القراء الأعزاء،
ازدادت البحرين تميّزاً في مجال صون وحماية واحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية عندما أصدرت قانون العقوبات والتدابير البديلة رقم 17 لسنة 2018، وهو القانون الذي شُرّع لتعزيز الحرية الشخصية والأمان ومنحهما المزيد من الضمانات.
ذلك أن الحريّة الشخصية كحقّ من حقوق الإنسان، تُعد من الحقوق التي يجوز للسلطة تقييدها لأسباب جنائية (تنفيذاً لعقوبة أو لإجراء احترازي) ولأسبابٍ غير جنائية (حماية للصحة العامة والأمن وقوانين الهجرة والإقامة على إقليم الدولة، ولأسباب تربوية وغيرها)، لذا جاء قانون العقوبات والتدابير البديلة ليمنح للمحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية والمحتجزين احتياطيّاً على ذمة التحقيق، بارقة أمل وفرصة أخرى لممارسة حياتهم الطبيعية والتي قوامها الحرية الشخصية، لأسبابٍ عدة أهمها تعزيز حقوق الانسان والتي تُعد من أهم ركائز الفكر الملكي السامي ومشروع جلالة الملك المعظم الإصلاحي، ولا يقل عن السبب الأول أهمية كون موضوع ادماج المحكوم عليهم في المجتمع واعادتهم إلى طريق الصواب نحو تعزيز المواطنة الصالحة بدواخلهم وجعلهم منتجين في المجتمع بدلاً من بقائهم في المؤسسة الإصلاحية عبئاً على موازنة الدولة، وهي فكرة متقدمة جداً وملائمة للظروف الاقتصادية للمرحلة، يضاف إلى ما سبق الجوانب الإنسانية الأخرى والمرتبطة بأسرة المحكوم عليه والتي يُشكّل وجوده بين أفرادها عاملاً مهماً في استقرارها واكتفائها من نواحٍ عدّة.
ونعلم بأن المؤسسات التأهيلية في البحرين التي يقضي فيها النزلاء المحكومون فترات محكوميتهم، تعج بالبرامج التعليمية والتدريبية والترفيهية للنزلاء، وفي برنامج السجون المفتوحة الذي يُشكل انجازاً نوعيّاً في هذا الصدد، نموذج فريد يجدر الإشارة إليه في هذا السياق، حيث يضم قاعة للألعاب الإلكترونية والسينما والاستمتاع بمشاهدة المباريات، وأيضا قاعة للألعاب الذهنية والشعبية، وكذلك خدمة الاتصالات المرئية للمستفيدين.
وهنا، يهمني التطرق إلى تجربة فريدة تسنى لي أن أشهدها في المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، حيث سنحت لي الفرصة لحضور معرض أنيق جداً بعنوان (صُنع بعزيمة) لمنتجاتٍ صُنعت بأيادي نُزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل في المملكة، ضمن مشروع يهدف إلى تسويق العملية الإصلاحية التي تبنّتها مديرية الأمن العام قبل أعوام لتمكين النزلاء من بناء قدراتهم لمرحلة ما بعد الافراج واكسابهم مهارات حقيقية تمكنهم من الاندماج في المجتمع والعودة كمواطنين صالحين قادرين على العطاء بهدف الحد من نسبة العوز، بجانب تحفيز العملية الإنتاجية وتطويرها داخل مراكز الإصلاح وربطها بمتطلبات السوق بما يوفر مصدر دخل للنزلاء، والجميل في هذا المشروع هو مواكبته للتطور التكنولوجي، إذ استخدم الوسائل الرقمية كوسيلة تسويق من خلال انشاء منصة خاصة عبارة عن متجر الكتروني تابع للمديرية على شبكة الانترنت لبيع المنتجات التي يصنعها النزلاء ضمن برنامج التأهيل الحرفي المعتمد من الإدارة، ولعل أهم ما يُميّز هذا المشروع الريادي هو أن 80% من عائد المبيعات يعود على النزلاء وأسرهم مباشرة بينما يُخصص 20% الباقي لتطوير المشاغل وشراء المواد الأولية للازمة للإنتاج.
إذا ينتهي هذا المشروع إلى توفير مصدر دخل للنزيل رغم تقييد حريته، فيكون عنصر بناء في المجتمع حتى أثناء بقائه في مركز الإصلاح والتأهيل، وإلى اتاحة الفرصة أمام الجمهور سواء من المواطنين أو المقيمين أو الزائرين في الحصول على منتجات نوعية وابداعية وفريدة بذاتها وقد تكون نادرة بصنع اليد وبسهولة عبر المتجر الالكتروني أو من خلال المعرض الدائم الموجود في المبنى التراثي لقيادة البادية سابقاً في عمّان، والذي حالفني الحظ لأشهده أثناء وجودي في المملكة الأردنية للمشاركة في مهرجان عشتار الدولي للشعر في دورته السادسة، ولا شك بأنني حظيت بقطعي النادرة من هذا المعرض.
شكراً وتقديراً مع صادق أمنيات التوفيق لكل جهد ولكل فكر يحترم الانسان ولاسيما في أحلك ظروفه، تلك المرتبطة بتنفيذ عقوبة مقيّدة لحريته الشخصية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك