يتساءل كثير من العرب والمتابعين للمشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط عن أسباب عدم تدخل روسيا في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الإستراتيجي والداعم الأهم لتل أبيب لبقاء تفوقها السياسي والعسكري.
قد يقول قائل، إن موسكو تدخلت في سورية ووفرت لها كل الأسباب التي جعلت النظام السياسي هناك يحافظ على وجوده، لكن هذا التدخل لم يأت لإنقاذ النظام السوري بقدر ما جاء لخدمة المصالح الإستراتيجية الروسية وتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
روسيا تربطها علاقة جيدة جداً بإسرائيل، وتدرك أن تحقيق مصالحها يتطلب بقاءها على مسافة واحدة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولذلك ليس في جعبتها أكثر من موقفها السياسي الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
ثمة أسباب عديدة تحول دون تدخل موسكو في الصراع الفلسطيني والعربي مع إسرائيل الدائر حالياً، إذ أولاً تجد في الفوضى الحالية في منطقة الشرق الأوسط خياراً مناسباً للاستفراد بأوكرانيا، وخصوصاً مع التركيز الأمريكي وأولوية دعم تفوق إسرائيل وتوجيه أغلب الدعمَين المادي والعسكري لها.
ترى موسكو في استدارة واشنطن المؤقتة من الاهتمام بأوكرانيا إلى إسرائيل مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إليها، لأن ذلك سيعني تفوقها العسكري مع صعوبات توفير المعدات العسكرية الفورية التي تطلبها كييف من شركائها الأمريكيين والأوربيين.
كذلك تضع كل ثقلها في حربها الاستنزافية مع أوكرانيا، بما في ذلك توظيف مجهودها التصنيعي العسكري في خدمة هذه الحرب، الأمر الذي يعيقها عن تصدير الأسلحة إلى بعض الدول العربية والإفريقية، بالإضافة إلى معيقات أخرى تتصل بالعقوبات الدولية المفروض عليها بشأن تصدير السلاح.
ثم إن إسرائيل حساسة جداً لمسألة أي دعم يمكن أن تقدمه روسيا لدول تصنفها تل أبيب بالعدو، كما هو الحال مع إيران، ولذلك جرى الحديث مسبقاً عن احتمال عقد صفقة بين موسكو وطهران بشأن تصدير طائرات حديثة من طراز «سوخوي أو سو 35» وأنظمة دفاع جوي، لكن الصفقة لم تكتمل أو تتحقق حتى هذه اللحظة.
صحيح أن طهران دعمت موسكو بأسلحة في حربها مع أوكرانيا، وأشهرها الطائرات المسيّرة، لكن روسيا مقيّدة نوعاً ما بشأن تصدير بعض الأسلحة المتطورة التي يمكن أن تزيد بقوة من كفاءة القدرات العسكرية الإيرانية، وخصوصاً في سلاح الطيران، حيث تمتلك طهران طائرات قديمة لا يمكنها منافسة أسطول إسرائيل من الطائرات الحديثة.
في المقابل، تمتنع إسرائيل حتى هذه اللحظة عن تزويد أوكرانيا بأسلحة بسبب التخوف من أن تلجأ روسيا إلى إرسال أسلحة متطورة إلى إيران، ومع ذلك من غير المستبعد أن تل أبيب ترسل أسلحة إلى كييف من تحت الطاولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى موسكو التي يحتمل أيضاً أنها تدعم طهران بأسلحة من تحت الطاولة أو عبر طرف ثالث.
منطقة الشرق الأوسط أشبه بالـ«كعكة» التي يجري تقاسمها بين القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ترى موسكو أن وجودها الأساسي ينبغي أن يتركز في سورية وأنه ليس هناك من أولوية في الفترة الحالية لتعزيز نفوذها في ظل حربها المفتوحة مع أوكرانيا.
أيضاً تنظر إلى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على أنه مطبٌّ شائك والتدخل فيه لا يخدم مصالحها الإستراتيجية، بالإضافة إلى أن واشنطن لن تسمح لها بالتدخل في هذا الملف، وتعتبره حكراً عليها بدليل أنها الطرف الأكثر تدخلاً لحماية المصالح والوجود الإسرائيلي في المنطقة.
لا ينبغي على العرب أن يتفاءلوا بشأن أي تدخل روسي لحماية مصالحهم، ففي النهاية كل الدول تسير وفق مصالحها، وروسيا ليست في وارد فتح جبهة جديدة من الخلاف مع الولايات المتحدة محورها الشرق الأوسط، لأن ذلك قد يؤثر في أدائها العسكري في كييف.
ثم إن واشنطن حشدت عشرات السفن الحربية والبوارج وقبلها أرسلت حاملة طائرات إلى البحر المتوسط، ونشرت آلاف الجنود ولم يكن هناك أي موقف روسي حازم باستثناء بعض التعليقات التي لا «تسمن ولا تغني من جوع»، تتضمن تخوفات من زيادة التصعيد في المنطقة.
كذلك تشن إسرائيل العديد من الغارات على سورية، ولم يكن هناك أي تحرك روسي قوي عدا التصريحات الاستنكارية بشأن تهديد السيادة السورية، وبالتالي يمكن القول: إن المسألة أشبه بتوزيع الأدوار بين القوى الدولية في الشرق الأوسط.
النتيجة أن روسيا لن تُحرّك أسطولها من أجل الفلسطينيين أو العرب، ففي النهاية الأنظمة العربية بضعفها ليست سوى الجمهور المتفرج في مسرحية من تأليف وإنتاج ومشاركة قوى دولية.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك