تصبح مع الوقت عادات صحية تنعكس إيجابا على جودة الحياة والرفاه الصحي، حيث تبين أن من العوامل التي تعيق تبني سلوكيات صحية قد يكون استصعبها، النسيان، التأجيل والمماطلة، ضيق الوقت، عدم وجود الدافع والعوامل المحفزة. وبينت الدلائل العلمية أن هناك مجموعة من العوامل المساعدة التي من شأنها ليس فقط البدء بعادات صحية ولكن حتى المواصلة والاستمرارية عليها.
- عادة ما يكون الوقت المثالي للبدء بعادة صحية كالبدء بنظام رياضي مثلا مع البدايات الجديدة، كبداية السنة أو بداية الأسبوع أو يوم عيد ميلاد. البدايات الجديدة هي دائما التوقيت المثالي للبدء.
- لتقليل صعوبة البدء والاستمرار يجب أن نضع أهدافا صغيرة، كسلوكيات صغيرة يمكن أن تصبح مع الوقت عادات. الفكرة هي جعل هذه التغييرات السلوكية صغيرة جدًا بحيث يكون من السهل القيام بها. إن خلق العادات والتغيير أسهل مما يعتقده معظم الناس. إدراج عادات صغيرة قابلة للتحقيق هو طريقك الأمثل لبناء أي عادة سلوكية مستدامة ولا سيما العادات الصحية. ابدأ أولاً بتحديد العادة التي تريدها، ثم قلص حجمها بحيث تصبح صغيرة جدًا. في حالة الرغبة في البدء بنظام رياضي، يمكنك مثلا أن تلتزم بخمس عشرة دقيقة يوميا المشي السريع أو حتى الالتزام بالذهاب للنادي الرياضي يومين في الأسبوع لمدة نصف ساعة. بهذه الطريقة جعلت الأمر بسيطا جدًا لدرجة أنه ليس لديك أي عذر لعدم القيام بذلك. لذا، حتى عندما تكون في عجلة من أمرك أو تكون مريضًا أو مشغولا، فهي صغيرة جدًا بحيث لا يزال بإمكانك القيام بذلك. ومع الوقت يمكنك تطوير هذه العادة تدريجيا والاستمرار فيها.
- حدد المكان والتوقيت الذي يناسبك بشكل طبيعي في روتينك الحالي. اسأل نفسك، ماذا يأتي بعد هذه العادة؟ على سبيل المثال، قد تمارس رياضة المشي في استراحة الغداء أو فور استيقاظك من النوم صباحا. قد يكون هذا هو الوقت المثالي بالنسبة لك لممارسة الرياضة.
- اجعل الأمر ممتعا وحاول دائما ربط هذه العادات بمشاعر إيجابية، من خلال الاحتفال والمكافأة، سواء أن تهتف عاليا تحية لإنجازك أو تغني أغنية تشجيعية حماسية أو بمكافأة بسيطة تسعدك كتناول مشروبك المفضل أو الاستمتاع بالاستحمام بماء دافئ، أو حتى شراء حذاء رياضي جديد. مهما كان ما يساعدك على الشعور بالنجاح والإنجاز، فهذا ما سيساعدك على اكتساب هذه العادة.
- هناك ثلاثة أشياء تجتمع معًا في نفس الوقت لحدوث أي تغيير سلوكياتنا الصحية. يجب أن يكون هناك دافع للقيام بهذا السلوك. والثاني امتلاك المهارات التي تساعدك للقيام بالسلوك. والثالث هو وجود ما يذكرك بشكل دائم للقيام بهذا السلوك. عندما تجتمع هذه الأشياء الثلاثة معًا في نفس اللحظة، يحدث تغيير السلوك ومع الوقت يصبح عادة. لن يكون حافزنا مرتفعًا دائمًا للقيام بأهداف وسلوكيات صحية نسعى لتحقيقها، والطريقة التي نتغلب بها على ذلك هي أن نجعل السلوك سهلًا جدًا للقيام به.
- وجود بيئة محفزة لتغيير وإدراج سلوكيات صحية يعتبر من الأمور المهمة والضرورية. حين تريد مثلا الامتناع عن التدخين شارك الأهل والأصدقاء بقرارك وأخبرهم بتاريخ بدء إقلاعك عن التدخين وحاول تجنب الأماكن والتجمعات التي تعرضك لهذه العادة. قد يجد البعض أن الالتزام بالرياضة صعب ولكن وجود صديق أو أحد أفراد العائلة للتمرين معا قد يجعل الوقت التي تقضيه في الرياضة ممتعا ويدعمك حيث وجود من يشجعك باستمرار على ذلك.
- لإدراج عادات سلوكية صحية مستدامة تحتاج إلى التفكير والنظرة الإيجابية للأمور وتعلم الحصول على بعض التعاطف مع الذات وتغيير الأحاديث السلبية النقدية داخل رؤوسنا وتبني حديث إيجابي عن النفس مما يعزز الثقة للمواصلة بتبني وتغيير العادات. خذ دقيقتين لسرد جميع الطرق التي تنتقد بها نفسك عندما تقوم بعمل سيئ. الآن خذ دقيقتين واذكر كل الطرق التي تقول بها لنفسك أنك قمت بعمل جيد. وما يحدث عادةً هو أن قائمة النقد الذاتي طويلة وغنية، وقائمة الاحتفالات قصيرة جدًا. من الأمور المهمة أنك قد تتعرض لبعض النكسات حين تبدأ بعادة صحية معينة ومن المهم أن تتفهم ذلك ولا تجعله سببا لإحباطك.
أفكار لبدء عادات صحية مع السنة الجديدة:
- تقليل وجبات المطاعم الغنية بالدهون المشبعة والملح والسكريات والمواد الحافظة والمصنعة واستبدالها بوجبات محضرة منزليا. قد يبدو الموضوع صعبا للبعض ولكن يمكن أن تخبر نفسك: «سأستمتع بقضاء وقت نوعي بتحضير وتناول وجبات صحية محضرة منزليا لمدة خمسة أيام في الأسبوع وسأقلل وجبات المطاعم بما لا يتعدى وجبتين في الأسبوع». لتناول الخضراوات والفواكه العديد من الفوائد الصحية لاحتوائها على الألياف والفيتامينات والمعادن ومضادات الالتهابات ومضادات الأكسدة، وقد يغفل العديد من الأشخاص عن تناولها بكميات كافية. للبدء بتناول كميات كافية من الخضار والفواكه يمكنك أن تخبر نفسك «سأحرص على إضافة حصة إلى حصتين من الخضار لوجبة الغذاء والعشاء، سأجعل الموضوع ممتعا بتحضير وصفات جديدة ومشهية للسلطات لتجنب الملل. سأحرص أن تحتوي الوجبات الخفيفة التي أتناولها على حصة إلى حصتين من الفواكه الطازجة».
- البدء بنظام رياضي. اجعل قاعدتك الذهبية «تحرك أكثر وقلل وقت الجلوس». يمكنك بتحديد الهدف الكبير بممارسة 150 دقيقة اسبوعيا تمارين هوائية كالمشي السريع أو السباحة هذا يعادل تقريبا 30 دقيقة لمدة خمسة أيام في الأسبوع، كبداية يمكنك البدء بـ15 دقيقة يوميا وزيادتها تدريجيا للوصول إلى الهدف المطلوب. إدراج تمارين المقاومة ضروري جدا للحفاظ وبناء العضلات حيث إن الجسم يفقد 5% من الكتلة العضلية كل عشر سنوات بعد سن الخامسة والثلاثين. قد يبدو الموضوع صعبا للبدء في تمارين المقاومة، ولتسهيل الأمر ابدأ وتعرف على الطريقة الصحيحة لتمارين المقاومة من خلال الاشتراك مع مدرب في النادي الرياضي مرتين في الأسبوع كبداية. وتقليل وقت لجلوس حاول أن تتحرك كل 50 دقيقة، حيث أثبتت الدراسات ارتباط أوقات الجلوس الطويلة بالعديد من المشاكل الصحية كالوفاة المبكرة والإصابة بأمراض القلب والسكر.
- هل تجد صعوبة في الحصول على قسط كاف من النوم؟ تنعكس جودة النوم على الصحة العامة بما في ذلك تنظيم الوزن، تنظيم السكر، صحة البشرة، النشاط العام والتركيز والصحة النفسية. اجعل تحسين جودة النوم: هدف تسعى لتحقيقه مع السنة الجديدة، وذلك من خلال نوم 7-8 ساعات كل ليلة للبالغين والالتزام بوقت نوم واستيقاظ ثابت على مدار الأسبوع.
- للتدخين مضار صحية عديدة وصنف من قبل منظمة الصحة العالمية كأحد المواد المسرطنة. إن كنت مدخنا فقد تكون السنة الجديدة بداية ممتازة للإقلاع عن التدخين. بادر باستشارة طبيبك واعمل معه على خطة واضحة تساعدك على الإقلاع عن التدخين والاستثمار في صحتك.
- أثبتت الدراسات أن لقضاء وقت نوعي والتواصل مع الأهل والأصدقاء تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية والجسدية وجودة الحياة للأشخاص. ليكن من ضمن أهدافك لهذه السنة تخصيص وقت للتواصل معهم من خلال اللقاءات الشخصية أو حتى من خلال الاتصال الهاتفي.
كن أنت المشجع الأول لنفسك ابدأ بدايات صغيرة، واحتفل بإنجازاتك وإن كانت بسيطة واعمل مع الوقت على أن تجعلها تكبر لتكون عادات صحية مستدامة تغني حياتك وتدعم صحتك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك