اختتمت فعاليات المهرجان المسرحي الخليجي في دورته الرابعة عشرة بمدينة الرياض الحبيبة بعد ثمانية أيام مفعمة بالمحبة والإبداع، وهذه الدورة كانت بحق استثنائية بكافة المقاييس حيث التأم شمل المسرحيين الخليجيين بعد عقد من التوقف، وقد احتضنت الرياض أبناء الخليج بكل محبة وابتهاج، وفتحت باعها لاستقبال ضيوفها، وسخرت كل إمكاناتها المادية والبشرية واللوجستية من أجل نجاح هذا العرس الخليجي الكبير، وذلك بعمل مضن قام به سعادة الأستاذ سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، وجهد مشهود اضطلع به دينامو ومدير المهرجان الأستاذ خالد الباز الذي قاد لجانه المختلفة بكفاءة ودقة، والحضور العملي القوي الذي قامت به اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقيادة رئيسها الشاب الفنان الأستاذ خالد الرويعي ورفاقه في اللجنة العتيدة.
أبدع الفنانون فوق خشبة المسرح، وشاهدنا أعمالا مسرحية جميلة، وقدم لنا الشباب الخليجيون فرجة مسرحية رصينة، حاول فيها الفنانون وكل في تخصصه ومجاله أن يرسخوا قدما فنية على خشبة المسرح الجاد، وقد استقبلها الآلاف من المتلقين بالتصفيق والترحيب والكثير من التفاعل، وقد صاحبت العروض المسرحية فعاليات أخرى ابتداء من الندوات التطبيقية بعد كل عرض، إلى الندوات الفكرية التي شارك فيها فنانو الخليج بأوراقهم، كما كرّم أيضا نخبة من رواد المسرح الخليجي، على رأسهم الراحل الكبير الأستاذ الدكتور إبراهيم غلوم الرئيس السابق، ومؤسس اللجنة الدائمة مع تنظيم مسامرات ليلية ثقافية وأدبية تتناول موضوعات مسرحية متنوعة، يتداخل فيها الحاضرون ويثرون النقاش بكل محبة ومودة، ولقاء حميم لتبادل الوفود الهدايا والدروع التذكارية.
وعلى الجانب الآخر نشطت اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية رئيسا نشطا وأعضاء أفذاذا في مد الجسور مع مختلف الكيانات المسرحية الخليجية والعربية لتوحيد الجهود وتكاتفها والتنسيق بينها من خلال عقد اجتماعات عديدة، وذلك لإبراز المسرح الخليجي؛ ليكون كيانا مبدعا متقدما قويا واعيا، وللجنة الدائمة طموحات مشروعة وبرامج عملية قادمة للأخذ بيد الفنان المسرحي الخليجي لإعادة تكوينه فنيا في مختلف مجالات الاشتغال المسرحي بما يتناسب والرؤى الفنية والفكرية والفلسفية الحديثة.
ومن الإفرازات الإيجابية للمهرجان الخليجي في دورته الرابعة عشرة هو لقاء الفنانين الخليجيين على أرض الرياض، وهي فرصة مواتية للتعارف بينهم، وتبادل الخبرات، وربما تعقد اللقاءات للتنسيق الفني بينهم، كما أنه أوجد الأرضية الصلبة للتشاور والتباحث في هموم العمل المسرحي، وتداول الاقتراحات من أجل مسرح خليجي متقدم.
في هذه الدورة بالذات لم يكن الفوز الهدف الرئيس لتحقيقه، وإن كان حقا مشروعا للفرق المسرحية المشاركة، إلا أن ما شاهدناه حقا من فرحة عارمة يوم الاختتام، وإعلان النتائج وقد غمرت السعادة جميع الفرق والفنانين المسرحيين بغض النظر عن أي اعتبار آخر، حيث غصت خشبة المسرح بكل الفنانين، وهم يهنئون زملاءهم الفائزين بفرح وسرور، معتبرين أن نجاح هذا المهرجان هو الفوز الأكبر الذي يشعر به كل من حضر المهرجان ورأى البهجة على وجوه الجميع.
وتشجيعا لكل الفرق المسرحية الأهلية سواء كانت المشاركة مباشرة في المهرجان أو غير المشاركة استحدثت ولأول مرة جائزة الفرق المشاركة المتميزة، وهي بحق التفاتة رائعة لإنصاف الفرق المشتغلة التي لم توفق للمشاركة في المهرجان لسبب أو لآخر، فتعطى الفرصة لها حتى تكون في مصاف الفرق المشاركة، وإن غاب عرضها عن المهرجان، ولا يفوتنا أيضا أهمية تفكيك جائزة السينوغرافيا؛ لتكون ثلاثا عوضا عن واحدة وهي (الإضاءة والزي والديكور)، كما بذل رئيس اللجنة الدائمة جهدا كبيرا في مضاعفة قيمة الجوائز؛ لتكون بمستوى الحدث الكبير.
بعد هذا النجاح المشهود لهذه الدورة المنفردة حقيقة هنالك تحديات قادمة كبيرة في رسم خارطة طريق متقدمة ونوعية تبدأ من اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية الخليجية والإدارات والهيئات الرسمية من أجل أن يكون المهرجان أحد مفردات هذا العمل الدؤوب مع مفردات أخرى لا تقل أهمية عنه مرتبطة بالتكوين الفني والفكري للمسرحيين الخليجيين، ورصف الطريق أمامهم لتحقيق الطموحات المرجوة، حتى يتألق نجمه بين المسارح العربية والعالمية الكبرى، ولا ننسى أهمية تثقيف الجمهور؛ ليستوعب المسرح جميع الأطياف؛ ليكونوا من مريديه وعشاقه والمتذوقين لعروضه.
{ باحث في النقد الفني والأدبي والمدير التنفيذي في اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك