في ظل استمرار منطقة الشرق الأوسط في مواكبة التطورات التكنولوجية، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة لتحقيق التغيير الإيجابية، حيث لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على الشركات والقطاعات الاقتصادية فقط، بل يمتد ليشمل الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الاجتماعية. وبينما تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم بمبلغ 320 مليار دولار في اقتصاد المنطقة بحلول عام 2030، ينبغي النظر إلى هذا الرقم كنقطة انطلاق، وليس كحد أقصى، حيث يمكن للمنطقة تحقيق ما هو أكثر من ذلك بكثير إذا تحركت بسرعة وجرأة أكبر.
الشرق الأوسط في عصر الذكاء الاصطناعي
يقف الشرق الأوسط على أعتاب عصر تكنولوجي جديد، كما يشارك في سباق عالمي يحمل رهانات كبيرة. فقد أنشأت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مراكز بحثية عالمية المستوى في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز الابتكار ويجذب المواهب العالمية. تشكل هذه المبادرات أساساً قوياً، ومع استمرار الجهود، يمكن للمنطقة أن تعزز موقعها لتواكب قادة العالم في تطوير الذكاء الاصطناعي.
كما تمتلك المنطقة مزايا فريدة، مثل وفرة موارد الطاقة، والقدرات المالية، والالتزام بالابتكار، مما يجعلها مؤهلة لتصبح قوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن خلال استثمارات استراتيجية، تضع الإمارات والسعودية الأسس للريادة في العصر الرقمي.
التأثير الاقتصادي
من المتوقع أن يحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في الاقتصاد بالشرق الأوسط. حيث تشكل مساهمة الذكاء الاصطناعي المتوقعة بمبلغ 320 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بحلول عام 2030ما نسبته 2% من فوائد الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى إمكانيات هائلة.
تسعى استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 إلى تحفيز الابتكار في قطاعات مثل النقل والمدن الذكية، مع إمكانية تحقيق زيادة بنسبة 14.3% في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. بينما تركز رؤية السعودية 2030 واستراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي على تنويع الاقتصاد وجذب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار. ورغم أن هذه الأهداف طموحة، فإن التطور السريع للتكنولوجيا يفتح فرصاً إضافية للنمو.
تطوير الرعاية الصحية
تشهد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية نتائج واعدة في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، حقق برنامج «إجادة» التابع لهيئة الصحة بدبي نجاحاً ملحوظاً باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بمرض السكري، ما أسهم في تقليل العبء المالي للمرض بنسبة 30%.
وفي السعودية، يتم دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الرعاية الصحية لتحسين عمليات المستشفيات وتقديم رعاية صحية مخصصة للمرضى، وهو أمر بالغ الأهمية مع تزايد الطلب على الخدمات الصحية بسبب شيخوخة السكان. نجاح هذه المبادرات الأولى يجب أن يدفعنا إلى توسيع نطاقها وتسريع تنفيذها على مستوى النظام الصحي بأكمله.
تعزيز التعليم
الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً في التعليم بالمنطقة، حيث تستخدم منصات مثل «ألف للتعليم» في الإمارات تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مسارات تعليمية مخصصة للطلاب، مع تقديم ملاحظات فورية وتكييف المناهج حسب احتياجات كل طالب.
كما توظف هيئة المعرفة والتنمية البشرية (KHDA) في دبي التحليلات بالذكاء الاصطناعي لتتبع أداء الطلاب وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تدخل. هذه المبادرات تعد أساسية لتلبية احتياجات الشباب المتنوع والمتزايد في المنطقة.
الحفاظ على البيئة
تواجه المنطقة تحديات بيئية كبيرة تتيح فرصاً للابتكار باستخدام الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، تستخدم مدينة مصدر في الإمارات تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقليل انبعاثات الكربون وإدارة مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة.
كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حيوياً في مواجهة مشكلة نقص المياه المزمنة في الخليج. تساعد أنظمة الري الذكية ونماذج الطقس التنبؤية على تحسين استهلاك المياه، مما يدعم استدامة الزراعة. وتتماشى هذه المبادرات مع أهداف الاستدامة الأوسع، مثل مبادرة السعودية الخضراء.
مبادرات الخير الاجتماعي
يحقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في تعزيز الأهداف الاجتماعية وتحسين الرفاهية العامة. حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الأردن في مخيمات اللاجئين لتحسين توزيع الموارد وزيادة كفاءة المساعدات.
كما أثبت الذكاء الاصطناعي دوره خلال أزمة كوفيد-19، حيث ساعدت الأدوات المعتمدة عليه في مراقبة انتشار الفيروس ودعم المبادرات الصحية الحكومية.
كما يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في المدن الذكية في كل من دبي وأبوظبي، لتحسين الخدمات العامة وشبكات النقل. ومع أن هذه النجاحات لافتة، إلا أنها يجب أن تكون دافعا لمشاريع ذات تأثير اجتماعي أوسع.
التعاون هو المفتاح
رغم أن الشرق الأوسط يمتلك أساساً قوياً لتطوير الذكاء الاصطناعي، إلا أن وتيرة التطور بحاجة إلى خطوات أسرع. فقد أثبتت المنطقة قدرتها على بناء مبادرات مبهرة، ومع الالتزام المستمر بالابتكار، يمكنها تعزيز مكانتها العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
السؤال ليس ما إذا كان ينبغي زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بل مدى سرعة القيام بذلك. فالفرصة متاحة أمام الشرق الأوسط لوضع معايير عالمية في مجال الابتكار، لكن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد. الآن هو الوقت المناسب لمضاعفة الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.
الرئيس التنفيذي لشركة أومبوري
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك