في هذا العمل يلعب «المؤذن» في ساحته، البيئة الثقافية ودهاليزها، عن دور النشر والصحافة والاعلام، عن الكاتب والمثقف اللعبة والاعب في ذات الوقت.
بافتتاحية صاخبة للمرأة تتوعد زوجها «خالد مشعل المخرازي» بالانتقام من خياناته، والتبرم من غيابه يحشرنا المؤذن جميعا في فيلا فخمة تحيطها حديقة غناء تعج بمشاهد البذخ والثراء.
هناك «أسيل» الفنانة التشكيلية والنحاتة سيدة القصر والزوجة للخرازي الكاتب المعروف والمشهور والحائز على عدة جوائز عالمية مثل البوكر وغيرها، يأخذ المؤذن دور البطلة، ويجيد دوره جيدا بفيض من المشاعر والذاتية التي تتميز بها شخصية الأنثى المضطربة.
لا أريد التحدث عن أحداث وحبكة الرواية حتى لا أفسد متعة اكتشافها للقارئ.
إنها رواية تدور في محيط صغير مكانيا في فيلا واسعة تشتبك كل الشخصيات مع البطلة «أسيل» الصديقة «هدى» المطلقة والمنطلقة والآخذة في اكتشاف الحياة دون عبء. وشخصية «روجينيا» بطلة إحدى روايات الزوج «خالد» التي تخرج وتتحدث مع «أسيل» عن مصيرها داخل الرواية وعن زوجها مهند وتكون مثل الملاك الحارس لأسيل تحذرها وتنصحها..
شخصية أخت أسيل «نجاح» المطلقة من «عبدالقادر» وتسكن مع أمها في دوامة إزعاج وصراعات ترهق الأم ويؤدي لمصير مفجع لكلتيهما.
تتقارب شخصية «نجاح» العصبية التي يعاني منها أطفالها وطليقها عن «هدى» العصرية التي تجد طريقتها لحياة ممتعة كلاهما يمثل «المطلقة» كقضية لكن باتجاهين مختلفين.. تنتهي حياة نجاح بالاعتراف بقتل أمها وتختتم حياتها المضطربة بالانتحار عبر تسميم طعامها لينجو أطفالها بعدها.
«حمد» أخ أسيل شخصية تحب التطوع والعمل بالنادي.. ومتزوج بالسر من ثانية و«فيصل» الأخ الثاني والطبيب الناجح والناصح ثم «أسمهان» الأخت الصغرى الأسيل الجامعية المتفوقة والمدللة.
إذن.. هذا هو حيّز الرواية في إطار عائلي مصغر لكل فرد حكايته التي تنمو أو تتوقف عند حد الحاجة من وجودها داخل العمل.
وقبل أن نتكلم عن النهاية الصادمة لجميع الشخصيات وكل الحوادث والقصص التي ستنقلب كلها رأس على عقب، ما يميز هذا العمل هو الولوج لعالم الكاتب وما يحيطه من إشكالات كمثقف وفاعل في المشهد ومحرك له وتعرضه للقضايا الحساسة كالتطبيع مع الكيان الغاصب ثقافيا ومعرفيا وهو ما نجده يحصل بأشكال مختلفة.. يجب أيضا الانتباه لأن شخصية الكاتب هنا والمدعوم من دور النشر ومن مؤسسات رسمية تعمل لتصديره كواجهة للبلد والعمل على خلق هالة تجعله محط الأضواء دائما وترفعه للقمة لكنه يمثل الجانب السيء عديم الثوابت محب للمصلحة وسيد في التبرير وهو من أخطر الناس كما يقول لينين «المثقف خطير لأنه الأقدر على التبريز» ويجتهد المؤذن في تبيان هذا الجانب المظلم من الكاتب طوال الأحداث:
«الكاتب أسوأ أنواع الرجال ممن لا يصلح للزواج. عندما يكون مغمورا تجدينه يتبرم نصف عمره من الإقصاء والتهميش التآمر ضد مسيرته، أما حينما يحقق الشهرة فيصبح ملكا لجمهوره من المعجبين والمعجبات…» صـ17-
«فما أغرب خبث الكتّاب، يفذلكون عوالمهم الملتبسة ببراءة الحملان!..» صـ24-
«الكاتب في كثير من الأحيان يتعسف ضد شخصياته، يصبح ساديا وبحرك الناس كما قطع الشطرنج، يريد مكانة الملك حيث كل شيء بأمره وتحت سطوة غروره»صـ34-
- خصوصا خبر أول أمس على موقع «سي إن إن» لا يمانع التبادل الثقافي مع اسرائيل وترجمة الأدب العبري للعربية! هه صارت خيانة ثوابت الأمة تبادلاً ثقافيا!..» صـــ76
- «الكاتب مجرم من حيث لا يدري!» صـ116-
يجب أيضا أن نشيد بحياكة المؤذن سرديا بشكل متزن وهادئ وحرفي جدا، إنه يشتغل بدم بارد وقد أتقن دور البطلة، البطلة التي تدخل في مونولوج أحادي بل يتطور لخلق شخصيات أخرى تحاورها مثل «روجينا» مما يخلق شخصية غير متزنة في جانب وثابتة من جانب آخر ودخولها في صراع كبير ينتهي أخيرا بأن يكون لها موقف تجاه القضايا العادلة.
يتطرق العمل لجملة من القضايا كاستغلال العمالة في شخصية مدبرة المنزل التي يتم اغتصابها وتجهض حملها من سيد القصر «خالد» الكاتب الضبع.
وما يمثله الزوج «خالد» الذي يدعو إلى التقارب والتطبيع مع الكيان، والواجهة الاعلامية والأدبية المشهورة والمحاطة برعاية الدولة. الخائن والمغتصب، السارق لأعمال أدبية، المتعرض لعملية طعن يدخل على إثرها في غيبوبة، دون معرفة الجاني ويتعدد المشتبه بهم الذي يقود في النهاية إلى لوبي دور النشر الذي يتشكل وكأنه عصابة مافيا من أجل تدبير وتلفيق قضايا تزوير وخداع يراد منها أن تدر المزيد من الشهرة والربح.
طبعا ينجح المؤذن في النهاية بقلب الطاولة بكل ملفاتها المرتبة ليبعثر كل شيء، كل شيء حرفيا.
وهو أجاد كما يفعل مع كتابة كل قصة، أقول قصة لأن العمل لم يأخذ بعدا في الشمولية البانورامية اكتفى بمحيط وعائلة وقصة تصلح بجدارة لأن تكون مسلسلا خليجيا، ليس هناك ضعف في مقومات الرواية من حبكة محكمة و أحداث متخيلة و شخصيات جيدة لكن لا يمكنك في العمل الاتكاء على قضية أخذت عمقا وتدور حوله الرؤية للعمل ككل، وأعني بالعمق الشمولي الذي يجعل العمل يخرج من ذاتيته لعالميته أو على الأقل أن تكون قضيته الرئيسية موحده مهما تشعبت التفاصيل مثلا لو كانت قضية التطبيع مركزية كانت سترتفع قيمة العمل فكريا مجتمعيا وعالميا أيضا.
يبقى «المؤذن» قلما رصينا ومجتهدا ومستمرا أيضا وهو ما يجعل له قدما راسخة في السرد البحريني وهو يستحق الانتباه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك