العدد : ١٧٠٦٥ - الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٥ - الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض: سنوات يقلبني على جمر هواه!

بقلم: علي الستراوي

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬أدونيس‭: ‬‮«‬الشعر‭ ‬يقوّم‭ ‬الخطأ‭ ‬ويحرك‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ ‬والأرواح‭ ‬والآلهة‮»‬‭. ‬

كمٌ‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬ظلت‭ ‬تلاحقني،‭ ‬منذ‭ ‬قيدني‭ ‬فن‭ ‬الشعر،‭ ‬وأخاطني‭ ‬رقعة‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الحياة،‭ ‬فلم‭ ‬أسلم‭ ‬من‭ ‬هوى‭ ‬عذاباته،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬شباكه‭ ‬المتصلة‭ ‬بروحي،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والتوجس‭ ‬ظلت‭ ‬تلاحقني‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬طفلاً‭ ‬أحبو‭ ‬نحو‭ ‬غايتي‭ ‬التي‭ ‬أصبحتُ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬جرحٌ‭ ‬يكبر‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬والسر‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬ذاكرتي‭ ‬جمرٌ‭ ‬التظيه‭ ‬جمراً‭ ‬يحرقني‭ ‬ببطء‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬أعراف‭ ‬مسألة‭ ‬صعبة‭ ‬أضعتُ‭ ‬خطواتي‭ ‬ولم‭ ‬أدرك‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬قدرتي،‭ ‬لكنه‭ ‬الشعر‭ ‬تأبطني‭ ‬بشدة‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬الفكاك‭ ‬من‭ ‬قبضته‭.‬

سنوات‭ ‬يقلبني‭ ‬على‭ ‬جمر‭ ‬هواه،‭ ‬أخرجُ‭ ‬من‭ ‬فأرة‭ ‬لأخرى،‭ ‬وهو‭ ‬معي‭ ‬يقرضُ‭ ‬عافيتي‭ ‬بهدوء‭ ‬وصمت‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭ ‬ما‭ ‬حولي‭ ‬من‭ ‬هدير‭ ‬حكايات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬والدرب‭ ‬ليس‭ ‬سلماً‭ ‬رحيماً‭ ‬لعافيتي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مقصلة‭ ‬تلاحقُ‭ ‬نبض‭ ‬قلبي،‭ ‬تقرّبني‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬وأنا‭ ‬أرفض‭ ‬لكنه‭ ‬أقوى‭ ‬مني،‭ ‬استسلم‭ ‬لرغباته‭ ‬وأدخل‭ ‬الحريق‭ ‬الذي‭ ‬اعتدتُ‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬كانت‭ ‬سنوات‭ ‬عمري‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬ربيعاً‭.‬

هكذا‭ ‬عرفت‭ ‬‮«‬الشعر‮»‬‭ ‬وهكذا‭ ‬صرتُ‭ ‬أسير‭ ‬هواه،‭ ‬بين‭ ‬وجع‭ ‬وآخر‭ ‬وبين‭ ‬بحرٌ‭ ‬وآخر،‭ ‬والجمر‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬شدّ‭ ‬من‭ ‬عودي‭ ‬وصلبني‭ ‬أمام‭ ‬العواصف،‭ ‬في‭ ‬معيته‭ ‬أظل‭ ‬أحلم،‭ ‬دون‭ ‬واقع‭ ‬لمعنى‭ ‬الحلم‭ ‬ودون‭ ‬امرأة‭ ‬تذكرني‭ ‬بطفولتي،‭ ‬تعيدني‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬مصيدة،‭ ‬لأنه‭ ‬أي‭ ‬الشعر‭ ‬تملكني،‭ ‬بل‭ ‬تلبسني‭ ‬كالمارد،‭ ‬فصرتُ‭ ‬مقيداً‭ ‬بعشقه،‭ ‬أدخلُ‭ ‬المدائن‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬وأدخلُ‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬لوّعني‭ ‬بصبايا‭ ‬أول‭ ‬التجربة،‭ ‬فلم‭ ‬أسلم‭ ‬من‭ ‬لسعةٍ‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬كوني‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬الشعر‭ ‬أصلبُ‭ ‬من‭ ‬يعاندني‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬معية‭ ‬ما‭ ‬عرفته‭ ‬أو‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬الهام‭ ‬أثخنني‭ ‬بجراح‭ ‬الأزمنة‭ ‬العالقة‭ ‬بشغافي‭.‬

ويوم‭ ‬استوطنني‭ ‬الصراع‭ ‬عرفتُ‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬حكاية‭ (‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬هو‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موطن‭ ‬جمرة‭ ‬مشتعلة‭ ‬لا‭ ‬تهدأ،‭ ‬حكاياته‭ ‬لنا‭ ‬فيها‭ ‬سلوى‭ ‬ومن‭!).‬

كنتُ‭ ‬أهمس‭ ‬أحياناً‭ ‬لقلبي‭ ‬أن‭ ‬يهدأ‭ ‬ولا‭ ‬ينفعل،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬الشعر‭ ‬يخرجني‭ ‬كالجثة‭ ‬دون‭ ‬حراك،‭ ‬فأرى‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬ذيل‭ ‬ثوبي‭ ‬لكنني‭ ‬ليس‭ ‬لي‭ ‬القدرة‭ ‬في‭ ‬إطفائها،‭ ‬لأن‭ ‬الشعر‭ ‬تكفل‭ ‬بحل‭ ‬مسائل‭ ‬خوفي‭ ‬الأخرى،‭ ‬قادني‭ ‬نحو‭ ‬الطريق‭ ‬الطويل،‭ ‬أكتبُ‭ ‬فأشبع،‭ ‬أجوع‭ ‬فأتلفت‭ ‬نحوي‭ ‬لأراه‭ ‬أمامي‭ ‬يقودني‭ ‬نحو‭ ‬إطفاء‭ ‬الجوع‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬عرفتُ‭ ‬ملتقى‭ ‬الجراح‭ ‬ومنتهى‭ ‬الصراع،‭ ‬فقال‭ ‬الشعر‭ ‬كلمته‭:‬

وكلما‭ ‬دنوتُ‭ ‬منك‭..‬

عرفتك‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬تعبي‭ ‬

تجر‭ ‬حبل‭ ‬رقبتي‭..‬

تعاند‭ ‬المستحيل‭..‬

وفي‭ ‬مدن‭ ‬البلاغة‭ ‬تغازل‭ ‬الظل‭ ‬

وتحتمي‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬بالنار‭..‬

قبل‭ ‬انحسار‭ ‬الظل‭ ‬عن‭ ‬الجسد‭..‬

وانعتاق‭ ‬الظلمة‭ ‬عن‭ ‬ليالي‭ ‬الحلم‭!‬

هكذا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أسلم‭ ‬رقبتي‭ ‬لحكاية‭ ‬الشعر‭ ‬فيأخذني‭ ‬للذي‭ ‬أراه‭ ‬ينقذني‭ ‬من‭ ‬موتي،‭ ‬ويدنو‭ ‬بي‭ ‬للتي‭ ‬أراها‭ ‬هنا‭ ‬تشد‭ ‬من‭ ‬جراحي‭ ‬وتلثمني‭ ‬الحب،‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬ودون‭ ‬الآخرين‭ ‬تعدو‭ ‬بي‭ ‬نحو‭ ‬سماوات‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬فيها‭ ‬القلب‭ ‬ولا‭ ‬يصفرُ‭ ‬في‭ ‬تربتها‭ ‬شجر‭ ‬الإثل،‭ ‬لأنها‭ ‬الحياة،‭ ‬أيقونة‭ ‬تحفظني‭ ‬من‭ ‬الضياع‭.‬

 

a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا