سأل أحد الملاحين الذين كانوا على متن سفينة (تايتانيك) مصمم السفينة: هل يقدر الله أن يغرق هذه السفينة؟ قال: إن الله لا يقدر عليها. غطرسة إنسان. فقامت برحلتها الأولى والأخيرة عبر المحيط الأطلنطي من إنجلترا إلى أمريكا يوم 10 أبريل 1912، ولكنها لم تصل، لأنها بكل بساطة غرقت. علمًا بأنها سميت (تايتانيك) لأنه يعني (المارد).
هذه الغطرسة هي نفسها ظهرت لنا جليًا طوال الأعوام الماضية إلا أنها بدت واضحة خلال السنة الماضية، عندما قال الرئيس الأمريكي «إن أمريكا لا تنحني لأحد»، فانحنت أمام إعصار لم يكن مألوفًا للبشرية حسب العديد من المؤشرات المناخية.
في تقرير نُشر في 13 أكتوبر 2024 قال: «ضرب إعصار ميلتون ولاية فلوريدا الأمريكية الأربعاء 9 أكتوبر مخلفًا وراءه دمارًا واسعًا وأضرارًا بشرية ومادية كبيرة. وُصف الإعصار بأنه واحد من أشد الأعاصير التي شهدتها الولاية في السنوات الأخيرة، حيث بلغت سرعته أكثر من 150 ميلاً في الساعة، مما أدى إلى تدمير العديد من المدن والبنى التحتية الحيوية».
ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟
قالت وكالة أنباء البحرين يوم الأحد 12 أكتوبر إن الرئيس الأمريكي أعلن أن الإعصار (ميلتون) قد أسفر عن خسائر وأضرار تقدر بنحو 50 مليار دولار.
في تقرير آخر قال: «إن حصيلة القتلى ارتفعت جراء الإعصار ميلتون إلى 16 قتيلاً على الأقل في فلوريدا، يوم الجمعة 11 أكتوبر، في الوقت الذي بدأ فيه السكان بالعودة إلى منازلهم، وسط استمرار انقطاع الكهرباء عن الملايين. وقدّر الرئيس الأمريكي جو بايدن قيمة الخسائر الجسيمة التي خلفها الإعصار بـ50 مليار دولار، في حين كانت الزوابع وليس مياه الفيضانات وراء العديد من الوفيات الناجمة عن العاصفة. وفيما تستمر عمليات البحث والإنقاذ وإزالة الركام، حض بايدن السكان على عدم مغادرة منازلهم حتى يتم إزالة خطوط الكهرباء والحطام المتناثر.
ومن جانب آخر يقول التقرير إنه «ظل نحو 2.5 مليون منزل ومقر شركة محرومة من الكهرباء، بينما بعض المناطق الواقعة على مسار العاصفة بالغة العنف من خليج المكسيك إلى المحيط الأطلسي لا تزال مغمورة بالمياه».
علمًا بأن المنطقة نفسها تعرضت منذ حوالي شهر (سبتمبر 2024) إلى إعصار يعرف بـ(هيلين)، والتي أشارت التقديرات إلى أن الخسائر الناجمة عن إعصار هيلين بلغت حوالي 47.5 مليار دولار لأصحاب العقارات، وتسبّب في فيضانات واسعة النطاق ومدمرة في: فلوريدا، كارولاينا الشمالية، كارولاينا الجنوبية وجورجيا.
وفي حوار مع أحد علماء المناخ عن سبب ارتفاع عدد كوارث الأعاصير خلال السنوات القليلة قال:
ذلك هو موسم الأعاصير في تلك المنطقة من العالم، لكن قبل سنوات سجلت مراكز بحوث الأعاصير رقمًا قياسيًا جديدًا، إذ حدث لأول مرة أن اجتمع إعصاران معًا تتخطى سرعة كل منهما 240 كيلومترًا في الساعة، إنهما إعصارا (إيرما) و(خوسيه) اللذان ضربًا سواحل المحيط الأطلسي في أكتوبر 2017.
كان (إيرما) قد سجل منفردًا رقمًا قياسيًا جديدًا بالاستمرار في الضرب بسرعة تقترب من 300 كيلومتر في الساعة مدة تزيد على 65 ساعة متواصلة، وهو بذلك يكسر رقمًا كارثيًا سابقًا لإعصار (ألين) في المكسيك بالاستمرار في مرحلة الذروة مدة 18 ساعة فقط. وقد ارتفع عدد الأعاصير من المقياس 4 و5 – تلك التي ترتفع سرعة الرياح فيها عن 200 إلى 250 كم في الساعة – من معدل 10 أعاصير في السنة في سبعينيات القرن الفائت ليصل في التسعينيات إلى 18 إعصارًا في السنة.
وإجابة عن السؤال: لكن لم تتطور الأعاصير فتصبح أشد قوة وتدميرًا؟ قال: نعتقد أن التغير المناخي له دور كبير في هذا الأمر، فلا يمكن بالطبع التحديد إن كان إعصار بعينه قد تأثر بالتغير المناخي، لكن في المجمل يبدو أن هذا هو ما يحدث.
وبغض النظر عن كل التحليلات العلمية والمناخية والبيئية، فنحن اليوم نعلم أن الأعاصير والفيضانات وكل تلك الظواهر هي ظواهر طبيعية تحدث وفق نواميس وقوانين كونية محددة، ربما تزيد أو تنقص، بأسباب معينة، سواء كانت بسبب التلوث أو بأسباب أخرى، ولا يستطيع أن يتحكم فيها إلا الله سبحانه وتعالى صانع هذا الكون، فسواء حدثت في أمريكا أو أوروبا أو في أي دولة عربية مسلمة فهي مقدرة ومحددة في الوقت والزمان الذي قدرهما الله سبحانه وتعالى.
والله سبحانه وتعالى لا يجامل أحدا على حساب أحد، وربما هنا يمكننا أن نتذكر حادثة كسوف الشمس التي حدثت يوم وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال النبي: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة».
وهذا هو واقع الحال، ولكن في الوقت ذاته فإن من نواميس الله سبحانه وتعالى أن يعيد توازن الحياة والكون إلى بعض البشر الذين يعتقدون أنهم بلغوا مرحلة الألوهية وأنه يمكنهم أن ينازعوا الله في سلطانه، وبالتحديد في لحظة ذروة جبروتهم وطغيانه وغطرستهم إذ يقول لهم بكل بساطة توقفوا هنا، فأنا الجبار، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
فرعون؛ فقد بلغت به الغطرسة أن أعلن على الملأ وقال: (أنا ربكم الأعلى)، ولكن وهو في قمة جبروته وفي أوج قوّته، أخذه الله وهو على رأسِ جيشه المدجج.
وحين أهلكَ اللهُ (النمرود) لم يهلكه في لحظة ضعفٍ، وإنما أهلكه وهو في قمّة غطرسته، يُنادي في النَّاس: (أنا أُحيي وأميتُ).
وقوم عاد حينما أهلكها لم يهلكها بتغيير الأسباب وانقلاب الموازين، وإنما أهلكهم وهم يقولون: (من أشدُّ منّا قوَّة).
وثمود أهلكها وهم ما زالوا يجوبون الصَّخر بالواد.
وشتت شمل الأحزاب يوم الخندق، بعدما ضاقت الأرض على المؤمنين بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر.
وغيرهم الكثير، ترى أين ذهبوا؟ وكيف ذهبوا؟ وربما عاصرنا بعضهم في العصر الحديث. فالاتحاد السوفيتي – مثلاً – تلك البلاد التي جابت الأرض شرقها وغربها، وحكمت نصف قارة آسيا، وأخضعت الكثير من الدول والجمهوريات والبشر، ومنعت الصلاة والصيام وقراءة القرآن، وأعلنت في كل محفل أنه (لا إله والحياة مادة) وأن (الدين أفيون الشعوب) أين هي اليوم؟ لم يبق لها أثر.
ولكن قبلما يبلغ الإنسان مرحلة الغطرسة والاعتقاد أنه بلغت فيه الإمكانيات أنه المتحكم في الكون والأرزاق والحياة تأتي بعض الآيات القليلة في القرآن الكريم لتذكره وتوقفه عند حده، لعل أن يتدارك نفسه ويرعوي، فيقول تعالى في سورة يونس – الآية 24:(حَتَّى إذَا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أهْلُهَا أنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلًا أوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
والقرآن الكريم واضح وصريح، كما هو العهد به، ففي هذه الآية يوضح أن الله تعالى لا يعاقب الطغيان والغطرسة وهو في أقصى درجات الذل، وإنما يعاقبهم وهم في أقوى درجاتهم وذروة الجبروت، بحيث يشعرون في تلك اللحظة أنه من المحال أن يمسهم أي أذى مهما كان ذلك الأذى صغيرا، وأنهم امتلكوا كل شيء، بحيث أصبحت حتى الطبيعة خاضعة لهم، فيقول «لا ننحني لأحد»، في تلك اللحظة يأتي أمر الله سبحانه وتعالى، فيجبرونه على الانحناء.
ربما يأتي عقاب الغطرسة في شكل إعصار، فيسحق كل من أمامه من بنيه تحتية من بيوت وشوارع وأشجار كما وجدنا في إعصار ميلتون، أو يكون عقاب الغطرسة زلزالاً يدمر مساحات كبيرة من الأرض، وربما في بعض الأحيان في صورة مخلوق صغير جدًا، ولا يرى إلا ببعض المجاهر الخاصة، مثل فيروس كورونا، أتذكرون ماذا حدث خلال السنوات الماضية عندما قبعت البشرية كلها في البيوت خوفًا من الخروج من المنزل، ماذا كان هذا المخلوق الصغير جدًا، هل كان إعصارًا أو وحشًا أم ديناصورًا ضخمًا، بل كان فيروسًا، علمًا أن هذا المخلوق يصعب على العلماء تصنيفه، هل هو كائن حي أو لا يعد كائنًا حيًا، عجبي.
ومرة أخرى، نريد أن نوضح أن إعصار ميلتون –ربما– لا يكون عقابًا لما يحدث في غزة، كما يحاول بعض الناس قوله، أو ربما يكون، فنحن لا نعرف مقادير الله إلى أين تسير، ولكنه حتمًا عقاب الغطرسة الغربية الملحدة التي تعتقد أنها تمكنت من التحكم في أقدار البشر، والطبيعة، والكرة الأرضية، وتعتقد أنها تستطيع أن تحي وتميت، حتى أن بعض الأنظمة اعتقدت أنها تستطيع أن تتحكم في المناخ والطقس والظروف الطبيعية، ولكنهم في لحظات تتوقف قدراتهم وتتجلى قدرة الله سبحانه فهو المتحكم والقادر، لذلك يجب أن نعيد التفكير، في كل تلك الدقائق والحقائق، وأن نقف بجلال أمام أفلام الفيديو التي بثت عبر شاشات التلفزيون واليوتيوب للإعصار، ونحمد الله تعالى أننا بخير.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك