في كل مرة نلجأ فيها إلى هواتفنا الذكية، نفتح نافذة جديدة تطل على حياتنا. لم يعد الهاتف الذكي مجرد أداة تواصل أو مصدر للترفيه، بل أصبح شريكا دائما، يمكنه تتبع تحركاتنا ومعرفة رغباتنا وربما حتى استشعار أفكارنا.
نحن نستخدمه لتسهيل أمورنا، لكنه في المقابل يجمع معلوماتنا ويحللها ليعيد تشكيل اختياراتنا بشكل غير مرئي. فهل نحن من يتحكم في هذه التقنية، أم أن هذه التقنية أصبحت تتحكم فينا؟
لقد تحولت الهواتف الذكية إلى أدوات متقدمة لمعالجة بياناتنا الشخصية بشكل مستمر. مع كل تفاعل نقوم به، يتم تسجيل تفاصيلنا بدقة لاستخدامها لتخصيص الإعلانات والخدمات التي تعرض علينا. قد يبدو هذا مريحا وعمليا، لكنه يثير تساؤلات أخرى حول مدى تأثير الأنظمة التقنية على قراراتنا في اختيار المنتجات والخدمات، هل نختار بحرية حقا، أم أن الأجهزة الذكية أصبحت الموجه الخفي لأفعالنا؟
يرى البعض أن التكنولوجيا قدمت لنا وسائل تسهل سبل الراحة اليومية بشكل لم يكن متاحا من قبل. نحن نعيش في عالم مترابط بفضل هذه الأجهزة التي تضع العالم بين أيدينا. من التسوق إلى التواصل والتعليم، باتت الهواتف الذكية جزءًا لا غنى عنه في مسارنا اليومي.
ومع ذلك، لا يعتقد الكثيرون أن هذا التقدم التقني جاء من دون ثمن. هناك من يظن أن هذا التفاعل المستمر مع الهواتف الذكية لا يؤدي فقط إلى مراقبة سلوكياتنا، بل إلى السيطرة على خياراتنا.
في ظل الاعتماد المتزايد على الأجهزة الذكية، أصبحت قضية الأمان الرقمي لا بد من معالجتها بجدية.
ان شهر أكتوبر الذي يحتفى به عالميا كشهر للتوعية بالأمن السيبراني هو فرصة للتفكير في كيفية حماية بياناتنا الشخصية من التهديدات الرقمية المتدفقة.
ان الهواتف الذكية، التي تحتوي على كميات هائلة من المعلومات الخاصة، باتت هدفا للهجمات السيبرانية. إذا لم نتخذ التدابير المناسبة لحماية بياناتنا، فقد تتعرض للسرقة أو التلاعب. رغم أن هناك قوانين مثل «حق النسيان» في أوروبا و«اللائحة العامة لحماية البيانات» (GDPR) التي تهدف إلى تعزيز حماية الخصوصية، إلا أن التهديدات تتطور باستمرار، مما يستدعي اليقظة المستمرة وتحديث آليات الحماية.
دور البحرين في مكافحة الجرائم الإلكترونية:
في البحرين، تقوم إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بدور فعال في التصدي لهذه التهديدات، من خلال مراقبة الأنشطة السيبرانية وتطبيق دقيق لقانون حماية البيانات الشخصية (رقم 30 لسنة 2018) ومع ذلك، تبقى مسؤولية حماية البيانات الشخصية أيضا على عاتق المستخدمين.
إذ يتعين عليهم توخي الحذر واتخاذ الخطوات اللازمة لصون معلوماتهم من محاولات الاحتيال وضمان خصوصيتها عند استخدام التطبيقات غير الموثوقة تحديدا.
تجربة سنغافورة في مواجهة الهجمات السيبرانية تعتبر نموذجا ملهما للدول التي تسعى لتعزيز أمنها الرقمي. بعد تعرضها لهجوم سيبراني كبير في عام 2018 استهدف السجلات الصحية لنحو 1.5 مليون شخص، بما في ذلك السجلات الخاصة برئيس الوزراء.
لقد سارعت سنغافورة إلى تعزيز بنيتها التحتية للأمن السيبراني. أنشأت وكالة الأمن السيبراني (CSA) لتكون الجهة المسؤولة عن حماية الأنظمة الحساسة ووضع سياسات قوية لمكافحة الجرائم الإلكترونية. كما اعتمدت سنغافورة على تقنيات حديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، لتحسين استجابتها للهجمات السيبرانية، وهو ما ساعدها على أن تصبح واحدة من الدول الأكثر أمانا في العالم من الناحية الرقمية.
ورغم وجود تشريعات لحماية الخصوصية، لا تزال البيانات الشخصية تعتبر محركا رئيسيا للاقتصاد الرقمي. نحن نفصح عن معلوماتنا يوميا مما يجعلنا جزءًا من نظام أوسع حيث تستخدم البيانات بطرق قد لا ندركها بالكامل. تستغل بعض الشركات أنماط سلوكنا بدقة لتوجيهنا نحو منتجاتها، في ظل هذا الاقتصاد الرقمي القائم على استثمار المعلومات الشخصية.
على صعيد آخر، ومع هذا الارتباط المتنامي بالتكنولوجيا يتزايد القلق بشأن تأثير الهواتف الذكية على الأجيال الناشئة. فقد نشأ الأطفال والمراهقون في عالم رقمي متصل دائما، مما يجعلهم عرضة لتأثيرات سلبية خطيرة.
ان الإفراط في استخدام هذه الأجهزة قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة ويضعف مهارات التواصل الاجتماعي الحقيقية. من المهم توجيههم نحو استخدام واعٍ ومتوازن للتكنولوجيا، مع تشجيع الأنشطة الاجتماعية التي تبني علاقات إنسانية عميقة وتغذي الروح.
استعادة السيطرة على حياتنا الرقمية تبدأ بالاعتراف بأننا قد نكون ضحايا لهذا الإدمان الخفي.
فمن المهم تخصيص وقت بعيد عن الشاشات لتحقيق التوازن بين حياتنا الرقمية والواقعية. رغم أن التقنيات المتطورة تمنحنا إمكانيات هائلة، يجب استخدامها بحذر للحفاظ على استقلاليتنا وخصوصيتنا.
إن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية الاستفادة من التكنولوجيا مع الحفاظ على حريتنا في عالم رقمي متزايد التعقيد.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك