الطفل هو بُرعُم الحاضِر الذي تنتظر نضوجه آمال المُستقبل، وهو بذرة طُموح المُجتمع بواقعٍ قادمٍ أجمل، ولا يُمكن نمو تلكَ البذرة المغروسة وِفقَ التطلُّعات المنشودة إلا إذا تمَّ تعهُّد عقلها ومشاعِرها الغضَّة بالرِّعاية والتثقيف وحُسن التوجيه عبر أكثر من وسيلةٍ مُحببة؛ لعلَّ أبرزها تأثيرًا فن الأدب الموجَّه للطفل، لذا كانَ لتلكَ القضيَّة نصيبًا من برنامج مُلتقى القصَّة في البحرين الذي انتهزَ مُناسبة اليوم العالمي للطفل لإقامة أُمسية حواريَّة بعنوان: «مهارات الكِتابة في أدب الطفل» من تقديم د. صفاء العلوي.
استهلَّت مُديرة الحوار الباحِثة والأديبة ندى نسيم بالإشارة إلى أن مُهمَّة الكاتب في هذا المجال محفوفة بالتحديات، مع ضرورة فهم سيكولوجيَّة الطفل جيدًا والسعي للإبداع.. وبالحديثِ عن أهداف أدب الطفل يُمكن القول أنَّ منها ترقيق وجدان الطفل والسّمو بمشاعِره وأحاسيسه، لذا يجدُر بالكاتِب المُهتم به الإبحار أكثر في مفهوم هذا الأدب ليغدو أكثر وعيًا بأدواته.. وتناولت د. صفاء العلوي زِمام الحديث بتعريف أدب الطفل الذي ينصُّ على كونِه «أدبٌ يستهدفُ الأطفال بهدف التعليم أو الترفيه، ودوره تشكيل شخصيَّة الطفل وتعزيز خياله وتوسِعة مداركه لكي ينمو على مبادئ وأخلاق سامية يشق فيها طريقهُ مُستقبَلاً»، وأضافَت: «من خلال هذا الأدب يستكشف الطفل جوانب من ذاته، مواهبه، قُدراته، اهتماماته، وعلاقاته مع الآخرين».
وعن خصائص الكتابة للطفل ذكرَت أنها لابد أن تكون بلُغةٍ بسيطة قادرة على الوصول إليه بسهولة، بينما تبرز أهميَّة الكتابة للطفل في التربية، وتعزيز القِيَم، تنمية الخيال والإبداع واللغة، إضافةً إلى توسِعة المعرفة وتطوير الشخصيَّة وتعزيز حُب القراءة إضافة إلى التسلية والترفيه، لذا يجب أن يمتاز الأدب المكتوب في هذا المجال بالبساطة والتشويق والخيال والإبداع والتركيز على شخصيَّة الطفل في الفئة العُمريَّة المُستهدفة، مع عدم إغفال عامل التفاعُل مع الطفل سواء كان النص المكتوب لأجلِه شِعرًا أو قصَّة أو مسرحًا؛ كي لا يتسلل الملل خلال تلقّيه المادة الموجَّهة إليه، ولا شكَّ أن هذا النوع من الكِتابة يتطلَّب التنويع في الأساليب، لا سيما وأننا صرنا في عالمٍ رقمي مُتطوّر يُحتّم علينا التجديد الذي يدفع الطفل للبحث عن القصَّة والمسرحيَّة والنص الشعري والمسرحيَّة كي يحظى بأوقات ممتعة معها.
عن مهارات الكِتابة للطفل وأدوات الكاتِب لتلك الفئة من القرَّاء الصغار أشارت إلى ضرورة أن يكون الكاتب مُبدعًا قبل خوضِه غِمار هذا النوع الحيوي من الأدب، ولا بد وأن يفهم طبيعة احتياجات هؤلاء الأطفال ويستخدم مُخيّلته للعيش في عالمهم الطفولي للوصول بقُرَّائه إلى ضِفاف الانجذاب نحو أعماله والاستمتاع بها. من جانبٍ آخر لا يخفى دور الرسوم الملوَّنة في شد انتباه الطفل نحو القصة؛ لذا يُمكننا اعتبارها بوَّابة جذبه نحو مضمونِها ومن ثمَّ التفاعل والاندماج معها والتعلُّم منها، ما يجعل من الضروري اختيار الفنَّان التشكيلي الموهوب الذي يمتاز بمهارات عالية، لأن التناغم بين مُخيّلة الكاتب وأسلوب الرَّسام لا يقل أهميَّة عن التناغم بين رؤية الكاتِب وذهن الطفل المُتلقي لمُنجزه الإبداعي.
وبالعودة إلى تحديات العالم الرقمي الذي نعيشه اليوم؛ أوضحَت د. صفاء أنَّ من الحِكمة مُحاولة المُبدع التكيُّف مع العصر الرقمي ومُستجدَّاته قدر المُستطاع، وبذل المُمكن لإدماج عناصر تفاعُليَّة وتِقنيات حديثة مع عدم التخلّي عن صداقتنا للمُنجز الورقي، وذكرت مِثالاً على الدور الكلاسيكي الحيوي لـ«الحكواتي» الذي مازال العالم الرقمي غير قادر على اقصائه، إذ مازالت المعارض الكُبرى المُخصصة للكتاب تحرص على وجود الحكواتي في رُكن الطفل لأن تأثير التواصُل البشري مازال أعلى مما يستطيع الروبوت تقديمه. من جانبٍ آخر أكدَت مُقدّمة الأمسية على ضرورة الإعلان عن المُنجز الأدبي عبر المنصَّات الرقميَّة قدر المُستطاع، فالواقع المُعاصِر جعل من اللجوء للتقنيات السمعيَّة والبصريَّة خيارًا ضروريًا لوصول النص إلى الجمهور.
تعزيز أدب الطفل في البحرين كان هو الآخر من محاور الحديث؛ حيثُ بيَّنت الدكتورة أن البحث عن الموهوبينَ في هذا المجال الإبداعي واستقطابهم لتبنّي تلك التجارب، وإقامة وُرش الكتابة المُتخصصة لتنمية جيل جديد من الكُتَّاب مع خالص التقدير لجيل الروَّاد المؤسس لأدب الطفل في البحرين.
أخيرًا أضافت مُديرة الأمسية الباحِثة والكاتِبة ندى نسيم أنَّ القصص المكتوبة للأطفال تُستخدم في العلاجات النفسيَّة للأطفال وعلاج كثير من الاضطرابات ومنها اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ما يُضفي المزيد من الأهميَّة على هذا النوع من الأدب ويُضاعف من مسؤوليَّة المُهتمين بخوض هذا المجال.
تجدُر الإشارة إلى أنَّ د. صفاء العلوي حاصِلة على دكتوراة في الإدارة الأدبيَّة من الجامعة الأردنيَّة، ولها اهتمامٌ خاص بأدب الطفل مع تقديم العديد من الأبحاث وأوراق العمل في هذا المجال، وهي الأمين العام لأشرة الأدباء والكُتَّاب، عضو في جمعيَّة تاريخ وآثار البحرين وجمعيَّة كُلُّنا نقرأ، كاتبة عمود رأي مُنتظِم في الصحافة المحليَّة، أُستاذ مُشارك بالنظام الجُزئي في الكُلية الملكيَّة للشرطة، تشغل منصب مُدير الأرشيف الوطني البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك