العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

المال و الاقتصاد

الدين العام العالمي

{ عدنان أحمد يوسف.

الأربعاء ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬آخر‭ ‬مراجعة‭ ‬له،‭ ‬يتوقع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬100‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬أو‭ ‬93%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬وسيقترب‭ ‬من‭ ‬100%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭. ‬وهذه‭ ‬زيادة‭ ‬تمثل‭ ‬10‭ ‬نقاط‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬أعلى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭.‬

ونحن‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الارتفاع‭ ‬المضطرد‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تجاهله‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬وذلك‭ ‬بحجة‭ ‬حاجة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬الانفاق‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬كما‭ ‬أوضحت‭ ‬دراسات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬العام‭ ‬بشأن‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬نحو‭ ‬زيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬وذلك‭ ‬لمواكبة‭ ‬متطلبات‭ ‬شيخوخة‭ ‬السكان‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية؛‭ ‬والتحول‭ ‬الأخضر‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬المناخ؛‭ ‬والدفاع‭ ‬وأمن‭ ‬الطاقة،‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬التوترات‭ ‬الجغرافية‭-‬السياسية‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تشير‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توقعات‭ ‬الدين‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تبخس‭ ‬تقدير‭ ‬النتائج‭ ‬والمخاطر‭ ‬الفعلية‭ ‬بهامش‭ ‬كبير‭. ‬فنسب‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الفعلية‭ ‬لخمس‭ ‬سنوات‭ ‬قادمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬التوقعات‭ ‬بمقدار‭ ‬10‭ ‬نقاط‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬المتوسط،‭ ‬حسب‭ ‬تقدير‭ ‬الصندوق‭.‬

إن‭ ‬التخوف‭ ‬حاليا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يشجع‭ ‬بدء‭ ‬تراجع‭ ‬سعر‭ ‬الفائدة‭ ‬عالميا‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬الاستدانة،‭ ‬مما‭ ‬قدر‭ ‬يرفع‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬ليبلغ‭ ‬115%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ -‬أي‭ ‬أعلى‭ ‬بنحو‭ ‬20‭ ‬نقطة‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬التوقعات‭ ‬الحالية‭. ‬وقد‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬هي‭: ‬النمو‭ ‬الأضعف،‭ ‬وأوضاع‭ ‬التمويل‭ ‬الأكثر‭ ‬تشديدا،‭ ‬وعدم‭ ‬تحقيق‭ ‬مستهدفات‭ ‬المالية‭ ‬العامة،‭ ‬ووجود‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الاقتصادي‭.‬

وفي‭ ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات،‭ ‬فإن‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬واحتواء‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬هي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المطلوب‭ ‬بكثير،‭ ‬حيث‭ ‬تظهر‭ ‬تحليلات‭ ‬الصندوق‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬التصحيح‭ ‬المالي‭ ‬الحالية‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬نسبة‭ ‬1%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬سوف‭ ‬يتم‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬القادمة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2029‭ - ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬نُفذَت‭ ‬بالكامل،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬استقرار‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬خفضه‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسا‭ ‬تشددية‭ ‬تراكمية‭ ‬في‭ ‬الانفاق‭ ‬بنسبة‭ ‬3,8%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها‭ ‬لضمان‭ ‬ارتفاع‭ ‬احتمال‭ ‬تحقيق‭ ‬استقرار‭ ‬الدين‭. ‬وفي‭ ‬بلدان‭ ‬لا‭ ‬يُتوقع‭ ‬استقرار‭ ‬الدين‭ ‬فيها،‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يكون‭ ‬الجهد‭ ‬المطلوب‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذين‭ ‬الاقتصادين‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لديهما‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬السياسات‭ ‬أكثر‭ ‬ثراءً‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬لدى‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭.‬

من‭ ‬شأن‭ ‬عمليات‭ ‬التصحيح‭ ‬المالي‭ ‬الكبيرة‭ ‬هذه،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تفحص‭ ‬نتائجها‭ ‬بدقة،‭ ‬أن‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬بسبب‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬الكلي،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بالفئات‭ ‬الضعيفة‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭. ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬يتعين‭ ‬وضع‭ ‬تصميم‭ ‬دقيق‭ ‬لتخفيف‭ ‬حدة‭ ‬تكاليف‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬وكسب‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬للتصحيح‭ ‬المالي‭ ‬المطلوب‭.‬

ويكون‭ ‬اختيار‭ ‬تدابير‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬مهما‭ ‬لأن‭ ‬الآثار‭ ‬ليست‭ ‬متشابهة‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬تفضيلات‭ ‬نسبية‭ ‬بينها‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تسبب‭ ‬تخفيضات‭ ‬الاستثمار‭ ‬العام‭ ‬أكبر‭ ‬خسائر‭ ‬للناتج‭ ‬وتضر‭ ‬بآفاق‭ ‬النمو‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يضر‭ ‬تخفيض‭ ‬المساعدات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأسر‭ ‬الضعيفة‭ ‬ويوسع‭ ‬هوة‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭.‬

لذلك،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيج‭ ‬يتسم‭ ‬بالحكمة‭ ‬لتدابير‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬والنمو،‭ ‬وسيتباين‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬عبر‭ ‬البلدان‭. ‬وينبغي‭ ‬للاقتصادات‭ ‬المتقدمة‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬نظام‭ ‬المستحقات،‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬أولويات‭ ‬الإنفاق،‭ ‬وزيادة‭ ‬الإيرادات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬منخفضة‭ ‬الضرائب‭. ‬بينما‭ ‬تتمتع‭ ‬اقتصادات‭ ‬الأسواق‭ ‬الصاعدة‭ ‬والاقتصادات‭ ‬النامية‭ ‬بإمكانات‭ ‬أكبر‭ ‬لتعبئة‭ ‬الإيرادات‭ ‬الضريبية‭ -‬عن‭ ‬طريق‭ ‬توسيع‭ ‬الأوعية‭ ‬الضريبية‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬إدارة‭ ‬الإيرادات‭ -‬مع‭ ‬تقوية‭ ‬شبكات‭ ‬الأمان‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وحماية‭ ‬الاستثمار‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬النمو‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا