العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أهداف نتنياهو من الاستمرار في تصعيد الحرب

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الجمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

كما‭ ‬قال‭ ‬نتنياهو،‭ ‬فهو‭ ‬لن‭ ‬يوقف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬مستحيلة،‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬المعرفة،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يوقف‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬يبرر‭ ‬بقاءه‭ ‬السياسي‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تنهار‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬محور‭ ‬المقاومة،‭ ‬فوقف‭ ‬الحرب‭ ‬معناه‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬حقيقية،‭ ‬ونتنياهو‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬ذلك،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنه‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهو‭ ‬يتصرف‭ ‬بمنطق‭ ‬المنتصر،‭ ‬لا‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬تسوية،‭ ‬هو‭ ‬يريد‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ليحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬الخفية‭ ‬منها،‭ ‬فلا‭ ‬يعنيه‭ ‬الأسرى‭ ‬ولا‭ ‬يعنيه‭ ‬اجتثاث‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬هو‭ ‬محو‭ ‬المكان‭ ‬وضمان‭ ‬الهدوء‭ ‬لعقود‭ ‬وتحويل‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬للمواصلات‭ ‬والاتصالات‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والاستيطان‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الديموغرافيا‭ ‬والجغرافيا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشكل‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والفصل‭ ‬بشكل‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬بين‭ ‬تجمعات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يعودون‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬دولة،‭ ‬تدمير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وتهجير‭ ‬أهله‭ ‬هو‭ ‬محو‭ ‬للجغرافيا‭ ‬التي‭ ‬حمت‭ ‬وحضنت‭ ‬وغذت‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬الحقيقية‭ ‬لنتنياهو‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬حربه‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يخفض‭ ‬من‭ ‬وتيرتها،‭ ‬لكنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لن‭ ‬ينهي‭ ‬احتلاله‭ ‬للقطاع،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬فلسطينية‭ ‬لكيفية‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحياة‭ ‬القطاع‭ ‬وحياة‭ ‬أهله‭. ‬

هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬تتضمن‭ ‬أيضاً‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تهجير‭ ‬المواطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بكل‭ ‬السبل‭ ‬المتاحة‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يستثمر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬لإطالة‭ ‬حكمه‭ ‬وإطالة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وإطالة‭ ‬الصراع‭ ‬أيضاً‭.‬

يكاد‭ ‬يجمع‭ ‬الزعماء‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬المطلب‭ ‬الأول‭ ‬لهم،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يشغلهم‭ ‬أو‭ ‬يستوقفهم‭ ‬أو‭ ‬يهمهم‭ ‬سوى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأسرى،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتباكى‭ ‬عليهم‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬معاناة‭ ‬أهاليهم‭ ‬وضرورة‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬العائلات،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬معاملتهم‭ ‬وقسوة‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬يعيشون‭ ‬تحتها‭. ‬

ونحن‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬كل‭ ‬أسير‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يضمن‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬أسير‭ ‬فلسطيني‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتذكرهم،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يتعاطف‭ ‬معهم‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يطالب‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراحهم‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬شروط‭ ‬اعتقالهم‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬مروعة‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬اعتقالهم‭.‬

إن‭ ‬التباكي‭ ‬على‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬والخداع‭ ‬والازدواجية‭ ‬وسيطرة‭ ‬القوة،‭ ‬وهو‭ ‬يعكس‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬بالذات‭ ‬إنما‭ ‬يعطي‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬من‭ ‬شرعيات‭ ‬وأموال‭ ‬وسلاح‭ ‬وحماية‭ ‬وتبنٍ‭ ‬للرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لمجمل‭ ‬الصراع‭. ‬

بكلمات‭ ‬أخرى،‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬مجاملة‭ ‬مجانية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬كاملة‭ ‬للصراع،‭ ‬فالغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬أسقط‭ ‬كل‭ ‬الأقنعة‭ ‬عن‭ ‬وجهه،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يجامل‭ ‬أحداً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬فهو‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬بهزيمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬انتقادها‭ ‬أو‭ ‬سحب‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬أفعالها‭.‬

هذه‭ ‬المرة،‭ ‬يقف‭ ‬الغرب‭ ‬عارياً‭ ‬تماماً‭ ‬لتظهر‭ ‬عورته‭ ‬القبيحة‭ ‬تماماً،‭ ‬كما‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الألمانية‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الأهداف‭ ‬المدنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تسقط‭ ‬مبررات‭ ‬حمايتها‭ ‬لأنها‭ ‬تستعمل‭ ‬كمأوى‭ ‬للإرهابيين،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قالت‭.. ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬وصلت‭ ‬الأمور‭. ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نعترف،‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬هجرة‭ ‬بين‭ ‬مواطنينا،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬الشباب‭ ‬فقط،‭ ‬هناك‭ ‬أسر‭ ‬تهاجر،‭ ‬نعم،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يجري‭.‬

وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬الشعارات‭ ‬والكلمات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فإن‭ ‬الادعاء‭ ‬المستخدم‭ ‬والأكثر‭ ‬شيوعاً‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تدهور،‭ ‬فلا‭ ‬أمن‭ ‬ولا‭ ‬أمان‭ ‬ولا‭ ‬استقرار‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬هانئة،‭ ‬وأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬يضيق‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يضيقه‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬يحرمنا‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭ ‬ويحرمنا‭ ‬منها‭ ‬أيضاً‭.‬

الاحتلال‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬جحيماً‭ ‬لا‭ ‬يطاق،‭ ‬فقد‭ ‬صادر‭ ‬الأرض‭ ‬وجفف‭ ‬المياه‭ ‬وأغلق‭ ‬الشوارع‭ ‬ومنع‭ ‬البناء‭ ‬وحتى‭ ‬التنزه‭ ‬في‭ ‬الجبال،‭ ‬وهناك‭ ‬فقر‭ ‬وازدحام‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬معدومة‭ ‬وبيئة‭ ‬ملوثة‭ ‬بما‭ ‬نعرف‭ ‬ولا‭ ‬نعرف،‭ ‬وهناك‭ ‬ظلم‭ ‬اجتماعي‭ ‬وفوارق‭ ‬وعدم‭ ‬انسجام‭ ‬وعنف‭ ‬داخلي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭.‬

إن‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬ظروف‭ ‬الحرب‭ ‬تخرج‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان،‭ ‬لهذا‭ ‬كله،‭ ‬فالهجرة‭ ‬صارت‭ ‬مخرجاً‭ ‬وحلاً‭ ‬سهلاً‭ ‬وقريباً‭ ‬ومتاحاً‭ ‬أيضاً‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬عاقل‭.‬

‭ ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬بكل‭ ‬ألم،‭ ‬ولا‭ ‬أدعي‭ ‬هنا‭ ‬الحلول‭ ‬ولا‭ ‬أطرح‭ ‬سبل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الورطة‭. ‬فمنع‭ ‬الهجرة‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬مؤسساتية‭ ‬اجتماعية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬قرار‭ ‬فردي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬الهجرة‭ ‬عذاب‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعرف،‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬عذاب‭ ‬أيضاً،‭ ‬وعذاب‭ ‬عن‭ ‬عذاب‭ ‬يفرق‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭.‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا