«الهداية من الله»، يهمس بها الحاج عبدالصبور الجيار، وهو يتحامل على نفسه متجاوزا عتبة المسجد، يختفي صوته المهتز بجوار المنبر العتيق، يكر حبات مسبحته الكوك، ويغيم في تسبيح طويل.
على إثره يدخل الشيخ عبدالمنعم الصعيدي، هكذا عرفوه، منذ قدم صباحا فوق عربة محملة ببلاليص العسل الأسود، نزل بهم ولم يرحل، عبدالمنعم اسم جديد اخترعه، أما هو فصلاح الهوا مجرم عتيد، له تاريخ مخزٍ، يحاول طمسه، شهدت أحداثه عتمة الحقول، والسواقي المهجورة، وكلاب الطريق، طرفه بيد أبناء المنصر، والطرف الآخر بيد زبيدة، وزبيدة غجرية حسناء، جاوزت الثلاثين بقليل، انفق أيامه يتعقبها، يطوف بالعزب والنجوع والبنادر يبدر ماله، لا يهنأ له جفن، ولا يقر قرار، تكبره زبيدة بسنوات تغاضى عنها، وجد فيها كل ما يجد الرجل في المرأة من مزايا، عرفت كيف تأسر قلبه، فتبعها عن اقتناع كطفل غرير، زبيدة ابنة الليل وريبية المجهول، لا تعرف لها أصل، كل ما تعرفه، أن أمها مديحة العايقة رحلت ساعة نحس وهي تلدها، ربتها اعتدال، واعتدال مثلها تماما ابنة المجهول، ومن يحن على الغريب غير غريب مثله، ضمتها إليها، واهتمت لشأنها، سقتها من كارها، حتى أصبحت نجمة، تزدان بها ليالي الصعيد تملأ عيون العمد والأعيان وأصحاب الأطيان، كبرت زبيدة وكبرت معها علتها، لتتحول إلى جرح ينز الألم والحسرة، تمنت الأسرة، اشتهت بيتا وعزوة، وزوجا يحميها من الأعين الجائعة التي تنهشها، لزبائن سكارى وسط أنفاس الدخان، فتنت بصلاح، تعلقت به، ذاقا معا لذة الحب، تخفف من مخالطة رفقة الليل، ليصبح هملا رخوة لا يصلح لزعامة، تحت تأثير إلحاحهم ضاق ذرعا، حتى كانت ليلة دعاهم إلى بيته، للاتفاق على طلعة ليل، وبعدما لعب الشراب برؤوسهم وتراخت الأجسام، احرق عليهم البيت وهرب، اختفى للأبد، مات ابن الليل، ليولد في بقعة غيرها، الشيخ عبدالمنعم الصعيدي فهل يصمد للأبد.
قاص وكاتب مصري
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك