العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مصير واشنطن مصير بومبي

لولا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬اسمها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬اسمها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تنهش‭ ‬عافية‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لكونها‭ ‬خلية‭ ‬سرطانية،‭ ‬وعندما‭ ‬جرت‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حار‭ ‬دليل‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكان،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬ان‭ ‬يختاروا‭ ‬بين‭ ‬أبي‭ ‬لهب‭ (‬ترامب‭) ‬وحمالة‭ ‬الحطب‭ (‬هاريس‭)‬،‭ ‬فما‭ ‬جلس‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬البيضاوي‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬إلا‭ ‬وظهرت‭ ‬نواياه‭ ‬السوداء‭ ‬تجاه‭ ‬العرب‭ ‬عموما‭.‬

ضاعت‭ ‬مدينة‭ ‬بومبي‭ ‬الإيطالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬نابولي‭ ‬الحالية،‭ ‬عندما‭ ‬ثار‭ ‬بركان‭ ‬فسيوفياس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬79‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وأهلك‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع،‭ ‬فهلك‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬ثوان،‭ ‬وهناك‭ ‬شواهد‭ ‬بلا‭ ‬حصر‭ ‬عن‭ ‬عظمة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية،‭ ‬والتطور‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الري‭ ‬والزراعة‭ ‬والعمران‭ ‬والصناعة،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬تغطي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالعالم‭ ‬القديم،‭ ‬ولم‭ ‬يصمد‭ ‬بلد‭ ‬تعرض‭ ‬للغزو‭ ‬الروماني‭ ‬أمام‭ ‬سطوة‭ ‬جيوشها،‭ ‬وبسبب‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأبهة‭ ‬والسلطان‭ ‬والهيلمان،‭ ‬ثم‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الأباطرة‭ ‬ممتلئ‭ ‬غرورا‭ ‬وثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬واستخفافا‭ ‬بالآخرين،‭ ‬وارتكب‭ ‬حماقات‭ ‬استراتيجية،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬الجيش‭ ‬الروماني‭ ‬الهزائم‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬تمردت‭ ‬على‭ ‬سلطته‭ ‬بعض‭ ‬الأقاليم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدين‭ ‬لروما‭ ‬بالولاء‭ ‬التام،‭ ‬وتفككت‭ ‬أكبر‭ ‬إمبراطورية‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬شاهدوا‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬فول‭ ‬أوف‭ ‬ذا‭ ‬رومان‭ ‬أمباير‮»‬‭ ‬ويعني‭ ‬‮«‬سقوط‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬عمر‭ ‬الشريف‭ ‬تناولوا‭ ‬جرعة‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬تشرح‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لبنيان‭ ‬صلد‭ ‬ضخم‭ ‬أن‭ ‬يتهاوى‭ ‬كبيت‭ ‬الكرتون،‭ ‬إذا‭ ‬أهمل‭ ‬بُناته‭ ‬ومهندسوه‭ ‬أمره،‭ ‬وحسبوا‭ ‬انه‭ ‬‮«‬خالد‮»‬‭ ‬لكونه‭ ‬محكم‭ ‬البناء‭ ‬وبلا‭ ‬نظير‭ (‬ضاع‭ ‬الأندلس‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬لنفس‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب‭ ‬وبنفس‭ ‬تلك‭ ‬الأعراض‭ ‬والأمراض‭).‬

وأمريكا‭ ‬المعاصرة‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬السياسيين‭ ‬هي‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬المعاصرة‭:‬

جيوشها‭ ‬في‭ ‬أركان‭ ‬الدنيا‭ ‬الأربعة‭ ‬تأمر‭ ‬وتنهى،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحريك‭ ‬الجيوش،‭ ‬فأشخاص‭ ‬يجلسون‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أمريكية‭ ‬ما‭ ‬يستطيعون‭ ‬توجيه‭ ‬طائرة‭ ‬‮«‬درون‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬نسميها‭ ‬مسيّرة‭ (‬وكأنما‭ ‬هناك‭ ‬طائرات‭ ‬مخيّرة‭) ‬لتضرب‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العام،‭ ‬وأمريكا‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬سعر‭ ‬النحاس‭ ‬والقطن‭ ‬والجرجير‭ ‬والتيوس‭ ‬والبعير‭ ‬وتنتج‭ ‬الصواريخ‭ ‬والفياغرا‭ ‬وبيونسي‭ ‬ناولز،‭ ‬وتحدد‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬تدريس‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والجمباز‭. ‬وتعتبر‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬هيفاء‭ ‬وهبي‭ ‬وباسكال‭ ‬مشعلاني‭ ‬علامة‭ ‬تحضر‭ ‬ورقي،‭ ‬وتعتبر‭ ‬عدم‭ ‬خضوع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لأهواء‭ ‬اسرائيل‭ ‬خروجا‭ ‬على‭ ‬طاعة‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ (‬من‭ ‬يحكمون‭ ‬أمريكا‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬كفلاء‭ ‬جميع‭ ‬الدول،‭ ‬وأي‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تأتمر‭ ‬بأمر‭ ‬الكفيل‭ ‬يتم‭ ‬جرجرتها‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الطاعة‭).‬

في‭ ‬علم‭ ‬الفيزياء‭ ‬يكون‭ ‬التمدد‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تماسك‭ ‬الشيء‭ ‬ويؤدي‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬تراخيه‭ ‬ووهنه‭!! ‬وأمريكا‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬السودانية‭ ‬‮«‬إنشَرَّت‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تمددت‭ ‬وترهلت،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلثي‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المقاتلة‭ ‬توجد‭ ‬خارج‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجي‭ ‬نبه‭ ‬إليه‭ ‬قادة‭ ‬عسكريون‭ ‬متمرسون،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬العبسي،‭ ‬فالأمريكان‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬وهاييتي‭ ‬وليبيريا‭ ‬والعراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وبنما‭ ‬وجرينادا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وسيراليون،‭ ‬ولو‭ ‬فتحت‭ ‬الثلاجة‭ ‬الآن‭ ‬لوجدت‭ ‬فيها‭ ‬جنديا‭ ‬أمريكيا‭ ‬مثلجا‭ ‬ينتظر‭ ‬الأوامر‭ ‬ليدخل‭ ‬المايكروويف‭ ‬للتسخين‭ ‬ثم‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬وصحاري‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬نيفادا‭ ‬وأريزونا‭ ‬بها‭ ‬مستودعات‭ ‬ضخمة‭ ‬لقنابل‭ ‬نووية‭ ‬تكفي‭ ‬لتدمير‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬14‭ ‬مرة‭. ‬وهزة‭ ‬أرضية‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬بومبي‭ ‬الرومانية‭ ‬أو‭ ‬حماقة‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬معتوه‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فناء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬والانقطاع‭ ‬الفاجع‭ ‬للتيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬الصناعي‭ ‬والتجاري‭ ‬لأمريكا‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬بسبب‭ ‬عواصف‭ ‬رعدية‭ ‬والذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬خسائر‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لا‭ ‬تجدي‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬طارئة‭ ‬معينة‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الضعيف‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬ضعيفا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬للعرب‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬إمبراطورية‭ ‬تضاهي‭ ‬الدولة‭ ‬الرومانية،‭ ‬ثم‭ ‬صاروا‭ ‬يستجدون‭ ‬الطعام‭ ‬والأمان‭ ‬ممن‭ ‬أذاقوهم‭ ‬المر‭ ‬والهوان‭. ‬والصين‭ ‬كانت‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬راع‭ ‬وكفيل،‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭: ‬لديها‭ ‬موارد‭ ‬طبيعية‭.. ‬وقوى‭ ‬بشرية‭ ‬منضبطة‭ ‬تأكل‭ ‬الزلط‭.. ‬وتاريخ‭ ‬عريق‭ ‬لم‭ ‬تتبرأ‭ ‬منه‭.. ‬ولديها‭ ‬الماء‭ ‬والأرض‭.. ‬والتكنولوجيا‭ ‬والسلاح‭.. ‬وبعد‭ ‬عقد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬ستنتقل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬شنغهاي‭ ‬أو‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬وستهرع‭ ‬الوفود‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬بكين‭ ‬لمناشدة‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لـ«تعترف‮»‬‭ ‬بالدول‭ ‬العربية‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا