سُئِلَ الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن أَشَدِ جنود الله تعالى؟ قال: أشد جنود الله عشرة: الجبال الرواسي، والحديد يقطع الجبال، فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد، فالنار أقوى، والماء يطفئ النار، فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء، فالسحاب أقوى، والريح تحمل السحاب، فالريح أقوى، وابن آدم يغلب الريح فابن آدم أقوى، والسكر يغلب ابن آدم، فالسكر أشد، والنوم يغلب السكر، فالنوم أشد، والهم يغلب النوم، فالهم أشد، فأشد جنود الله الهَمُّ! ولا أدري هل وقف الإمام علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) عند الهم، واعتبره أشد جنود الله تعالى أم أن الراوي فاته شيء من كلام الإمام (رضي الله عنه)؟ إذ يصعب على الإنسان أن يعيش ويصاحب الهم طيلة حياته، ويبقى سجينًا له لابد أن يكون هناك من جنود الله تعالى ما هو أشدُّ وأقوى.. إنه الإيمان، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد / 28.
ونجد مصداق ذلك في قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام/ 125.
إذًا، فمن المستحيل أن يتصدر الهم حياة المؤمن، وينفرد بمشاعره وأحاسيسه دون أن يغلبه غالب أو توقفه قوة عند حد.
وحين نبحث عن الهم وأسبابه، ونشعر بالعجز عن إدراك أسبابه وبواعثه، لا ندري ولا نعلم بأي اسم من أسماء الله الحسنى نستغيث حتى يزيل الهم عنا، فيدلنا الحق سبحانه على الاسم الذي يوافق أحوالنا، فنسأله أن يستجيب لنا سبحانه وتعالى.
يقول تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) (فصلت/ 30)، فليطمئن المؤمن إلى حسن رعاية الله تعالى له، واهتمامه بشأنه، واختيار من أسماء الله الحسنى ما يناسب أحواله، ويحقق له رجاءه، وليطمئن أنه يأوي إلى ركن شديد، فالإله الذي يعبده، ويخلص العبادة له إله حي لا يموت، وهو سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم، فليطمئن المؤمن، ولتقر عينه، فهو في حصن منيع.
ونستطيع أن نقول في ثقة تامة إن الإيمان حصن حصين إذًا لجأ إليه المؤمن طابت نفسه، واطمأن قلبه، وهانت عليه كل الخطوب.
وللنفس أحوال إذًا استعان بها المؤمن أعانته على وسوسة الشيطان، وحديث النفس الأمَّارة بالسوء، وهذه الأحوال هي: النفس اللوَّامة، والنفس التقية والنفس الزكية، والنفس الراضية والمرضية، والنفس المطمئنة التي تحقق له الفوز بالجنة، والنجاة من النار يوم القيامة، قال تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30)) سورة الفجر.
وتأملوا الحالة التي تدخل النفس بها الجنة، وهي «النفس المطمئنة»، ولهذا فلا عجب أن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) يسأل ربه سبحانه أن يمنحه الاطمئنان بأن يريه كيف يحي الموتى ليس شكًا في أن الله تعالى على كل شيء قدير، بل ليزداد إيمانًا، ويبلغ مرتبة الاطمئنان لأنها الحالة التي هي سبيلهم إلى دخول الجنة، قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..) البقرة / 260.
إذًا، فهناك صراع دائم، وتهديد مستمر بين هذه القوى التي ذكر الإمام علي (رضي الله عنه) وحصرها في هذه القوى (الغالبة والمغلوبة)، وختمها بالهم، وهذا يعني أن المؤمن سيبقى حبيس الهَمْ طيلة حياته، وللتغلب على ذلك هو ملازمة حبل الله المتين، وحصنه الحصين بالاعتصام بالقرآن تدبرًا، وعملًا بأوامره وانتهاءً عن نواهيه، حين يُفَعِّلْ المؤمن كل هذه الأسباب، ويداوم عليها، ويتمثلها سلوكًا في حياته، ليحقق الله تعالى لنا ما وعدنا به، قال سبحانه: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173) الصافات.
ويكفي المؤمن أن يبذل وسعه وجهده ليحقق الله تعالى له النصر، يقول تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) (الأنفال / 60) والله تعالى عن ذلك علوًا في غير حاجة إلى كل ذلك ويكفي المؤمن النية الصادقة، وشيء من العمل الصالح.
إذًا، فهناك قوة لم يذكرها الإمام علي (رضي الله عنه) ليس إهمالًا لهًا، أو تقليلًا من شأنها، وإنما ذكرها تحصيل حاصل، وإنها تفهم من السياق، ولأن هذا ما جاء الإسلام من أجله.
إذًا، فالإيمان يغلب الهم، فأشد جنود الله تعالى الإيمان.. وهنا تصح المعادلة لأن لكل قوة غالبة قوة مغلوبة أي خمس غالبة تعادلها خمس مغلوبة، ثم تبقى قوة القوى، وهي الإيمان القوة الوحيدة الغالبة، ويبقى غيرها قوى مغلوبة، وهي التي يدخل بها الإنسان الجنة، ونسأل الله تعالى أن نكون من أهلها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك