العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب الإبادة ستؤدي بإسرائيل إلى «الانتحار الذاتي»!

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

النحر‭ ‬الجماعي،‭ ‬أو‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لشعوب‭ ‬أخرى،‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬معقد‭ ‬ومؤلم‭ ‬يعكس‭ ‬بعض‭ ‬الصراعات‭ ‬الدامية‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬ويحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬بذور‭ ‬الانتحار‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجماعات‭ ‬أو‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬النزعة‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬تنفذ‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة،‭ ‬سعياً‭ ‬وراء‭ ‬محو‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الوجود،‭ (‬لأسباب‭ ‬متعددة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬النزاعات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية،‭ ‬وبين‭ ‬الطموحات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭.. ‬إلخ‭). ‬وتبرز‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬كمثال‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬قمع‭ ‬شعبٍ‭ ‬آخر؛‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭- ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬للمجتمع‭ ‬القامع‭ ‬ذاته‭.‬

‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬مأهولة‭ ‬بمواطنيها‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬اتبعت،‭ ‬في‭ ‬استعمارها،‭ (‬نهج‭ ‬الاستيطان‭ ‬الإحلالي‭) ‬نهجًا‭ ‬ثابتاً‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬وطرد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭. ‬

وكانت،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تحاول،‭ ‬بشكلٍ‭ ‬منهجي،‭ ‬طرد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬أو‭ ‬إخضاعهم‭ ‬بعديد‭ ‬صنوف‭ ‬السيطرة‭ ‬والهيمنة‭ ‬والإبادة‭ (‬بالجملة‭ ‬أو‭ ‬بالتقسيط‭!)‬،‭ ‬مستخدمة‭ ‬وسائل‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭: ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمجال‭ ‬الثقافي‭.. ‬إلخ‭. ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬أفعال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬بالإبادة‭ ‬الثقافية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العسكري،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬محو‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والتمسك‭ ‬بروايات‭ (‬جوهرها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬خزعبلات‭) ‬تاريخية‭ ‬تبرر‭ ‬هذه‭ ‬المقارفات‭/‬الجرائم‭. ‬

وفي‭ ‬أعين‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬الإبادة‭ ‬هذه‭ ‬تحمل‭ ‬بذور‭ ‬الانتحار‭ ‬الذاتي،‭ ‬لأنها‭ ‬تقوض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شرعية‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وسمعتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬وأدت‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬عالمي‭ ‬لسياساتها‭ ‬التي‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومارقة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تطلق‭ (‬عند‭) ‬القوى‭ ‬المستهدفة‭ ‬بالإبادة‭ (‬طوفانا‭) ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬المستحقة‭ ‬لحماية‭ ‬نفسها‭ ‬وحقوقها‭.‬

وفي‭ ‬سعي‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تهشيم‭ ‬الوجود‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬نجدها‭ ‬تدفع‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نحو‭ ‬أتون‭ ‬العزلة؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فقدان‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬المختلفة‭ ‬داخل‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تصدعات‭ ‬كنتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لتداعيات‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬العدوانية‭. ‬إن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والتوتر،‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬‮«‬الحلول‭ ‬السلمية‮»‬‭ ‬أمراً‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الباغية‭ ‬ويؤذي‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها‭.‬

على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬يمكن‭ ‬استعراض‭ ‬استثناءات‭ ‬حققت‭ ‬فيها‭ ‬سياسات‭ ‬الاستعمار‭ ‬‮«‬الاستيطاني‮»‬‭ ‬نجاحًا‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وأستراليا‭. ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياسات‭ ‬الإبادة‭ ‬والتهميش‭ ‬بحق‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬وفرض‭ ‬ثقافتها‭ ‬وقيمها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تعتبر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬‮«‬استقرارًا‮»‬‭ ‬و«تقدمًا‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬النجاح‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بني‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬المستند‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والإبادة‭ ‬بحق‭ ‬الشعوب‭ ‬الأصلية؛‭ ‬يظل‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬إرثًا‭ ‬عنيفاً‭ ‬في‭ ‬عنصريته‭ ‬سيعاني‭ ‬منه‭ ‬الطغاة‭ ‬أنفسهم‭ (‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭).‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬النحر‭ ‬الجماعي‭ ‬أو‭ ‬نهج‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ورغم‭ ‬تحقيقها‭ ‬نجاحات‭ ‬تكتيكية‭ ‬قصيرة‭ ‬الأمد؛‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬تداعيات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى؛‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬فـــ‭ ‬‮«‬النحر‮»‬‭ ‬يحمل‭ ‬بذور‭ ‬‮«‬الانتحار‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬إبادة‭ ‬شعوب‭ ‬أخرى‭ ‬تؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬القامع‭ ‬وفقدانه‭ ‬للشرعية‭ ‬والقيم،‭ ‬وتدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الانحطاط‭ ‬الأخلاقي‭ ‬المرفوض‭ ‬والمشجوب‭ ‬دولياً‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬الاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬الجماهيري‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬

وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تنتهج‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬أن‭ ‬تعي‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬والقمع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكونا‭ ‬أساسًا‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬مستدام‭ ‬وآمن‭ ‬لها،‭ ‬وأن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬الحقيقي‭ ‬يبدأ‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الجميع‭ ‬ووقف‭ ‬دوامة‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬وأعمال‭ ‬الإبادة‭.‬

‭ ‬فهل‭ ‬يستمع‭ ‬‮«‬يهود‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬والعدل‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬التاريخ؟‭ ‬هم‭ ‬لم‭ ‬يفعلوا‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الحاضر،‭ ‬ولذلك‭ ‬نتوقع‭ ‬لهم‭ ‬‭ ‬طال‭ ‬الزمان‭ ‬أم‭ ‬قصر‭- ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬غالياً‭ ‬من‭ ‬وجودهم‭ ‬وفق‭ ‬المعادلة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭: ‬‮«‬الإبادة‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار‮»‬‭ ‬

‭(‬Genocide‭ ‬is‭ ‬Suicide‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا