في عصر يحتدم فيه الصراع على الألقاب، عصر تطغى عليه الظواهر الشكلية على المضمون، عصر أصبح فيه من يعمل إعلانات دعائية ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي؛ مؤثر، هذا فنان وذاك مبدع وآخر مثقف، وقائمة الألقاب تطول. وقد لخّص الفيلسوف والكاتب الكندي آلان دونو هذه الظاهرة التي أخذت تضرب في عمق المجتمعات من الشرق والغرب في كتابه «نظام التفاهة» وتطرّق إلى العديد من المجالات التي أصبحت فيه التفاهة هي الجوهر الأساسي في النظام الاجتماعي العالمي.
«ثورة» ما أن يسمع الفرد هذا المصطلح حتى يتبادر إلى ذهنه صور مشبّعة بالفوضى والدمار والتخريب والنزاع، ويتم استخدام المصطلح بغرض الإطاحة بالمنظومة الحاكمة من خلال استخدام القوة والعنف، وهو بطبيعة الحال مصطلح ملتصق بالشؤون السياسية، إلا انّ ما يهمنا في هذا المقال هو الجانب الثقافي، والتغيير الاجتماعي، وتطوير منظومة التفكير الجمعي، ولكن ما السبيل إلى تأسيس هذه الثورة الناعمة؟
لا طريق لذلك سوى الكتاب والقراءة، فالسلوك الاجتماعي ينشأ من اعتناق فكرة معينة، وتُعزّز من خلال تداولها بين الناس، وطالمًا نعيش في حالة من عدم الرضا على بعض السلوكيات؛ فلا بد من اشعال ثورة ثقافية قادرة على خلق التحوّل.
تتنوّع الأدوات وتختلف، ولكن يبقى معرض الكتاب هو أحد أهم الأدوات في الحراك الثقافي، إن لم يكن الأهم، فلا نكاد نتذكر متى آخر مرة أقيم فيها معرض البحرين الدولي للكتاب! ربما كل ما نتذكره أنه أقيم قبل جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وجلبت معها قيود التباعد الاجتماعي وإلغاء التجمعات والمحافل وإلخ من الأمور التي عايشها الجميع.
يُعد معرض الكتاب تجمعا ثقافيا مهما جدًا وتحتاج اليه كل المجتمعات لما له من مردود مباشر وغير مباشر، وبطبيعة الحال ليس هناك خلاف على أهمية وجوده، فتجوّل الناشئة والشباب والطلبة، بل حتى الأطفال في معرض الكتاب أفضل بكثير من الجلوس أمام شاشات الهواتف والتجوّل الافتراضي في التطبيقات. يتيح معرض الكتاب فرصا عديدة بصرف النظر عن شراء الكتب – التي أصبحت متوافرة في الشبكات العنكبوتية – فمنها توفير المناخ العام بما يحتويه من إقامة ورش عمل وندوات ومحاضرات، هذا بالإضافة إلى مقابلة المفكرين والكتّاب ومجالستهم، والاطلاع على خطط وأهداف دور النشر، ولا ننسى جانبا مهما وهو التعرف على منجزات المؤسسات الحكومية من خلال أقسامهم الخاصة كونها جزءا لا يتجزّأ من المعرض.
نتطلع إلى ثورة ثقافية ناعمة بمعناها الإيجابي وأن يعود معرض البحرين الدولي للكتاب للظهور مجددَا، فقد طال الانتظار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك