اكتسبت مسيرة حقوق المرأة الاقتصادية في مملكة البحرين زخمًا غير مسبوق مع بزوغ فجر العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، والذي أعطى المكانة الرفيعة للمرأة وجعلها شريكة أساسية إلى جانب الرجل في مسيرة البناء والتطوير، حتى أصبحت المرأة البحرينية عنوانًا للعطاء والبذل، ونموذجًا مشرفًا لخدمة وطنها ومجتمعها، ومثالاً حضاريًا يُحتذى به إقليميًا، وبما يجعل اليوبيل الفضي لجلالته مناسبة مهمة لتسليط الضوء على هذا العطاء والتميز للمرأة البحرينية.
وساند المسيرة المشرقة للمرأة البحرينية صدور الأمر الملكي السامي رقم 44 لسنة 2001 بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في 22 أغسطس 2001 قبل ثلاثة وعشرين عامًا بقيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، وإسهاماته المتميزة في دعم حقوق المرأة وتكريس تقدمها.
وقد وضع دستور المملكة مبادئ أساسية لتمتع المرأة بحقوقها الاقتصادية، وهي المساواة والعدالة الاجتماعية والتوفيق بين دورها في الأسرة وممارساتها لتلك الحقوق، وذلك كما بينتها المادة (5) فقرة (ب) من الدستور، والتي نصت على أن "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية"، وكذلك المادة (9) التي حددت الملكية ورأس المال والعمل كمقومات أساسية مصونة لكيان الدولة الاجتماعي والثروة الوطنية، وباعتبارها حقوقا فردية، ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون، فضلًا عن المادة (10)، التي نصت على أن "الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه التنمية الاقتصادية وفقا لخطة مرسومة، وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون".
واعتبر الدستور المعدل عمل المرأة ليس مجرد حق، ولكنه واجب أيضًا، إذ نصت المادة (13) فقرة (أ) على أن "العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقًا للنظام العام والآداب"، كما نصّ في نفس المادة فقرة (ب) على "تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه".
وإلى هذا، كان محور التمكين الاقتصادي للمرأة من أهم المحاور التي شملها عمل المجلس الأعلى للمرأة تحقيقًا لبيئة عمل تراعي التوازن بين الجنسين ضمن مبدأ تكافؤ الفرص الذي وضعه المجلس ضمن أولويات عمله تنفيذا لاختصاصاته، وقد عمل على تفعيل هذا المحور الهام مع كافة مؤسسات الدولة والمجتمع لتمكين المرأة في المجال الاقتصادي وضمان بيئة عمل ملائمة لها تدمج احتياجاتها في إطار الامتثال للسياسات والخطط الوطنية ذات الصلة بتمكين المرأة ومنع التمييز ضدها.
ويتبين من تعدد وتنوع التشريعات والمراسيم والقرارات، أن المُشرع البحريني كان حريصًا على حماية وصون حقوق المرأة فيما يخص مشاركتها في مجالات العمل المختلفة، إدراكًا منه لفاعلية دورها في بناء وطنها وكفاءتها في خدمة المجتمع، مما يحقق مستوى متقدمًا من الازدهار والاستقرار، حيث كفلت تلك التشريعات زيادة فرص عملها في القطاع الخاص في إطار التوجه الاستراتيجي لإصلاحات سوق العمل، الذي استهدف أن تكون العمالة البحرينية خيارا مفضلا في هذا القطاع.
ولم يكتف المُشرع البحريني بإقرار حق المرأة في العمل فقط، بل إنه حرص على توضيح الأحوال والأعمال والمناسبات التي يجوز تشغيل النساء فيها وفقًا لقانون العمل في القطاع الأهلي، فنظم عملها خلال فترات الحمل والوضع والرضاعة، من خلال منحها مزايا إضافية، كإجازة الوضع وعدة وفاة زوجها، وأعطاها الحق بعد عودتها إلى العمل، عقب إجازة الوضع ساعتين رعاية يوميًا لإرضاع مولودها حتى يبلغ عامين.
وكفلت هذه القوانين التي جاءت ثمرة المشروع الإصلاحي للعهد الزاهر لجلالة الملك المعظم، مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فيما يخص الأجور، والترقيات من خلال خضوعها لمعيار الجدارة، والعلاوات وفقًا لمعايير موضوعية، وتولي الوظائف بالقطاع الحكومي من خلال توحيد كافة الأحكام التي تنظم تشغيل العمال دون تمييز بينهم متى ما تماثلت أوضاع عملهم، وذلك بهدف تعزيز وإدماج احتياجات المرأة في إطار تكافؤ الفرص، ورفع أي قيود على عملها.
ولم تغفل القوانين والتشريعات تنظيم هذه الحقوق الاقتصادية بالنسبة للمرأة ذات الاعاقة، بل إنها حرصت على تعزيز وتوفير فرص العمل لها، إيمانا من المملكة بأهمية إدماج احتياجاتها من خلال إشراكهن في سوق العمل، فمنحت الموظف أو العامل من ذوي الإعاقة، أو الذي يرعى معاقًا من أقربائه من الدرجة الأولى بموجب شهادة صادرة من اللجنة الصحية المختصة بحاجتهم لرعاية خاصة ساعتي راحة يوميًا مدفوعة الأجر، كما وفرت تلك القوانين للمرأة العاملة الحق في ممارسة العمل النقابي، فأعطت العمال رجالاً ونساءً، حق تشكيل النقابات العمالية.
وفي إطار تلك النصوص القانونية، أصبحت البحرين في عام 2010، أول دولة في مجلس التعاون الخليجي، تتبنى برنامجًا وطنيًا للعمل اللائق مدته ثلاث سنوات من 2010 إلى 2013، وركز على ثلاث أولويات: تعزيز وتطبيق المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، تعزيز أمن الدخل، وتعزيز اندماج النساء وتحسين فرصهن في الحصول على عمل.
كما أسفرت هذه المنظومة من القوانين والتشريعات عن نيل المملكة المركز الأول خليجيًا في نتيجة محور المشاركة الاقتصادية والفرص وفي إغلاق الفجوة بين الجنسين في مؤشر الدخل التقديري بحسب التقرير السنوي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس 2024 ، كما تمكنت مملكة البحرين من الوصول إلى المرتبة 116 مع استقرار نسبة سد الفجوة عند 66.6%.
واستطاعت مملكة البحرين سد الفجوة بين الجنسين وفقًا لمؤشر الأجر في الأعمال المماثلة بنسبة 75.3% لتحتل المركز 16 دوليًا في سد الفجوة لهذا المؤشر من أصل 146 دولة حول العالم، كما أشارت نتائج التقرير لعام 2024 الى أن مملكة البحرين في المركز الأول خليجيًا فيما يتعلق بنسبة الوزيرات في الحكومة، حيث بلغت النسبة حوالي 22%.
وتحرص المملكة على التوفيق بين أداء المرأة واجباتها الأسرية، ومشاركتها في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تعزيز تواجدها في القطاعين العام والخاص، حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة الوطنية بشكل ملحوظ؛ إذ بلغت هذه النسبة 42.8% في 2022، بينما كانت 32.17% في 2010. وبلغت نسبة البحرينيات العاملات في القطاع العام من إجمالي العاملين البحرينيين فيه 55% في 2023 مقابل43% في 2010 ، وبلغت نسبة العاملات البحرينيات في القطاع الخاص من إجمالي العاملين البحرينيين في القطاع 36% في 2023 مقارنة بـ 30% في 2010.
ونوه عضو مجلس الشورى خالد المسقطي بما حظيت به المرأة البحرينية من مكانة وحقوق اقتصادية ومنظومة تشريعية نوعية في ظل العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، منوهًا بإنجازات المرأة البحرينية وعطائها المشهود في النطاق الاقتصادي والاجتماعي والعملي والعلمي وفي مختلف المجالات والتخصصات المهنية، مما استحقت لأجله منظومة الدعم المتكاملة والمتميزة تقديرًا لذلك العطاء وتلك الإنجازات، واعترافًا بدورها الإنساني ومساهمتها الخلاقة في التنمية الوطنية الشاملة ومشاركتها البناءة في نهضة البلاد.
وأكدت رئيسة جمعية سيدات الأعمال البحرينية أحلام جناحي أن مسار العمل الوطني القائم على مبادئ المساواة والتمكين والعدالة الذي رعاه العهد الزاهر لجلالة الملك المعظم، تخرجت منه أجيال من الرائدات الفاعلات في المجتمع واللاتي ساهمن في رفع اسم البحرين عاليًا في كافة المجالات والمحافل الإقليمية والدولية، واللاتي سطرن قصص نجاح مبهرة في شتى الميادين والتي تبرهن على منظومة الدعم الاقتصادي التي تحظى بها المرأة في مملكة البحرين، مشيدة بحرص المجلس الأعلى للمرأة على دمج المرأة البحرينية في مختلف المجالات الاقتصادية، وتوفير كافة الخدمات التي تستلزمها مبادرات المشاركة الاقتصادية سواء على صعيد إصدار أو تطوير القوانين الداعمة للمرأة أو من خلال إطلاق المبادرات والمشاريع التشجيعية والمحفزة لانخراطها في ريادة الأعمال بتوفير الحاضنات الاقتصادية التي تقدم كافة الخدمات الإدارية والاستشارية والتدريبية والفنية، وإتاحة الخيارات المناسبة لخدمات التمويل الميسر التي تحتاج إليها المرأة للدخول في مجال العمل أو ريادة الأعمال.
إلى ذلك، ثمّنت سيدة الأعمال سونيا جناحي التقدم المطرد الذي تشهده المرأة البحرينية في ميادين العمل المختلفة في ظل العهد الزاهر لجلالة الملك المعظم، مؤكدةً أن هذا التقدم يكشف عن حجم الجهود الحثيثة والمبادرات النوعية التي أغنت السجل الوطني بالمزيد من العطاء والإنجاز، وبلوغ الغايات السامية التي انبثقت من رؤى وتطلعات جلالة الملك المعظم، مشيرة إلى أن إنشاء المجلس الأعلى للمرأة شكّل تحولاً نوعيًا واستراتيجيًا في تعزيز مكانة المرأة البحرينية، لا سيما وأن المجلس مساهم رئيسي في تعزيز تقدم المرأة البحرينية على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات، من خلال ترجمة المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين فيما يتعلق بالمرأة، وتحويلها إلى خطط ومبادرات نوعية تكفل صون مكتسبات المرأة البحرينية.
بدورها، نوهت ياسمين آل شرف بالتوجيهات السديدة والحكيمة والدعم الكبير والمساندة المستمرة من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، لكافة الجهود والمبادرات والرؤى والتصورات الوطنية التي تعنى بالمرأة منذ انطلاق العهد الزاهر لجلالته، مؤكدةً أن جلالته أسس قاعدة متينة وطريقًا رحبًا اختطت من خلاله المرأة البحرينية طريقها نحو المجد، لتعبر من مرحلة التمكين والنهوض إلى مرحلة التقدم، عبر تفعيل إمكانياتها وتعزيز دورها في بناء الدولة، وأشارت آل شرف إلى أن المرأة البحرينية تمكنت من دخول مختلف المجالات النوعية مثل مجال التكنولوجيا المالية، وأثبتت كفاءتها في هذا المجال بدعم ومساندة من الرجل البحريني المتحضر والواعي بأهمية المشاركة الاقتصادية للمرأة البحرينية.
من جانبها، أوضحت سيدة الأعمال هدى جناحي، صاحبة شركة «جلوبال» للشحن، أن المرأة البحرينية حققت تقدمًا كبيرًا في مختلف المجالات بفضل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والدعم الحكومي المستمر بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
كما أكدت جناحي على دور المجلس الأعلى للمرأة، ومنظمة «اليونيدو» التابعة للأمم المتحدة، في دعم وتمكين رواد الأعمال في المملكة. وأشارت إلى أن هذا الدعم يسهم في تعزيز قطاع ريادة الأعمال ورفع كفاءة التجارة والاقتصاد، بما يعود بالنفع على المواطنين في مملكة البحرين، بلد الخير والمحبة والسلام.
وأعربت عن تطلعها إلى المزيد من المبادرات التي تدعم رواد الأعمال البحرينيين، مؤكدة أن هذه الجهود ستساهم في تحقيق المزيد من التقدم الاقتصادي الذي يعزز ازدهار الوطن ويخدم المجتمع.