تعد الحوسبة الكمومية أحد أكثر المجالات المتقدمة في حقل التكنولوجيا الحديثة، إذ تعتمد في صيرورتها على مبادئ ميكانيكا الكم، لتنشئ قدرات حسابية قد لا تكون ممكنة مع الحوسبة التقليدية، وعلى سبيل التبسيط يمكن وصف مفهوم الحوسبة الكمومية، بأنها تقنية تستخدم الظاهرة الفيزيائية الكمية عبر جهاز الحاسب الكمي، وذلك لزيادة سرعة العمليات الحسابية بشكل يفوق قدرة الحاسب التقليدي، إذ تختلف في كيفية تمثيل ومعالجة البيانات عن الحوسبة التقليدية.
وبغض النظر عن طريقة عملها، أو طريقة تشغيل خوارزمياتها، فإنها تظهر معالجة أعلى وأسرع، وتحسن في الأداء وحل المشكلات المعقدة، إلى جانب ذلك فهي تعد بتغييرات جذرية على مستوى التشفير والأمن السيبراني، لضمان أمان أعلى على المدى البعيد، كما إنها تعد بثورة في فهم الأنظمة الكيميائية والجزئية بشكل أكثر دقة، مما يتيح للعلماء إمكانية اكتشاف أدوية جديدة، إلى جانب إن بفضل قدرتها على معالجة البيانات بشكل أفضل وأسرع، قد تفضي بذلك الى تحسينات كبيرة على مستوى تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بالإضافة إلى ذلك من المتوقع أن تسهم في تطوير البحث العلمي في مجالات العلوم عبر حل مشكلاته، مما قد يوفر أدوات جديدة لدراسة الظواهر الطبيعية، هذا وسيكون لها أثر بالغ على مستقبل الصناعة، حيث ستؤدي إلى ابتكار تكنولوجي غير مسبوق في مختلف الصناعات، كما من المتوقع أن يكون لها القدرة على تقديم تحليلات ورؤى تساعد الحكومات في المجال السياسي والدبلوماسي، إلخ.
لذلك تتسابق الحكومات والشركات حالياً على ضخ مبالغ طائلة للاستثمار في هذا المجال المتطور، الذي بدأ يشي بثورة هائلة في مجال التكنولوجيا، والذي من المتوقع انه سيعود بالنفع على مختلف المجالات وبجميع الأصعدة. وسيأتي كمكمل للذكاء الاصطناعي التوليدي إلا أن الآمال المرتفعة في إمكانياته بحسب بعض الخبراء الذي يتنبأ بأنه قد يكون بديلا له.
يبقى السؤال المحير، ماذا بعد الوعود المتداولة والآمال المرتقبة؟ هل ستكشف لنا هذه التكنولوجيا، بفضل قدرتها الهائلة على معالجة كميات مهولة من المعلومات في وقت قياسي، عن الألغاز الكونية التي بقيت مجهولة، وذلك عبر تحقيق فهم أعمق للطبيعة والكون؟ هل ستحقق من خلال فهمها الدقيق للأنظمة الكيميائية، علاجات ثورية للأمراض العصية على العلاج؟ هل ستحقق دبلوماسية رقمية بين الأمم، قادرة على خلق تصورات دولية أكثر استنارة؟
لا شك ان التكنولوجيا تسهم بشكل أو بأخر في النهوض بالمجتمع، ولكن حالها حال أي مجال، لابد أن تفضي لبعض السلبيات كما الايجابيات، لتأتي مع منافعها عدد من التحديات، التي تفرض على المجتمع الدولي مسؤوليات مهمة وكبيرة أمام هذا التطور المهيب؛ إذ يجب عليه التصدي لها من خلال خلق استراتيجيات وتبني أنظمة تضمن استخدام هذه التقنيات بشكل أخلاقي ومسؤول، الأمر الذي يفضي الى سؤال آخر يطرأ محل الطرح إبان هذا الزخم التكنولوجي، هل ستستطيع الأنظمة الدولية والحكومات والمجتمعات التصدي للتحديات التي قد تواجههم أمنياً وفكريًا ودينيًا وإنسانيًا؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك