يقول أدونيس: «الشعر يقوّم الخطأ ويحرك السماء والأرض والأرواح والآلهة».
كمٌ من الأسئلة ظلت تلاحقني، منذ قيدني فن الشعر، وأخاطني رقعة في جسد الحياة، فلم أسلم من هوى عذاباته، ولم أستطع الخروج من شباكه المتصلة بروحي، وكم من الخوف والتوجس ظلت تلاحقني منذ كنت طفلاً أحبو نحو غايتي التي أصبحتُ من خلالها جرحٌ يكبر يوماً بعد يوم، والسر في جوف ذاكرتي جمرٌ التظيه جمراً يحرقني ببطء وأنا على أعراف مسألة صعبة أضعتُ خطواتي ولم أدرك أنني في درب أصعب من قدرتي، لكنه الشعر تأبطني بشدة ولم أستطع الفكاك من قبضته.
سنوات يقلبني على جمر هواه، أخرجُ من فأرة لأخرى، وهو معي يقرضُ عافيتي بهدوء وصمت دون ضجيج ما حولي من هدير حكايات لا تنتهي دون أن تبدأ من جديد، والدرب ليس سلماً رحيماً لعافيتي، بل هو مقصلة تلاحقُ نبض قلبي، تقرّبني من العالم وأنا أرفض لكنه أقوى مني، استسلم لرغباته وأدخل الحريق الذي اعتدتُ عليه منذ كانت سنوات عمري في العاشرة ربيعاً.
هكذا عرفت «الشعر» وهكذا صرتُ أسير هواه، بين وجع وآخر وبين بحرٌ وآخر، والجمر هو الذي شدّ من عودي وصلبني أمام العواصف، في معيته أظل أحلم، دون واقع لمعنى الحلم ودون امرأة تذكرني بطفولتي، تعيدني ذلك الطفل الذي وقع في شباك مصيدة، لأنه أي الشعر تملكني، بل تلبسني كالمارد، فصرتُ مقيداً بعشقه، أدخلُ المدائن دون خوف وأدخلُ في الصراع الذي لوّعني بصبايا أول التجربة، فلم أسلم من لسعةٍ من هنا وأخرى من هناك، كوني في حكاية الشعر أصلبُ من يعاندني في معادلة اللغة أو في معية ما عرفته أو اتصل بي من الهام أثخنني بجراح الأزمنة العالقة بشغافي.
ويوم استوطنني الصراع عرفتُ أن الشعر هو حكاية (شعوب العالم أجمع، هو النار التي لها في كل موطن جمرة مشتعلة لا تهدأ، حكاياته لنا فيها سلوى ومن!).
كنتُ أهمس أحياناً لقلبي أن يهدأ ولا ينفعل، لكنه مع الشعر يخرجني كالجثة دون حراك، فأرى النار في ذيل ثوبي لكنني ليس لي القدرة في إطفائها، لأن الشعر تكفل بحل مسائل خوفي الأخرى، قادني نحو الطريق الطويل، أكتبُ فأشبع، أجوع فأتلفت نحوي لأراه أمامي يقودني نحو إطفاء الجوع.
من هنا عرفتُ ملتقى الجراح ومنتهى الصراع، فقال الشعر كلمته:
وكلما دنوتُ منك..
عرفتك في واقع تعبي
تجر حبل رقبتي..
تعاند المستحيل..
وفي مدن البلاغة تغازل الظل
وتحتمي من النار بالنار..
قبل انحسار الظل عن الجسد..
وانعتاق الظلمة عن ليالي الحلم!
هكذا كل يوم أسلم رقبتي لحكاية الشعر فيأخذني للذي أراه ينقذني من موتي، ويدنو بي للتي أراها هنا تشد من جراحي وتلثمني الحب، دون خوف ودون الآخرين تعدو بي نحو سماوات لا يموت فيها القلب ولا يصفرُ في تربتها شجر الإثل، لأنها الحياة، أيقونة تحفظني من الضياع.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك